لا يوجدُ تاريخٌ حقيقيّ ومؤرّخ له لبداية انطلاقة “لجان المقاومة الشعبية“، وجناحها العسكريّ “ألوية الناصر صلاح الدين”. التنظيم يصرّ على أن بداية تأسيسه كانت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الانتفاضة الثانية بتاريخ 28/09/2000، ورغم أنّ التاريخ ليس دقيقاً تماماً، لكنّه يعكس رؤية اللجان لنفسها، وارتباطها الوثيق بالانتفاضة الثانية. عبّر عن ذلك مؤسّس التنظيم جمال أبو سمهدانة بقوله: “لجان المقاومة الشعبية هي إطار مقاتل تأسّس منذ بداية الانتفاضة”.
في البدء كانوا مُقاتلين سابقين
التمّ في البداية، عددٌ من المقاتلين السابقين، لتأسيس تجمّعٍ يضمّ مُطاردين متعدّدي الانتماءات، بالإضافة إلى مقاتلي “حركة فتح” غير الراضين عن أداء أجهزة الأمن الفلسطينية في تلك الفترة -“كتائب شهداء الأقصى” لم تكن قد انطلقت آنذاك-. كان من ضمن هؤلاء جمال أبو سمهدانة، وإسماعيل أبو القمصان، وأبو يوسف القوقا، ومحمد الشيخ خليل -الذي سيعود لاحقاً إلى “سرايا القدس”-. وحصل التنظيم على دعم من قادة بعض الأجهزة الأمنيّة مثل جهاد أبو العمارين، ودعم من قيادات عسكرية لـ”كتائب القسّام” مثل عدنان الغول وفوزي أبو القرع، اللذان كانت تربطهما علاقاتٌ جيّدة بكلٍّ من أبو سمهدانة وأبو القمصان.
في بداية الأمر، كان هناك ثلاثة قادة مركزيين، شكّلوا النواة الأولى للتنظيم: إسماعيل أبو القمصان في شمال غزة، وأبو يوسف القوقا في غزة المركز، وجمال أبو سمهدانة في جنوب القطاع -الذي يُعتبر عمليّاً المؤسّس والشخصية الأهمّ في التنظيم-. كان الثلاثة مقاتلين سابقين في “حركة فتح”، وكان هذا التجمع يمتلك مميزات على خلاف بقية الفصائل الفلسطينية، فالبنية العسكرية لـ”حركة حماس” و”الجهاد الإسلامي” كان قد تمّ القضاء عليها، وتجفيف منابعها تماماً قبل اندلاع الانتفاضة. كما أنّ تشكيلات “فتح” العسكرية لم تكن قد تأسست بعد، فضلاً عن امتلاك هذه المجموعات للعتاد العسكري، إمّا لكونهم ضباط وقادة في الأجهزة الأمنية ويمتلكون سلاحاً خاصّاً، أو بسبب علاقاتهم مع قادة الأجهزة الأمنية المتعاطفين مع العمل العسكري.
تجدرُ الإشارة إلى أنّ مؤسّسي الألوية السابقين، لم تكن الانتفاضة هي الحدث الوحيد الذي بلور خيارهم العسكري، نظراً لكون المؤسّسين الثلاثة لديهم سجلّات عسكرية، بعد توقيع “أوسلو”، أدّت لاعتقالهم عدّة مرّات، وأحيانًا فصلهم من التنظيم1.. كما أنّ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان كان حدثاً مهمّاً، شكّل وعي العديد منهم مثل أبو سمهدانة، الذي نفذّ عدّة عمليات قبل الانتفاضة الثانية، تأثّراً بانسحاب جيش العدوّ من لبنان. وعليه، وبعد انطلاق الانتفاضة الثانية، كانت الفرصة مواتية لبدء أعمال عسكريّة نوعيّة.
ملامح أولى للتجربة العسكريّة
“ألوية الناصر، عددٌ قليل وعمل كثير”، كان أحد شعاراتِ الألوية المفضّلة لدى شبابها. فعلى الرغم من محدودية التنظيم عددياً، إلّا أنّه حقّق إنجازات نوعيّة في طبيعة العمل العسكري خلال الانتفاضة. فمن ناحية، استطاع التنظيم توجيه ضربات عنيفة لسلاح المدرّعات الإسرائيلي عبر تفجير 4 دبابات “ميركافا” في السنوات الأولى من الانتفاضة، وزاد من قدرة قطاع غزّة على مواجهة الاجتياحات.
كما ركّز التنظيم بشكلٍ كبير على اقتحام المستوطنات، التي كانت عبارة عن قواعد عسكرية محصّنة على خلاف الضفّة الغربيّة. إذ نفّذ بهاء الدين أبو السعيد، أحد مقاتلي التنظيم، أوّل عملية اقتحام للمستوطنات خلال الانتفاضة2.. نفّذ التنظيم كذلك، عملية استهداف لحافلة تُقِلُّ رجال أمنٍ عند “معبر رفح” في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2000. بالإضافة لإسهام التنظيم الجيّد -وإن كان بشكل أقلّ من تنظيمي “كتائب القسام” و”سرايا القدس”- في عملية التصنيع العسكريّ المحلّي، التي كانت سمة حركات المقاومة حتى سنة 2007، تحت إشراف محمد العبد القوقا، الذي تولّى ملف التصنيع العسكري حتى استشهاده. إذ تمكّن من تصنيع قذائف هاون، وصاروخي “ناصر 1″ و”ناصر 2”.
لا بدّ لهذا العمل أن يكون مشتركاً
على عكس تنظيمات أخرى، كانت معظم عمليات “لجان المقاومة الشعبية” عمليات مشتركة مع فصائل فلسطينية أخرى، خصوصاً العمليات الاستشهادية المتعلّقة باقتحام المستوطنات. إذ اشترك التنظيم في عمليات مع “سرايا القدس” و”كتائب القسّام” و”كتائب شهداء الأقصى”. من هذه العمليّات: عملية البرق الصاعق، وعملية فتح خيبر، وعملية موقع ملكة، وعملية حطين، وعملية جسر الموت، وعملية زلزلة الحصون، وأشهرها عملية الوهم المتبدّد.
كان لهذا النوع من العمليات، إسهامٌ كبير في الجهد العسكري في قطاع غزّة، فهو من جانب رفعَ كلفةَ بقاء الاحتلال في القطاع، ومن جانب آخر وزّع الجهد العسكري والتنظيمي والمالي على عدّة فصائل. الأهمّ من ذلك، زيادةُ شريحة المُنخرطين في العمليّات، ممّا يُصعّب على السلطة والاحتلال، تحميل المسؤوليّة السياسيّة على فصيل بعينه. كان هذا واضحاً في عمليّة “الوهم المتبدّد”، التي تبنّتها ثلاثةُ فصائل: “كتائب القسّام”، و”ألوية الناصر”، و”جيش الإسلام” -الأخير كان قد انشقّ عن اللجان-.
كان العملُ المشترك حلّاً عمليّاً وتكتيكياً ناجحاً، للتغلّب على النقص الشديد في مصادر التمويل، والعنصر البشري الاستشهادي. فضلاً عن توزيع العبء العسكريّ على أكثر من فصيل. أمرٌ أشار إليه تقرير “الشاباك” الصادر عام 2004، قائلاً بأنّ الفصائل الفلسطينية كانت تلجأ إلى العمل المشترك، في الفترات التي تتعرّض فيها إلى ضربات قاسية من جيش الاحتلال. ويضيف التقرير بأنّ معدّل العمل المشترك، ازداد بعد عملية “السور الواقي”، وتحدّث عن “لجان المقاومة الشعبية” معتبراً إيّاها “الأكثر ارتباطاً بالعمليات المشتركة بين التنظيمات”.
الأمر الذي ساعد في تبنّي استراتيجية العمل المشترك من طرف “لجان المقاومة” تحديداً، هو أنّ التنظيم تشكّل من عناصر مختلفة من التنظيمات الأخرى. كما أن قيادات ومؤسّسي التنظيم ارتبطوا بشكل وثيق بقيادات العمل العسكري الفلسطيني الآخرين، فـ إسماعيل أبو القمصان كان مقرّباً من قيادات من “كتائب القسّام” مثل عماد عقل، وفوزي أبو القرع. كما أن أبو يوسف القوقا كان مقرّباً أيضاً من القسّام -وجرى اعتقاله على خلفية مساعدته لمقاتلي حماس في أواخر التسعينات-. أما جمال أبو سمهدانة، فبجانب علاقته مع محمد أبو شمالة ورائد العطار، كان مقرّباً جدّاً من محمد الشيخ خليل أحد أبرز قادة “سرايا القدس”، بل وحسب إفادة أبو سمهدانة فإنّ محمد الشيخ خليل كان من مؤسّسي “لجان المقاومة” نفسها.
ألويةٌ حدودها القطاع؟
من الواضح أن التجربة العسكرية للتنظيم قد تركّزت في قطاع غزّة. يعود هذا غالباً، إلى كون مؤسّسي التنظيم الأوائل كانوا من القطاع. رغم ذلك، بذلَ التنظيم جهده لنقل عمله العسكري إلى الضفّة الغربيّة، فإسماعيل أبو القمصان استشهد وهو يحاول الوصول إلى الضفّة. كما أنّ جمال أبو سمهدانة حاول إرسال مجموعة أخرى عام 2005، لتطوير وصنع مقذوفات عسكريّة، قبل إلقاء القبض عليها.
رغم ذلك، نجح التنظيم -في حالتين- في بناء نواة عسكرية خار ج القطاع وإن لم تستمرّ. إذ كوّن الشهيد جبر الأخرس خليّة عسكريّة تابعة لـ”ألوية الناصر صلاح الدين” عام 2003، ونفّذ ثلاث عمليّات عسكريّة نوعية، الأولى جنوب القدس وقتل خلالها 3 جنود، والثانية على طريق بيت لحم-الخليل وقتل خلالها 4 جنود، والثالثة قبل استشهاده بأيام وأصاب فيها جنديين. استمر الأخرس في العمل حتى عام 2006، وخلال هذه الفترة أصبح المطلوب الأول في بيت لحم، حتى اغتياله الذي تابعه رئيس “الشاباك” يوفال ديسكين شخصيّاً.
هناك تجارب أقلّ لتكوين خلايا عسكريّة، كان أكثرها في جنين، مثل خليّة الشهيد رأفت دراغمة، وخلية الشهيد ثائر حنيش، بالإضافة إلى خلايا قادها الأسير ياسر نزال -الذي يعتبره البعض قائد الألوية في الضفّة الغربية-. كما أنّ التنظيم نفّذ عملية اختطاف المستوطن إلياهو آشري عام 2006، وأعدمه بعد أيام في شمال الضفّة الغربية، على يد خليّة الأسيرين حمزة طقطوق وأيهم كمنجي، وهي العملية الأخيرة تقريباً للتنظيم في الضفّة.
المنعطف الأوّل: من البداية حتى 2004
تميّزت هذه المرحلة بالنشاط الفاعل للتنظيم في العمل العسكري للانتفاضة، وخصوصاً حتّى عام 2002، التي كانت ذروة عمله العسكري. خلال أربع سنوات، استطاع تفجير أربع دبابات ميركافا، فضلاً عن العمليات العسكريّة النوعيّة، مثل استدراج ضبّاط الهندسة شرق رفح، والعديد من العمليات الاستشهادية الأخرى. في نهاية هذه المرحلة بدأ التنظيم يتّجه نحو الأسلمة، متأثّراً بـ”حركة حماس” التي كان لها دورٌ كبير في توفير مصادر دعم مالي وعسكري للتنظيم، رغم بقائه محسوباً في كثير من الأحيان على “حركة فتح” وقريباً منها.
المنعطف الثاني: من 2004 حتى 2007
كانت هذه مرحلةً شهدت أكثر الأحداث تأثيراً في مسيرة التنظيم، سواء على المستوى الأيديولوجي أو التنظيمي. ففي هذه المرحلة، بدأ التنظيم يتبنّى الأدبيات الإسلامية بشكل واضح. ففي تعريفه عن نفسه كتب: “نحن لجان إسلامية تنطلق من فلسطين صوب فلسطين، إلى بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. فضلاً عن كون هذه الفترة، شهدت تقارباً كبيراً جدّاً مع “حركة حماس”، هذا التقارب سيعبّر عنه بموقفين حاسمين في تاريخ التنظيم. الأوّل دعم التنظيم لـ”حركة حماس” في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، والثاني مشاركة التنظيم في بنية الحكومة التي شكّلتها حماس عقب فوزها في الانتخابات. إذ جرى تعيين الأمين العام للتنظيم جمال أبو سمهدانة مراقباً عامّاً لوزارة الداخلية. كما أنّ العشرات من أفراد التنظيم اندمجوا ضمن القوّة التنفيذية التي شكّلها وزير الداخلية سعيد صيام.
في ذات الوقت، شهدت هذه الفترة اغتيال أهمّ قيادات التنظيم: جمال أبو سمهدانة وأبو يوسف القوقا، الأمر الذي سيؤثّر على بنية التنظيم، وتماسكه الداخلي، ممّا أدّى إلى انشقاقين مهمّين. الأوّل حينما أسّس ممتاز دغمش “جيش الإسلام”، وقاد الثاني زكريا دغمش الذي أطلق على تنظيمه اسم “حركة المقاومة الشعبية”، وجناحها العسكري “كتائب الناصر صلاح الدين”.
ظلّ الخط الرسمي للتنظيم تحت قيادة كمال النيرب أميناً عامّاً، وكمال حماد قائداً عسكريّاً. أمّا على المستوى العسكري، فقد شارك التنظيم في واحدة من أهمّ العمليات العسكرية في قطاع غزّة: “الوهم المتبدّد”، التي جرى على إثرها اختطاف الجنديّ جلعاد شاليط. خلال هذه الفترة حصل الطلاق التامّ بين التنظيم و”حركة فتح”، بعد إعلان اللجنة المركزية لفتح عدم مسؤوليتها عن اللجان.
المنعطف الثالث: من 2007 حتى 2012
على إثر الانشقاقات التي عصفت بالتنظيم، واغتيال أهمّ قادته المركزيين، وتراجع الأداء العسكريّ، بدأ التنظيم يُحاول لملمة صفوفه، عبر العديد من محاولات التوحّد مع المنشقّين خصوصاً جناح زكريا دغمش. فضلاً عن محاولته الحفاظ على تماسك الخطّ الرسمي للتنظيم. في ذات الوقت، شهد التنظيم تحوّلات مهمّة على الصعيد الأيديولوجي، فقد بدأت السلفية الجهادية بالتأثير على أفكاره والانتشار في قواعده التنظيمية. رغم ذلك، حافظ على علاقة ممتازة مع “حركة حماس” التي خاضت صراعاً مريراً مع السلفية الجهادية في غزة.
في ذات الوقت، لم يبلور التنظيم خطّاً جهاديّاً مُتصادماً مع حماس، على العكس من “جيش الإسلام” الذي صاغ نظرياته الفكرية بتصادم شديد مع حكومة حماس. ورغم الضعف الذي عاناه التنظيم، إلّا أنّه ظلّ محتفظاً بمجموعة من القادة الكاريزماتيين والمؤثّرين، الذين استطاعوا تقليص التناقضات داخل التنظيم كثيراً، مثل كمال النيرب الأمين العام الثاني، وزهير القيسي الأمين العام الثالث، وكمال حماد القائد العسكري.
شهدت هذه الفترة تطوّراً نوعيّاً في فلسفة التنظيم العسكرية، بالعمل من خارج قطاع غزّة، وتحديداً في سيناء. إذ تمّ تنفيذ “عملية إيلات” بتاريخ 18 أغسطس/ آب 2011، ردّت على إثرها “إسرائيل” بشكل سريع، باغتيال قادة التنظيم دفعة واحدة بعد العملية بيوم واحد.
المنعطف الرابع: من 2012 حتى اليوم
إثر عملية الاغتيال التي استهدفت الأمين العام للتنظيم زهير القيسي ونائبه، تعمّقت أزمة التنظيم القيادية. بدا واضحاً زيادة التناقضات الداخلية، فالجهاديون انشقّوا مرّة أخرى عام 2013، تحت مُسمى “لواء التوحيد”. كما حصلت انشقاقات صغيرة أخرى، وهو الأمر الذي أثّر بشدّة في مسيرة التنظيم العسكرية. وعلى الرغم من الإشراقات العسكرية للتنظيم في هذه الفترة مثل استهداف سيارة جيب عسكريّة بصاروخ موجّه شرق خانيونس عام 2012، فضلاً عن مسؤوليته عن “كمين العلم” عام 2017، كما صرّح ليبرمان وزير الدفاع في دولة العدو، إلّا أن أداءه العسكري في حرب 2014 كان ضعيفاً، فباستثناء الجهد الصاروخي -حيث كان التنظيم في المركز الثالث في معدل القصف بعد “كتائب القسّام” و”سرايا القدس”- إلّا أن دوره في الاجتياح البريّ كان ضعيفاً.
ما زال التنظيم يعتبر القوّة العسكرية الثالثة، من حيث الفاعلية في قطاع غزّة، ويحاول الحفاظ على تماسكه وزيادة فعاليته، خصوصاً بعد مسلسل الانشقاقات والخلافات المؤلمة في حياة التنظيم. رغم ذلك، فإن التنظيم بمقدوره تطوير كفاءته العسكرية، نظراً للدافعيّة العسكريّة لمقاتلي التنظيم، وقدراته التي تُثبتها بعض الأحداث التاريخية منذ بدء الانتفاضة وحتى الآن.
المصدر: متراس