ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، بنقل أخبار الخلافات الفصائلية على تبني الشهداء، وهي حالة متكررة للأسف منذ سنوات طويلة. وبقدر المرار الذي تثيره مثل هذه الخلافات أمام دماء زكية طاهرة، فإن النشر المكثف وغير الواعي أحيانا لهذه الحالات المعزولة رغم تكررها بين الحين والأخر، يدفع الكثيرين خاصة البعيدين عن الالتصاق بالحالة الفلسطينية وفهم متغيراتها، إلى نزع المصداقية بالجميع.
ينبغي أن نسجل ابتداءً أن التسارع لتبني الشهداء، انعكاس للفخر بهم وبعطائهم وتضحياتهم، وهذا أمر محمود وجميل، وتصديق ذلك ينبغي أن يكون بمباركة خطاهم، والسير على دربهم، وتوفير الرعاية لذويهم.
كما نسجل أن الفصائل جميعها، خاصة الكبيرة منها، وفي طليعتها حماس وفتح، لديها من الشهداء من القادة حتى الجند والمناصرين المئات إن لم يكن الآلاف، ولا أحد يستطيع أن يزايد على حجم تضحياتها على مر سنوات النضال الفلسطيني. بمعنى أنها ليست بحاجة لتضيف لسجل مجدها من الشهداء شهيدا جديدا.
أما هذا الخلاف المؤسف فمرده، وفق تقديري لجملة أسباب منها:
- تعدد الانتماءات داخل الأسرة الواحدة، فالبيت الواحد تجد فيه الفتحاوي والحمساوي والجهادي والجبهاوي، وغلبة انتماء تنظيم معين في البيت أو الأسرة الواحدة أو العائلة، يفجر مثل هذه الخلافات عند ارتقاء شهيد منهم يحمل انتماء آخر، خاصة إذا كان الانتماء هذا مستجدا، وزاد تأثير هذا العامل بفعل الانقسام، في ظل استخدام سياسة قطع الرواتب والعقوبات بالفصل الوظيفي من جهة.
- بعض الشباب صغار السن، يتقلب بين الفصائل في مقتبل عمره، فتارة يلتزم هنا وتارة هناك، ما يحدث بعض الارتباك عند استشهاده، فكل تنظيم يقول ابني، وهو في الحقيقة صادق، وجزء كبير من العائلات لا تعرف تفاصيل كاملة عن أعمال أبنائها ومستويات انخراطهم في العمل الوطني.
- هناك تأثيرات وعوامل متعلقة بحجم المنفعة المتوقعة والمأمولة، وهذه تحضر بشكل أبرز، عند الشهداء غير المنتمين بالأساس، حيث يتطلع الأهل إلى ما يمكن أن يعود إليهم من وراء التبني.
- جرت العادة قبل سنوات الانقسام، أن تتبنى حركة فتح أغلب الشهداء غير المنتمين، بفعل ما يتوفر لديها من إمكانيات السلطة وراتب الشهيد، وإمكانيات التوظيف، وبعد عام 2007، دخلت حركة حماس أيضا على هذا الخط بشكل نسبي.
- أحيانا يكون أفراد الأسرى لديهم انتماءات مختلفة ومتباينة، والشهيد لا انتماء له، وكل طرف من الأسرة يريد لتنظيمه أن يتبنى الشهيد، أي أن الأمر خلاف عائلي ويصور على أنه تنظيمي.
وأرى ضرورة الالتزام بمعيارين أساسيين أدبيا وأخلاقيا:
- احترام إرادة عائلة الشهيد وهنا نقصد بشكل أساسي والدا الشهيد وأسرته الصغيرة، في اختيار من يتبنى الشهيد.
- ضرورة أن تحترم العائلات – وهو ما يحصل غالبا- المسار الذي اختاره أبناؤها في حياتهم، عند استشهادهم ورحيلهم.
في النهاية:
الأولى في شهداء مسيرة العودة الكبرى، وشهداء المهمات الإنسانية أن يتبنوا بشكل وطني، إما باسم الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار، أو القوى الوطنية والإسلامية، ولتتنافس الفصائل كلها في خدمة رسالة الشهيد ورعاية عائلته.