شبكة قدس الإخبارية

كيف يعيش الأسرى أجواء "الكلاسيكو"؟

رغيد طبسية

يتجمهرُ محبو كرة القدم الأصدقاء في المقاهي، ويتجمعون أمام شاشات التلفاز في تجمعات عائلية؛ لمتابعة الحدث الكروي الأكثر بريقاً وإثارةً للجدل وهو "كلاسيكو العالم" بين الريال وبرشلونة، ولكن بعيدًا عن هؤلاء هناك محبون للكرة في مكان آخر، متيمون بريال مدريد وعشاق لبرشلونة يقبعون في سجون الاحتلال، فكيف يعيش الأسرى أجواء الكلاسيكو؟!

بعد أيامٍ من النقاشات حامية الوطيس في ساحة الفورة وفي جلسات السمر الليلية بين الأسرى المنقسمين في تشجيع الغريمين "برشلونة وريال مدريد" يحلّ اليومُ المنتظر، فترى الشبان يتوافدون صباحًا لغرفة الأسير الذي يحتفظ بالصحيفة الإسرائيلية التي تنشر توقيت المباراة، أو ربما يجدون توقيتها في خبر رياضي ضمن نشرة أخبار تعلق كل صباح على لوحة مثبتة بجدار السجن.

 تبدأ التجهيزات لهذه المباراة المهمة ليس فقط كرويًا وإنما لأجل "النكاية" برفاق الأسر وإضفاء أجواء من المرح في ظل المعاناة التي يعيشها الأسرى! وتتعدد الاستعدادات ما بين تزيين الجدران والأبراش بأعلام الفريقين المتنافسين وشراء الحلويات والمكسرات اللازمة للاستمتاع بقضاء الساعتين المثيرتين.

ساعات قبل بداية المباراة يبدأ الأسرى تجهيز التلفاز ومحاولة صناعة لاقط لإشارة قناة تلفزيونية أرضية تبث الكلاسيكو بتعليقٍ عربي، فالقنوات العربية التي تبث المباريات ممنوعة من قبل إدارة سجون الاحتلال؛ فيما تسمح الإدارة بقنوات إسرائيلية تبث المباريات بتعليق عربي، وكون التعليق على المباراة يعدل نصف متعتها؛ يبدأ التجريب حتى يستطيع الأسرى اصطياد قناة تبث المباراة بجودة عالية.

 في كثير من الأحيان يضطر الأسرى لمشاهدة المباريات وكأنهم في زمان ما قبل التلفزيون الملون؛ جراء رداءة لقط الإشارة العائد لأسباب مختلفة ربما يكون أبرزها الحالة الجوية.

يتم الإعلان بأن الغرفة الفلانية هي الأفضل لمشاهدة الكلاسيكو نظراً لمكانها ومهارة الشبان في التقاط الإشارة؛ يتجمهر الشبان في غرفٍ قليلة ويتكدسون بأعدادٍ مضاعفة للعدد الذي تتسع له تلك الغرف لتكون أجواء حماسية وتنافسية يشارك فيها حتى أولئك الشبان الذين لم يسبق لهم أن شاهدوا كرة القدم ولو لمرة واحدة خارج القضبان.

تحين لحظة الصفر وتنطلق الصافرة يعمّ الصمت وتسود أجواء الترقب، لا تكاد تسمع سوى صوت بذور المكسرات تتكسر بين أسنان الأسرى بسرعة جراء التوتر الحاصل لكل من يتابع الكلاسيكو بطبيعة الحال، وبين الفينة والأخرى تنطلق صرخة هنا حسرة على فرصة ضائعة، وأخرى هناك غضباً من قرار تحكيمي، وفجأة تتعالى صيحات فرحة بهدف لأحد الفريقين وتبدأ أصوات الشبان يغيظون بعضهم البعض في أجواء غاية في الروعة!

تنتهي المباراة ولا تنتهي أجواؤها في السجن فمشجعي الفريق الفائز يهنئون بعضهم ويمارسون الهواية المفضلة في مكايدة مشجعي الفريق الخاسر ومغالبتهم مزحًا، ضمن أجواءٍ أخوية يتقبلها الجميع، كما تتصدر النقاشات حول تفاصيل الكلاسيكو التكتيكية والحالات التحكيمية المشهد في ساحة الفورة.

وفي الليل يعود كل أسير إلى برشه يسرح بخياله إلى لحظات غابت عنه في الكلاسيكو هذه المرة فهو لم يعد يحضر المباراة مع أولاده ويتبادل معهم الملاحظات التكتيكية على المدربين، ويفتقد الأجواء الحماسية مع الأصدقاء في المقاهي وكذلك أجواء الفرح في شوارع المدن الفلسطينية لمشجعي الفريق الفائز، وتبقى معاناة الحرمان التي يعيشها الأسير حاضرة رغم قدرة الشبان على تجاوزها بالأجواء المميزة التي يبدعون فيها خلال أي مناسبة.

وبينما نحن -متابعو الكرة - الآن نخوض جدالاً شرساً حول الحالات التحكيمية ونقاشات طويلة حول تفاصيل المباراة الفنية هناك من لا يستطيع حتى أن يعيد مشاهدة ملخص لقطات الكلاسيكو المميزة وملخص الأهداف ويكتفي بتخيلها، فلا ننسى أسرانا في كل لحظات حياتنا السعيدة قبل الحزينة .. فك الله أسرهم جميعًا.