لربما ستبقى الحرب الشعواء قائمة، لن تهدأ نارها، ما بين مؤيد ومعارض، لن يغمد كل طرف سيفه، وسيبقى مُشهراً إلى اليوم الذي يرحل فيه عساف خاسراً ( لا قدّر الله !!) وإلا ستبقى جبهات القتال دائرة حتى بعد فوزه، وتلك " هوشة " أخرى فتحضّروا لها جيدا ...
في هذا السياق أبديتُ صمتاً إلا أنني ضقتُ ذرعاً بكثير من الحالات التي تستدعي تدخلاً طبياً عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحالات الفلسفية المتدهورة على الصُعد المختلفة ... وأنا الذي أعرف عساف عبر صوته منذ زمن بعيد، وكنت أستحضر لحظات الأسى عند سماع أهازيجه التي تَطربُ ثأراً للأسرى وللقضية ... وكان لزاماً علينا أن نعطيَ كل ذي حقٍ حقه ، وأن نضع النقاط على الحروف ، وعليه ، لا بد من وقفات ، قد تساعدنا على أن نضع القضية في حجمها الطبيعي دون مزايدات أو أي انتقاص وتحقير ... وأول القول أننا نحن غالباً ما نكون سبباً في تهويل أمرٍ ما أو تجاهله ، ونحن وحدنا مَن نعطي المسألة حجماً دون مستواها و اهتماماً بالغاً قد لا تستحقه ، ونحن وحدنا مَن نستطيع ترتيب أولوياتنا ، تلك التي قد تختلف من شخصٍ لآخر في وضعٍ طبيعي بعيدٍ كل البعد عن حالتنا الفلسطينية ، ففي هذه البقعة البالغة الحساسية بكل أجوائها ، فإن الأولويات يجب أن تكون واحدة ، وأن يكون جلّ الاهتمام مرتكزاً عليها مع عدم إغفال جوانب الترفيه والتسلية واستراحة المقاتل والمهموم والمغموم وصاحب النص راتب ....!!! حينها لن يلوم جيشُ المؤيدين أحد، فكلٌ له قناعاته واهتماماته الشخصية ، تلك التي تخصّه بعيداً عن المساس بأولويات شعبٍ يرزح تحت الاحتلال ، فالاحتفال بمسيرات وحشود هائلة لمتابعة حلقة غنائية ، وعلى بعد أمتارٍ أو بضع كيلومترات يلتحم العدو مع الشباب الثائر ، هنا ستدرك حجم المساس بعقلية التأييد الإفراطية ، المفرطة جداً في إزاحة اهتمام لأجل آخر أقل شأناً وهيبةً وأقلَ مِن أن يُذكر ... ثم تتوالى الاهتمامات "المسؤولة" وتلك لها مذاق خاص !! فترى الدعم والتلويح والتمجيد في حين يغيب عن أذهان أصحاب المعالي أعلاماً لولاها لما وصل معالي الكبار إلى ما وصلوا إليه، فبالكاد تجد عن أحدهم في حياة أولئك أدنى اهتمام .. وتزداد لذة المذاق حين تتكاتف جهود المعالي والكبار ومؤسسات النصب ، تعرفونها جيداً تلك المؤسسات الانتهازية التي تستغل المواطن أبشع استغلال من خلال الاحتيال عليه بالتصويت ومضاعفة الرسائل وأخرى بتخفيض السعر !! وغيرها .. بحسابات بسيطة ستجد أن ملايين الشواكل تضيع أسبوعياً هباءً منثوراً ، في الوقت الذي يبكي فيه المواطن من غلاءٍ فاحش وحياة صعبة لا تطاق وارتفاعٍ حاد في سعر الدخان أيضاً !!! أما عن جيش المعارضين ، فلستم جميعكم تحترفون هذا الدور !! إن كنتم تعارضون الموسيقى فكثير من المنشدين والإسلاميين باتت أناشيدهم لا تخلو من الموسيقى ، وزيادةً عن ذلك فإنها باتت لا تخلو من الكلام الغزلي وبات اللحن مشتبهاً ومتشابهاً في كثير من الأحيان .. وعليه فلا داعي لتكرار هذه الأسطوانة ، فهذه النقطة باتت جزءاً من الماضي ، وإن كان لكم مِن كلام عن طبيعة البرنامج وأهدافه وطبيعة المحطة وطريقة الاستغلال البشع لأموال الناس وعواطفهم فهذه لا غبار عليها وأتفق وإياكم بشدة ... وعليه ... أحِبوا عساف ، وأحبوا معه فلسطينيته وصوته ، ولا تنغّصوا علينا بمبالغاتكم فتجعلوه رمزاً يكاد لا يُرى مِن أمامه أحد !! وأنتم لا تبغضوه كثيراً ولا تخرجوه من ملة أبينا إبراهيم ولا من وطنية الفلسطيني الملثم المشرد ...