شبكة قدس الإخبارية

إغلاق كنيسة القيامة.. مواجهة حقيقة أم مسرحية معادة؟

أليف صباغ

بعد انتهاء صلاة الأحد الأول من الصوم الكبير، هذا الصوم الذي يستقبل بعده المسيحيون عيد الفصح العظيم، وفي ظل اكتظاظ القدس بالحجاج المسيحيين من كل أنحاء العالم عقد رؤساء الكنائس في القدس ممثلين بالبطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث وبطريرك الأرمن نورهان مانوغيان وحارس الأراضي المقدسة فرانشيسكو باتون مؤتمرا صحفيا قصيرا أعلنوا فيه عن إغلاق أبواب الكنيسة إلى أجل غير مسمى احتجاجا على نية وخطوات بلدية القدس لجباية ضريبة المسقفات (الأرنونا) على العقارات التابعة للكنائس والتي تعتبرها البلدية عقارات تهدف إلى الربح، وعليه فيجب أن تدفع الضرائب كغيرها من العقارات في المدينة.

أما الكنائس فترى بمدخولات هذه العقارات أموالا تساهم في الحفاظ على الوجود المسيحي وأماكن العبادة، ومصروفات أخرى يحتاجها رجال الدين على اختلاف مراتبهم ومصروفاتهم.

كما تعتبر الكنائس أن مطلب البلدية مخالف للاتفاقات الدولية منذ العهد العثماني ولغاية اليوم، والتي تعفي الكنائس من دفع ضريبة المسقفات على أملاكها، وهذا ما هو معمول به في الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية أيضا.

قرار أرثوذوكسي

وللعلم فإن قرار إغلاق أو فتح كنيسة القيامة هو حق للكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها أم الكنائس، ولها امتيازات مقارنة بالكنائس الأخرى حصلت عليها منذ الحكم العثماني وحتى اليوم، وعليه يحق لرؤساء الكنائس الأخرى التقدم بمطلب إغلاق الكنيسة أو فتحها لكن القرار النهائي من حق البطريركية اليونانية.

لا شك أن قرار رؤساء الكنائس في مدينة القدس إغلاق كنيسة القيامة هو حدث تاريخي لم يسبق أن قامت به الكنائس من قبل، ولا شك أنه أوجد -وفق ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية- صدى عالميا وليس محليا أو إقليميا فقط، كيف لا وكنيسة القيامة أقدس مقدسات المسيحيين في كل مكان على وجه الأرض، فهل يرتد الصدى فيتحول إلى إجراءات عملية على الأرض؟ هذا ما لا نعرفه حتى الآن.

أسئلة كثيرة

أما الأسئلة التي أثارتها هذه الخطوة التاريخية فهي كثيرة ومهمة أيضا: لماذا لم تتخذ هذه الخطوة ردا على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ضاربا بعرض الحائط القانون الدولي وكذلك الستاتيكو على حد سواء؟ وهل يكفي مطلب البلدية بتحصيل الضرائب من الكنائس مقارنة بإعلان ترمب لاتخاذ خطوة تاريخية من هذا النوع في هذه الأيام بالذات؟ ألا يمكن التوجه إلى المحاكم المحلية أو الدولية لرد ادعاءات بلدية الاحتلال اعتمادا على ما تحمله الكنائس من اتفاقات دولية وممارسات لعقود بل قرون من الزمن على أرض الواقع؟ كيف يحدث مثل هذا الإجراء والبطريرك اليوناني يتعاون مع الجهات الصهيونية المختلفة لتصفية العقارات التابعة للكنيسة الأرثوذكسية وبيعها إلى جهات صهيونية مختلقة بأبخس الأثمان؟ ألم تكن التهديدات والابتزازات الإسرائيلية للبطريركية اليونانية -كما يدعي ثيوفيلوس الثالث والتي أدت إلى تنازله عن عدد كبير ومهم من العقارات في القدس ويافا والرملة وحيفا وطبريا وغيرها لصالح مستثمرين صهاينة بأبخس الأثمان- سببا أكبر من محاولة فرض الضرائب البلدية على العقارات التجارية؟

مثل هذا الأسئلة وأكثر تجول في الأذهان ولا تجد الأجوبة الشافية لها، ويبقى السؤال الأهم: هل هي مسرحية من مسرحيات ثيوفيلوس الثالث للظهور وكأنه المدافع عن الأوقاف في وجه الأطماع الصهيونية التي لا تنتهي؟ وهل يمكن أن تمر صفقات تسريب لعقارات جديدة تحت ما يسمى مصادرة أو التهديد بالمصادرة أو بادعاء الحاجة إلى تسديد ديون مستحقة لسلطات الاحتلال؟

كلها أسئلة يمكن الإجابة عنها بالتحليل اعتمادا على تاريخ طويل لممارسات البطريركية اليونانية أو الانتظار للحصول على الأجوبة على أرض الواقع، وهل من جدوى لهذا الانتظار؟ أم أن المطلوب تحرك سريع لمنع وقوع ما لا نريده أن يحدث؟

بيانات مضللة

إن البيانات المضللة -وهي بالعشرات- التي أصدرها المكتب الإعلامي التابع للبطريركية اليونانية على مدى سنوات من رئاسة ثيوفيلوس الثالث لسدة البطريركية لا تبشر بالخير.

بإمكاننا مراجعة عشرات البيانات المضللة للتأكد من ذلك، وبإمكاننا أن نكتفي بنماذج فقط للتدليل على نهج التضليل الذي تتبعه البطريركية اليونانية، ويتبعها في ذلك رؤساء الكنائس الأخرى في القدس ببيانات تضامن بعضها تتضمن معلومات لم يطلع عليها الموقعون أنفسهم.

تدعي البطريركية اليونانية -كعادتها- أنها تتصدى للمستوطنين الصهاينة في الدفاع عن العقارات الأرثوذكسية بالمدينة المقدسة، وأنها تبذل جهودا "جبارة" في المحاكم لتخليص هذه العقارات من أيدي المحتل ومؤسساته، مما يكلفها ملايين الدولارات، ولكن في الواقع نشهد تسريبا للعقارات واحدا تلو الآخر على طول البلاد وعرضها بما في ذلك القدس الكبرى والبلدة القديمة أيضا، وعند الكشف عن ذلك تدعي أو يدعي مستشارو البطريرك والطاقم الإعلامي الذي يرافقه أن البطريرك كان مضطرا إلى ذلك لسد الديون المتراكمة على البطريركية.

في العام 2008 أصدرت البطريركية اليونانية بيانا وزعته على وسائل الإعلام العربية في فلسطين والأردن ونشر في عشرات الصحف والمواقع تحت عنوان "البطريركية تنتصر على جمعية عاطيرت كوهنيم في المحكمة" في قضية استرداد عقارات باب الخليل، ليتبين لاحقا أن البطريركية اتفقت مع المستوطنين على إخراج المستأجرين العرب ومحاميهم من حلبة القضاء ليتسنى للطرفين -البطريركية والمستوطنين- تبييض صفقات عقدت سابقا في البلدة القديمة.

وادعى البطريرك المعزول أنه لم يعلم بذلك، مثل عقار في باب حطة، وساحة في سلون يستخدمها المستوطنون موقفا للسيارات للوصول إلى ساحة البراق، وتمديد لصفقة دير مار يوحنا بجانب كنيسة القيامة، وغيرها.

وعند الكشف عن التقصير الحاصل في الدفاع عن عقارات باب الخليل يعمل الطاقم الإعلامي على توجيه أصابع الاتهام إلى محاكم الاحتلال غير العادلة، في محاولة لاستعطاف الرأي العام الوطني للتضامن مع البطريركية على أنها ضحية للاحتلال بدل إدانتها بالتعاون مع المستوطنين، وهذا ما تؤكده محاضر جلسات المحكمة ووثائق أخرى ينشرها تباعا نشطاء الحراك الوطني الأرثوذكسي لفضح ممارسات البطريركية اليونانية المعادية لحقوق أبناء الكنيسة العرب من فلسطينيين وأردنيين على حد سواء.

صفقات

يمكننا أيضا الاطلاع على حيثيات صفقة رحافيا والطالبية، وأسباب تحويل اتفاقيات الحكر التي وقعت عامي 1951 و1952 إلى اتفاقيات بيع مطلق، وكيف ادعى ثيوفيلوس أن اتفاقيات الحكر السابقة "مجحفة جدا" بحق البطريركية، وأنها تعطي الكيرن كاييمت "حقا تلقائيا" لتمديد العقد بالشروط التي تراها مناسبة ولا يحق للبطريركية الاعتراض على ذلك.

وعندما كشف ناشطو الحراك الوطني الأرثوذكسي عن الاتفاقيات الموقعة عامي 1951 و1952 بينوا عكس ذلك، وأن الاتفاقيات تعطي الكيرن كاييم "إمكانية" وليس حقا لتمديد الحكر لمرة واحدة فقط وشرط "موافقة الطرفين"، وأنه إذا لم يتم الاتفاق "تعود الأرض وما بني عليها" إلى أيدي البطريركية قام البطريرك ثيوفيلوس بتسريب العقارات ذات الشأن سرا إلى مستثمرين يهود في جزر الكاريبي -حيث يمكن إخفاء هوية المشتري- بأسعار زهيدة، مدعيا أنه كان مضطرا إلى ذلك بهدف الحصول على مال للدفاع عن أوقاف أخرى.

يمكننا أيضا الاطلاع على الادعاء المضلل الذي تردده البطريركية اليونانية صباح مساء بأنها تبيع الأوقاف خوفا من مصادرتها على يد المحتل الإسرائيلي بموجب قوانين سنها الكنيست منذ زمن، وفي الحقيقة بعد الفحص والتحقق تبين أنه لا توجد قوانين من هذا القبيل ولا حتى مشاريع قوانين، ومع ذلك يستمر ثيوفيلوس بترويج الادعاءات المضللة، معتبرا أن توجيه الاتهام إلى المحتل الإسرائيلي يمكن أن يكسبه تبريرا شرعيا ويجند القوى الوطنية إلى جانبه.

دعوة للتحقق

ضمن هذه المنهجية الإعلامية يمكن اعتبار قرار إغلاق كنيسة القيامة حلقة من حلقات المسرحية الكبرى للبطريركية اليونانية والتي ينتجها ويخرجها الطاقم الإعلامي تساعده في ذلك جهات فلسطينية وأردنية رسمية تأبى التحقق من ادعاءاته وترفض ما يقدمه ناشطون وطنيون أرثوذكس من وثائق، وتعمل وسائل إعلام فلسطينية وأردنية على ترويج الادعاءات الكاذبة وترفض إعطاء الطرف الآخر إمكانية الرد.

مثل هذه السلوكيات للصحافة الفلسطينية والأردنية هي سلوكيات بعيدة عن المهنية أولا وبعيدة عن الرسالة الوطنية التي يفترض أن يحملها هذا الإعلام.

بإمكان الإعلام العربي والدولي أن يملأ الفراغ الذي يخلقه الإعلام المحلي من خلال الالتزام بالإعلام الاستقصائي للتحقق من كل ادعاء وعدم التسرع في نشر البيانات المضللة دون فحص.

وبإمكان الإعلام العربي والمحلي أن يتوجه إلى الناشطين الأرثوذكس الذين يحملون على عواتقهم مسؤولية كبرى منذ عشرات السنين والتزود بالمعلومات ومقابلة المسؤولين على اختلاف مواقعهم للتحقق مما يصلهم من معلومات.

المصدر: الجزيرة