لطالما حاز الأسرى الفلسطينيين على احتضان وإجماع الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وأماكن تواجده وأي قرار أو قانون يصدر من حكومة أو "كنيست" الاحتلال يواجه عادة بردود فعل مباشرة من الشارع الفلسطيني.
هذا بالضبط ما حدث أول أمس عندما أقرّ كنيست الاحتلال بالقراءة الأولى قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي تقدم به حزب "إسرائيل بيتنا" والذي يتزعمه المتطرف "افيغدور ليبرمان".
وعرضت بعض وسائل الإعلام الصهيونية تسجيلًا للصهيوني افيغدور ليبرمان قبل عدة سنوات يؤكد فيه على معارضته لوجود قانون الإعدام، لأنه بحسب ادعائه يخالف تعاليم الدين اليهودي، إلا أن طبيعة وحراك المجتمع الصهيوني دفع ليبرمان وغيره من الأحزاب إلى دخول مزاد المنافسة على الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينين من أجل كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
وقد وضع ليبرمان قانون الإعدام ونجاحه كأحد الشروط من أجل الموافقة للانضمام لحكومة نتنياهو الحالية، هذا ما دفع نتنياهو شخصيًا للتجند من أجل دعم وإنجاح القانون، والضغط على أعضاء الكنسيت وخاصة من حزب الليكود المعارضين لمشروع القانون وقد وعدهم بإعادة النظر بالقانون وطرحه على المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" قبل تمريره بالقراءة الثانية والثالثة كي ينال موافقتهم.
وقد تحدث نتنياهو بالكنيست عن إعدام العرب فقط في لغة غرائزية وبدائية والرغبة بالانتقام والثأر من الأسرى الفلسطينيين الذين يبتسمون بالمحاكم أو أثناء الاعتقال، وقال، "إن من يذبح ويضحك لن يبقى طوال حياته بالسجن"!.
من الصعب على نتنياهو الإدراك أن هذه الابتسامة قد زرعت في وجدان الشعب الفلسطيني وكل الأحرار بالعالم ولن تمحوها كل أعواد المشانق لأنها ابتسامة الواثق والمؤمن بعدالة قضيته وحقه بالدفاع عنها.
ورغم كل جهود نتنياهو وآخرين فقد حصل مشروع القانون على 52 صوتًا مقابل 49 صوتا معارضًا.
من الواضح أن هناك معارضة قوية للقانون خاصة داخل المؤسسة السياسية والأمنية. وإلى جانب أعضاء الكنسيت مثل زعيم "البيت اليهودي" نفتالي بينت وزميله "أوري أرييل" اللذان تغيبا عن التصويت، هناك موقف "الشاباك والجيش" والمستشار القضائي للحكومة الذين يعارضون بشدة إقرار مثل هذا القانون، ليس من أجل عيون الفلسطينيين بالطبع.
فان "الشاباك" كان مسؤولًا عن تنفيذ المئات من الإعدامات بدم بارد وبدون محاكمات ومن أشهرها إعدام مختطفي باص 300 بالثمانيات بعد اعتقالهم أحياء، فضلًا عن القائمة الطويلة قوات وجيش الاحتلال في السجون وأثناء التحقيق.
هذه المواقف "المعارضة وبشدة" للقانون ليست نابعة من مواقف أخلاقية أو انسانية تجاة الفلسطينين كما قلنا بل لأسباب أمنية بالدرجة الأساسية، فـ"نفتالي بنت" قال "قانون الإعدام لا داع له غدًا سنراهم (العرب) يعدمون يهودًا لأننا نعدم أسراهم"
بينما ذهب محللون عسكريون وقالوا إن إقرار القانون سيزيد من الاستعداد لايقاع أكبر عدد ممكن من القتلى عند تنفيذ أي عملية كما سيزيد من عمليات الخطف من أجل تنفيذ الإعدام بحق المخطوفين ردًا على إعدام الأسرى الفلسطينيين.
وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك عندما قال إن هذا القانون لن يردع الفلسطينيين الذين يخططون لتفيذ عمليات عسكرية لأن من يذهب لتنفيذ عملية يكون مدركًا أنه لن يخرج منها حيًا سلفًا.
وهنالك من يعارض القانون خشية من تطبيقه على إرهابين وقتلة يهود أمثال منفذي عملية حرق عائلة الدوابشة أو حرق الطفل محمد أبو خضير أو الخشية من ردود الفعل الدولية والانتقادات التي من الممكن أن توجه إلى دولة الاحتلال.
الجدير ذكره هنا أنه بالمنظومة القضائية للاحتلال هناك حكم الإعدام طوال الوقت، وقد جرى بالماضي الطلب من النيابة العسكرية إصدار حكم الإعدام على أسرى فلسطنيين أمثال سعيد بدارنة المتهم بتفيذ عمليات استشهادية مؤلمة وكذلك بحق الأسير رائد الشيخ أحد المتهمين الرئيسيين بقتل الجنديين اللذان دخلا إلى مدينة رام الله بالخطأ.
وطوال سنوات الاحتلال لم يصدر قرارًا رسميًا واحدًا بالاعدام لأسرى فلسطينيين لعدم وجود إجماع لدى الهيئة القضائية وهو أحد شروط صدور الحكم ودومًا كانت المبرر هو الخشية على أمن مواطني دولة الاحتلال من ردود الفعل الفلسطينية.
وحقيقة مشروع القانون الذي أقر بالقراءة الأولى كان لإسقاط شرط الاجماع لدى الهيئة القضائية أي تعديل على ما هو قائم وموجود أصلًا.
أن هذا القانون لن يمرر بالقراءة الثانية والثالثة للمعارضة الشديدة له والتي أشرت لها سابقا إما إذا أقر فسيتم تفريغه من مضمونه على الأرجح ولا أتوقع أن تتجرأ محاكم الاحتلال إصدار حكم الإعدام على أي فلسطيني خشية من الانتقام وتصعيد عمليات الخطف والقتل.
إنّ شعبنا الفلسطيني المقاوم لن يخيفه قانون الإعدام ولا كل القوانين القمعية الوحشية، وهومازال يتذكر حتى يومنا هذا إعدام البريطانيين في عام 1930 للأبطال القادة الثلاثة محمد جمجوم وعطا الزير وفؤاد حجازي في سجن عكا، وقد تحولوا إلى أسطورة فلسطينية خالدة تدعو للبطولة والفداء.