حين خرج الرئيس عباس بخطابه "الهزيل" عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للقدس عاصمةً أبدية للكيان الصهيوني. سارع كثيرٌ من الأصدقاء إلى مطالبته بموقفٍ أكثر حزمًا وجديّة، بما يتناسبُ مع رعونة الخطوة الأمريكية، ودلالاتها فيما يتعلق بمسار "عملية السلام".
كرهتُ مطالبة الرئيس عباس بشيء، فما بين موقفي وموقفه من البُعد أكبر من أن يُجبر، لكنني لغرض دوّنته في آخر المقالة، أكتب في هذه السطور الخطاب الذي كان يمكن أن أرتضيه من الرئيس بُعيد إعلان ترمب:
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".
بيانٌ عامّ من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
شعبي الفلسطينيّ العظيم، في هذا اليوم الأليم، يوم إعلان القدس، عاصمتنا التاريخية والأبدية، عاصمةً لدولة الاحتلال الغاصبة، أريدُ أن أسجّل للتاريخ مواقف تأخّرت كثيرًا، ومرّت مناسباتٌ مهمّة كان ينبغي أن أسجّلها فيها، لكن كما يقولون: أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي.
أوّلًا: أعتذرُ بالأصالة عن نفسي، ونيابةً عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عن الخطأ الاستراتيجيّ الكبير، وسوء التقدير الذي حفّ قرارها بدخول عملية السلام مع المحتلّ الصهيونيّ، ثمّ إدارتها لهذا الملفّ على مرّ العقود، إلى أن انتهى نهايته المأساوية اليوم، وظهر للجميعُ بُطلان هذا المسار وعقمه، والخسارة الكبيرة التي حلّت بالقضيّة بسبب دخوله.
إنني أعتذر عن دخول هذا المسار بداية، ثم عن محاولة فرضه على الشعب الفلسطينيّ، بالقمع والاعتقال والاغتيال، ثم أعتذر عما اكتنفه من تفاصيل لا تقلّ سوءًا كالتنسيق الأمنيّ، وملاحقة المقاومين، وغير ذلك مما تورّطت فيه السلطة وفاءً باتفاقات لم يف العدوّ المحتلّ بشيء منها. لقد ظننتُ في ذلك المسار خيرًا لشعبي ووطني، وتبيّن لي بطلان ظنّي، وخطأ تقديري، وإنني بشجاعة القائد المسئول أعتذر وأنتظرُ من شعبي الغفران، وأبذل نفسي للمساءلة الوطنية والقانونية.
ثانيًا: لقد وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيّات مجحفة، سلّمت للاحتلال بثمانٍ وسبعين بالمائة من أرض فلسطين، وقصرت الحقّ الفلسطينيّ في ما احتلته "إسرائيل" سنة 1967، وعاصمته القدس الشرقية، وقد قدّمت المنظمة هذا التنازل الكبير على أمل الوصول لتسوية ما، تضمنُ للشعب الفلسطيني حياةً كريمةً على جزءٍ من أرضه، وتحفظُ هويّته واسمه، لكن الاحتلال وأمريكا من ورائه لم يلتزموا بهذه الاتفاقيات، وألقوا بها وراء ظهورهم، ولا يسعُنا بوصفنا طرفًا مظلومًا في هذا كله، إلا الانسحاب الكامل منها.
ثالثًا: وعليه، فإنني أعلن بصفتي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، "تراجع المنظمة عن اتفاق "أوسلو"، وكل ما ترتّب عليه من تفاصيل"، ففلسطين التي تعرفها المنظمة اليوم، هي كلّها: من البحر إلى النهر، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش، والقدس شرقيّها وغربيّها هو عاصمةُ هذه الدولة، ولا حقّ للعدو الصهيونيّ في ذرة ترابٍ من فلسطين أو القدس، وستبذل منظمة التحرير ومن خلفها شعبها كل غالٍ ونفيس في سبيل استرداد هذه الأرض، وإقامة هذه الدولة.
رابعًا: أعلن حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، وتسريح كامل موظفيها، وأعلن مناطق السلطة الفلسطينية أرضًا محتلّة -كما هو واقعها-، وليتوجّه الشعبُ الفلسطينيّ بأكمله، لا الموظفون وحدهم، لسلطات الاحتلال، وليطالبوه بحقوقهم كشعبٍ تحت الاحتلال، بأي طريقةٍ يرونها مناسبة، ولتبادر القوى الوطنية الصادقة لتشكيل لجانٍ شعبية تشرف على تعليم صغارنا، وعلاج أسرنا، وحفظ بيوتنا.
خامسًا: أوجّه عناصر قوات الأمن الفلسطينية، إلى اعتبار أسلحتهم عُهدًا شخصيّة، لمن شاء منهم أن يقاوم عُدوان الاحتلال، ومن لم ير في نفسه الأهلية لذلك، فليلقه إلى من يُحسن القتال ويرغب فيه، ولو جعله بباب داره ليلتقطه من يُرجى منه المقاومة، ولا يسلمه بحال لقوات الاحتلال.
سادسًا: أدعو أبناء شعبي لمقاومة الاحتلال بكلّ وسيلة، والعمل لتحرير أرضهم من الاحتلال، قتالًا، وتظاهرًا، واشتباكًا، واعتصامًا، وعصيانًا مدنيًّا، وغير ذلك مما يخطر لهم أو يرونه سبيلًا لدفع بلاء الاحتلال عن بلادنا، أو رفع كلفته عليه بقدر ما نستطيع.
سابعًا: أدعو حكام العرب لأن يلتقطوا الفرصة التاريخية لاتخاذ الموقف المشرّف من قضية فلسطين، وخاصة دول الجوار، بأن تفتح أبوابها وحدودها لأبناء فلسطين في الشتات، لتعود ساحات نضالٍ جديدة ضدّ الاحتلال، وأدعو شعوبنا الحيّة أن تضغط على قيادتها للسير في هذا المسار.
ثامنًا: أدعو أحرار العالم، ومناصري فلسطين في كل بقاع الأرض، أن يحشدوا جهودهم لنصرة المسار الجديد الذي اتخذته منظمة التحرير، ودعم موقفها والتنظير له، في ظلّ تعنّت الاحتلال، وانحياز قوى الاستكبار والظلم له، وقطع الطريق على أيّ حلّ كان يوصف بالواقعية أو العقلانية.
تاسعًا: أدعو إلى مؤتمرٍ شعبيّ عامّ، يُعقد بعد ستة أشهر من الآن، يختار فيه أبناء الشعب قيادةً جديدةً، ويناقشوا فيه مستجدّات قضيّتهم وتحولاتها، ويجتهدوا في اجتراح السبل، واختراع الوسائل التي يمكنُ أن تساهم في إرهاق المحتلّ وإضعافه وهزيمته، ومؤازرة الشعب وقواه وتخفيف آثار الاحتلال عليه.
والله الناصر والمعين، وهو من وراء الظلمة محيط
محمود عباس، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ... انتهى الخطابُ الذي لم يلقه الرئيس عباس، وطالما لم يفعل، ولا أظنه سيفعل بحال، فإنني أدعو المخلصين من أبناء شعبي، أن يبادروا إلى عقد مؤتمرٍ شعبيّ عام، يتجاوزُ قيادة المنظّمة، ويختارُ قيادةً جديدة، ويتبنّى المواقف التي سبقت في الخطاب الذي لم يلقه الرئيس، وسأكون أنا براء نزار عبد القادر ريان، المهجّر من عسقلان بفلسطين المحتلة، أحد من يعتبرون القيادة التي يخرجها المؤتمر الشعبيّ، ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا، باذلًا في يديها دمي لأجل فلسطين، طالما اختارها الشعبُ، والتزمت بما أراه حقّي وحقّ آبائي قبلي، وأبنائي من بعدي في أرض فلسطين، والله من وراء القصد.