شبكة قدس الإخبارية

داء كل انتفاضة.. كيف حاربته انتفاضة الحجارة؟!

160744573867771
إسلام الخالدي

غزة - خاص قدس الإخبارية: مع ارتفاع وتيرة عمل المقاومة، يحاول الاحتلال دومًا بكل طاقاته تكريس الجهد لزعزعة وحدة الصف ورصد الدوائر المغلقة للمقاومين  والوصول لأكبر قدر من المعلومات عنهم، لخدمة جيشه خلال أي مواجهة، ويتم ذلك عادة من خلال تجنيد العملاء، الأمر الذي أودى بحياة مئات الشهداء واعتقال آلاف الأسرى.

شهادة أسير

الأسير المحرر ناصر فرونة، يقول لـ "قدس الإخبارية": "في انتفاضة الحجارة وبكافة المحطات والهبات النضالية ومراحل الثورة الفلسطينية كان هناك توجه إسرائيلي بتجنيد العملاء، فالجيش وجه كل اهتماماته لملاحقة المقاومين عن كثب وقمعهم بكافة السبل المطروحة والمتوفرة لديهم، من خلال الحصول على المعلومات والتدخل فيما يفكر المقاوم به، إلى جانب معرفة أماكن تواجد أفراد وجماعات التنظيم والوشايه عليم، عبر تجنيد عميل ينصبه الجيش ركناً من أجل استجداء واستجلاب المعلومات ورفع تقارير لهم".

ويضيف، "العميل يعتبر مصدر للاحتلال، وقادة الجيش لم يكفوا يوماً عن محاولات تجنيد عملاء جدد لصالحهم، كون ذلك يفيدهم بإسقاط عدد أكبر من الشباب الفلسطيني في شرك العمالة واستجداء المعلومات منهم، لضمان ابعادهم عن عمل المقاومة، ومعرفة أماكن تواجدهم وخططهم المستقبلية وما يفكرون به واحباط عملياتهم، الأمر الذي تسبب باعتقال آلاف الشباب الفلسطينيين واغتيال بعض من قادة العمل الفصائلي".

مؤكداً بأن هناك الكثير من الأسرى مازالوا في سجون الاحتلال منذ انتفاضة الحجارة إلى عامنا هذا بسبب وشاية العملاء عنهم.

العميل مرتبط بوجود المحتل

وعن أهمية أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع المحتل، يروي فرونة لـ "قدس الإخبارية"، "العميل مرتبط بوجود المحتل، وجل اهتمامه رصد الدوائر المغلقة لدى المقاومين ورصد تحركاتهم، حتى أن هذا الأسلوب انتقل للسجون، من خلال إسقاط عدد من المقاومين أثناء التحقيق نتيجة ممارسة الضغط النفسي والجسدي عليهم والمساومة والابتزاز، ولجهل بعضهم قدموا معلومات لصالح المحتل، وهذا أسلوب قائم حتى اللحظة، فنجد بأن الكثير من القيادات والمقاومين كانوا ضحايا لهؤلاء العملاء".

أما مهام العملاء داخل السجن، حسبما يوضح فرونة: "يتركز عمل العملاء على نقل المعلومات التي تفيد إدارة السجن من خلال تعريفهم بالتركيبة التنظيمية للأسرى، وعن الحالة النفسية والمعنوية لهذه المعتقلات، إلى جانب الرقابة المستمرة على أبناء العمل المقاوم لمعرفة مستوى علاقتهم الداخلية في التنظيم، وعلاقتهم مع التنظيم وحضوره وتأثيره وعلاقته داخل السجن ومواقفه اتجاه إدارة السجون، وعلى أثرها كانت تتم عمليات القمع والعزل والسجن الانفرادي ومنع الزيارات لبعضهم".

مشيراً إلى أن دور العميل لا يقتصر في منع عمل عسكري وأمني يمس حياة الإسرائيليين كما بالخارج، فإدارة السجون تحارب روح الفريق الواحد بين المقاومين داخل المعتقل، والتأثير عليهم نفسياً.

"العصفور"..

"العصافير وهو مصطلح يستخدم داخل سجون الاحتلال، عن العملاء الذين كانوا يعيشون أوساطنا، والذين لهم دور خطير كونهم سقطوا بوحل العمالة بلا رجعة وتعاملوا مع الاحتلال بشكل مستمر، فمهمتهم تتركز على الخداع واستجداء المعلومات من الأسرى الجدد، في وقت يكون هؤلاء الأسرى يشكلون عنصر قوة وصمود أمام جهاز المخابرات الذي يعجز عن الخروج بمعلومة قد تفيده منهم خلال جولات التحقيق"، يبين فرونة لمراسلة "قدس الإخبارية".

وينوه فروانة، إلى أن الفصائل كانت لهم بالمرصاد وأخذت تتصدى وترصد تحركاتهم وتكشفهم، من ثم تتخذ خطوات رادعة ومحاكمات ثورية لهؤلاء العملاء، ونجحوا أيضاً باكتشاف عملاء خطيرين والتعرف على أساليب الاحتلال في إسقاط المواطنين والمناضلين، مشيراً إلى اتخاذهم بعد ذلك كافة سبل الحيطة والوقاية عن طريق نشر النشرات التوعوية بين الناس حول هذه السياسة، ومع ذلك العملاء لم يتوقفوا ولم يكفوا عن هذه السياسة والثورة لم تنته بعد، فالمحاولات الإسرائيلية لم تتوقف والانتفاضة الفلسطينية الأولى لم تنتهي بفعل هذه الإجراءات ومع كل ذلك هناك بعض الشباب ما زالوا يقعون ضحايا أو سجناء بفعل العملاء، فهؤلاء الناس بحاجة لتثقيف ووعي مستمر، حسبما يقول فرونة.

دور العملاء في الملاحقة والترقب

"وعلى المستوى الشخصي والجماعي ووفقاً للمعطيات والمعلومات التي كانت لدينا، بأن للعملاء يد في الملاحقة والترقب والاعتقال الذي كان يفرض علينا، حتى بعد خوضنا للتجارب أصبحنا نعمم الأخطار لكي يستفيد الأخرون من تجاربنا، بحيث ألا تكون هذه التجربة حكراً على التنظيم أو المقاوم بعينه، حتى يكون الجميع على دراية بما يفكر به الاحتلال وكشف الأساليب التي يستخدمها"، يوضح فرونة لـ "قدس الإخبارية".

ويشيد، بأهمية التعاون الأمني المشترك ما بين الفصائل في ساحة الاشتباك ومقاومة المحتل والمشاركة في ملاحقة العملاء، في زمن انتفاضة الحجارة، التي كانت تتصدى بروح وطنية واحدة، مما أذعر المحتل وأذاقه الويلات.

عنجهية محتل وصمت مطبق

 حسن محمد أسير محرر منذ انتفاضة الحجارة، يقول لـ "قدس الإخبارية": "قبل ثلاثين عاماً كانت فلسطين على موعد مع حدث وطني كبير، حيث عاشنا مراحل الانتفاضة الأولى، فيما كان يظن الاحتلال أنه نجح تماماً بالسيطرة والتحكم في هذه الجماهير، وكانت هناك شائعة منتشرة بأن هناك عشرات الالاف من العملاء سيقدمون للاحتلال معلومات حول أي نشاط معادٍ وأن المخابرات الإسرائيلية تعرف كل كبيرة وصغيرة عن أماكن وخطط المقاومين، الأمر الذي زاد الوضع خطورة واستنفار".

 وعن أثر صيت العملاء، يضيف: "في كانون أول كانت غزة على موعد مع القدر، فبعد حادث السير الذي أودى بحياة أربعة عمال، وانتشرت الأحاديث بأن الحادث مدبر بفعل العملاء، حينها اشتعل الغضب وعمت المظاهرات والاشتباكات والمواجهات مع قوات المحتل، مما أدى لاستشهاد شاب واصابة العشرات، إلا أنه كان هناك خوف شديد من وشاية بعض الخائنين، حيث ساد الاعتقاد بأن من ينوي على فعل أي عمل مقاوم سيعتقل فوراً ولا أمل في التظاهرات لأن المخابرات الإسرائيلية ستطيح بقادتها، فأنتشرت شائعة العملاء في كل مكان".

ويتابع محمد لـ "قدس الإخبارية": "في اليوم التالي، وبلحظة مصيرية حاسمة قرر الشباب في مختلف أرجاء القطاع بالخروج وحسم الأمر والذهاب للمواجهات، خاصة بعد قرار الجيش إغلاق بعض مداخل المدن والمخيمات والقرى، فكان جل همهم تحدي جبروت المخابرات ولو كلف الأمر أرواحهم، فأنقلب زمام الأمور لصالحهم، فلم يكن للجيش القدرة على اعتقال هذا الكم الكبير من المتظاهرين من اللجان والتشكيلات الشعبية، ولكن الأمر الأخطر هو انتشار شائعة وجود العملاء بالحجم الذي كانت تروجه المخابرات، لكن بعض الشباب وجد أن بإمكانهم العمل على توجيه الانتفاضة دون تعرضهم للاعتقال مما شجع البقية الباقية للانخراط بالعمل، مع ضرورة وضع اللثام على الوجه ولف منطقة الكتف".

حملة التصدي للعملاء

وعن حملة التصدي للعملاء، ينوه محمد لـ "قدس الإخبارية": "بدأت المشاورات بين القيادات المحلية حول سبل منع ظاهرة العملاء والحد منها، ففي عامي 1988 و 1989، تم الاتفاق على استخدام طريقتين، أولهما فرض الإقامات الجبرية على الأشخاص المشتبه بهم، ثانياً الردع والقمع لكل من يشكل تهديداً على المجتمع من عملاء أو تجار مخدرات أو من يتورط بممارسات غير أخلاقية، وفي عام 1990 بالمشاورات الميدانية تم الاتفاق على ضرورة إنزال عقوبة الإعدام لكل من يثبت تورطه بالتعامل مع الاحتلال".

 "كثفنا حملات التوعية، فتعين على لجان العمل الشعبي بإعداد مئات المطبوعات والمنشورات ونشرها بين الشباب وصغار السن، أما بداخل السجون بدأت حملات التوعية من خلال الاعتماد على الكتابة اليدوية وتمرير المنشورات من معتقل لأخر، وأصبح العمل الفدائي أسهل وأخذت اللجان الشعبية حرية الحركة، وأصبح الأشخاص المشكوك فيهم معزولين ولا يستطيعون الاختلاط بالثوار"، يوضح محمد.

ويذكر، أنه في بدايات عام 1991 تم اعتقال مجموعته وبشكل مفاجئ، ومن شدة الأذى الذي لحق بأحد أفراد المجموعة داخل المعتقل وأثناء التحقيق اعترف وأفصح للاحتلال عما يعرف من معلومات، إلى جانب استجداء عصافير الزنزانة لباقي المعلومات التي لم ينوي الإفصاح عنها، وتمت ملاحقة باقي أفراد المجموعة عقب ذلك، إلى أن تمكن الجيش من اعتقالهم كافة، وتفكيك مجموعاتهم البالغة 9 مجموعات مكونة من 45 فرداً، تحت شعار ولواء القوات الضاربة التابعة للقيادة الوطنية الموحدة "ق. ا. و. م".

كانوا يحاربون اجتماعياً..

وفي الحديث مع الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، يقول لـ "قدس الإخبارية": "لا يوجد نظرة واسعة حول العملاء فالعمالة حالة فردية ومحصورة، كانت تحارب اجتماعياً قبل أن تحارب سياسياً في الشارع الفلسطيني حتى من داخل بيوتهم إذ تم اكتشافهم، فالاحتلال لم يستطيع أن يحول ظاهرة العمالة من ظاهرة فردية إلى ظاهرة جماعية ذات حزب وتجمعات، ومن أكبر قمم العار أن يرتبط أي شخص مع الاحتلال".

ويضيف المدهون، بأن الفصائل الفلسطينية كانت دائماً تلاحق العملاء وتمارس عليهم أساليب القمع والردع، مشيراً إلى أن دورهم ينحصر بالوشاية على أماكن تواجد المقاومين الذين يقومون بالعمل الثوري أثناء الانتفاضة وتسليم تقارير عنهم، أو احباط عمليات ينوي تنفيذها المقاوم.

وعن طريقة عملهم، يتابع: "إما أن يكون مع الجيش مغطى الوجه مهمته الوشاية للجنود عن مكان المستهدف لتحقيق عملية الاغتيال والنيل منه أو الاعتقال، وبعض العملاء كانوا يلتحقون بقوات المستعربين الإسرائيليين وعددهم قليل ولهذا الاحتلال لم ينجح بفرد ظاهرة العمالة".