منذ حادثة النفق الذي استهدفه الاحتلال بالقرب من خانيونس في قطاع غزة والذي راح ضحيته 12 شهيدًا منهم 5 ظلوا مفقودين حتى اللحظة، انهالت الانتقادات على المقاومة الفلسطينية وجل هذه الانتقادات كانت تطالب المقاومة بالرد السريع على جريمة الاحتلال.
بل أن كثيرون راحوا لأبعد من ذلك واعتبروا عدم رد المقاومة على جريمة النفق حتى اللحظة نوع من أنواع التراجع والتخلي عن خيار المقاومة معتبرين أن القضايا المصيرية لا يجب أن نتعامل معها بعقلانية مستنكرين على المقاومة تعقلها في الرد على حادثة النفق!!
لكن الجدير ذكره هنا أن المقاومة الفلسطينية ومنذ أن انطلقت شعلتها في الأراضي المحتلة لم تكن مقاومة مبنية على أساس ردة الفعل والأخذ بالتار بقدر ما كانت مبنية على أساس أعمق وأقوى وأصلب من ذلك، وهو أن المقاومة مستمرة طالما أن أرضنا محتلة وشعبنا مظلوم وحقنا مهضوم... أما المقاومة المبنية على الأخذ بالتار وردات الفعل تعني أن لا مشكلة من وجود الاحتلال على أرضنا طالما أنه لا يستهدف أبناء شعبنا، وهذا المفهوم الذي لا نود أن نصل إليه.
لفت نظري أحد الآراء التي كتبت على جدار أحدهم، وجاء فيه أن المقاومة ليست ما يطلبه المستمعون وأنها تنظر للاحتلال بعين مختلفة عن العين التي ينظر بها رواد الشاشة الزرقاء، وهنا مهم أن نقف ونشير لنقطة اعتقد أن جلنا يدركها إذ أنها لا تحتاج لمحلل سياسي أو محلل عسكري، وهي أن الميدان مختلف تماما والوقائع على الأرض لا يمكن لكائن من كان أن يحللها بدقة إلا من يعايشها بكل تفاصيلها؛ فنحن من بُعد كل تحليلاتنا وآرائنا قابلة للصواب وقابلة للخطأ، لكن المتواجدون في الميدان أقرب منا إلى الصواب على الأقل هكذا يقول المنطق.
إلا أن المفاجىء وسط كل ذلك أن تجد من ذهب للقول بأن المقاومة لا يراهن عليها، وهو الذي هلل وصفق قبل ذلك للمقاومة عندما نفذت عمليات نوعية ضد الاحتلال لم تفاجئ الوسط العسكري بدولة الاحتلال فحسب بل جعلت العدو يعترف بقدرات المقاتلين اللذين يواجههم على أرض غزة.
هذا التناقض الذي نراه بالمواقف تجاه المقاومة من قبل البعض سببه أن هناك من يريد للمقاومة أن تستمر دون أن يرتقي من رجالها شهداء ودون حفر أنفاق ودون حرب، وهذا لا يمكن طبعا سيما أن الاحتلال الذي يجثم على أنفاسنا لا يقتصر على الحياة الثقافية والاقتصادية بل هو احتلال للأرض ولكل مقومات الحياة.
ومن المهم الإشارة إلى أن أية عملية نوعية للمقاومة سبقها إعداد لفترات طويلة وارتقاء شهداء أثناء فترة الإعداد، ولو أنه لا يراهن على المقاومة لما قضوا قادتها وعناصرها شهداء في لجج الأرض يبحثون لنا عن كرامة نحن اللذين فوق الأرض نبدع في إطلاق الأحكام وكتابة "الكومنتات"، ولو أننا واجهنا معشار ما يواجهه المقاومون الأبطال لما نبسنا ببنت شفه من هول ما سوف نراه، هؤلاء الذين يحتضنون الموت ثم يعودون للحياة ويعيدون الكرة حتى يأذن لهم الله فيرزقهم الشهادة! ليس عدلا أن نملي عليهم ما الذي يتوجب فعله باختصار هم أدرى لأنهم هم سادة الميدان.
ما أود قوله هو أن المقاومة دوما على صواب وإن أخطأت، فالمقاومة الفسلطينية ليست جيش منتظم وكل المعطيات حولها ليست مثالية، وإن الأهم من الصواب والخطأ بهذه المرحلة هو وجود أشخاص ما زالوا مصرين على خيار المقاومة العسكرية... ما زالوا مصرين على خيار المقاومة من الميدان، وما زالوا يعملون لذلك ويعدون لذلك رغم قتامة المرحلة، ومحاولة قولبة غضبنا وجرنا لمربع المقاومة السلمية وتواطؤ القريب قبل الغريب على قناعاتنا وإيماننا بأهمية حمل السلاح والدفاع عن أرضنا حتى التحرير.
المقاومة دائما على صواب لأنها هي من يوقظ فينا حس المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وهي التي رغم كل محاولات التركيع ما زالت تذكرنا بأن الطريق إلى القدس يمر عبر فوهة بندقية.
المقاومة دائما على صواب وإن أجلت المواجهة اليوم فإنها ستقبل غدا عليها... فالحرب لم تنتهي بعد.