القدس المحتلة- قُدس الإخبارية: حين وصلنا كانت الحاجة رسمية فهيدات (أم ماهر) قد أنهت أعمال منزلها.. تجر نفسها وجسمها المنهك والعليل بأمراض شتى لمرافقتنا إلى الفناء الخلفي حيث تصطف آليات الاحتلال الإسرائيلي وعدته وعتاده العسكري والبشري أيضًا.
في حي فلسطيني شرق بلدة عناتا شمال القدس المحتلة، يبدو كل شيء باللون الأخضر القاتم والصحراوي، فحي الفهيدات حي يطل بجهاته الأربع على معسكر "عناتوت" الإسرائيلي الذي جثم فوق أراضي المواطنين المقدسيين عقب احتلال الضفة الغربية عام 1967، وشدد الخناق أكثر فأحاط الحي بجداره العنصري.
عند الظهيرة وتحت أشعة الشمس الحارقة، كان الوقت الأنسب للحاجة الستينية لتصحبنا بجولة في "حوش" منزلها، حيث تهدأ لبعض الوقت عمليات التدريب ويتوقف الرصاص الذي يخرق صوته أذان سكان الحي وتتطاير شظاياه بين مساكنهم.
حبيسة المنزل
"نبقى بالمنازل معظم الوقت هربا من الرصاص ومن اقتحامات الجنود المفاجئة واعتداءاتهم علينا"، تقول أم ماهر. وتضيف أن تحركات الجنود باتت محدودة ومحصورة في الحي خاصة مع كثرة أبراج المراقبة العسكرية "فهم يرصدون كل من يدخل ويخرج".
[caption id="attachment_127446" align="alignnone" width="582"] معسكر "عناتوت" الإسرائيلي يحيط بحي الفهيدات الفلسطيني شرق القدس ويهدد حياة السكان[/caption]لدى أم ماهر قصص معاناة لا تحصى، فهي وعائلات أخرى في الحي تدفع ضريبة صمودها ورفضها إجراءات الاحتلال ومحاولاته ابتزازها والضغط عليها بكل الطرق لمساومتها على الرحيل عن أراضيها.
"لم يفلت أحد من أبنائي من الاعتقال والاعتداء مرة وأكثر، وأنا اعتقلت أيضا" تقول أم ماهر بينما تشير إلى صورة نجلها البكر ماهر الذي استشهد بعد اعتقال لتسع سنوات، أما بقية الأبناء فاعتقلوا لفترات متفاوتة وأصيبوا بإعاقات بفعل الشبح والضرب أثناء التحقيق، واعتقلت ابنتها الكبرى لأربعة عشر عاما بعد تنفيذها عملية فدائية بالقدس.
وفي تقسيماتها العنصرية عزلت سلطات الاحتلال بلدة عناتا عن مدينة القدس، وزادت الطين بلة فقسمت البلدة أربعة أقسام، تنوعت بين المخيم وضاحية السلام، حيث تتبع دولة الاحتلال ويحمل سكانها الهوية المقدسية (الإسرائيلية)، وعناتا البلد وحي الفهيدات، وتتبع الضفة الغربية.
وكان لهذا التقسيم أثره على أم ماهر، فلم يشفع مرضها بالقلب طوال عشرين عاما لاستصدار تصريح لها لدخول القدس للعلاج أو حتى زيارة ابنتها المتزوجة هناك، لكن الأخطر من كل ذلك هو محاولات الاحتلال تهجيرهم من الحي تحت وطأة الضغوط العسكرية تارة والمساومات للتنازل عن الأرض تارة أخرى.
وأقام الاحتلال معسكره الذي يُعدّه خط الدفاع الأول عن القدس على نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي الحي وبلدة عناتا، ويلاحق السكان الذين يقدرون بستين نسمة للاستيلاء على ما تبقى لهم من أراض تقدر بنحو ستين دونما يقيمون عليها منازلهم. "عام 2013 تلقينا سبعة عشر إخطارا بالهدم، وقبل أقل من شهرين تسلمنا ستة أخرى"، يقول يونس فهيدات الناشط في الدفاع عن الحي وأحد سكانه، ويضيف أن بعض هذه الإخطارات ستنفذ قريبا حسب تحذيرات الاحتلال.
في حي الفهيدات لم تعد الحياة تنبض بضحكات الأطفال ولعبهم، فنحو ثلاثين طفلا بالكاد يجدون مكانا ووقتا للترويح عن أنفسهم، والاقتراب من الأسلاك الشائكة المحيطة بمعسكر الاحتلال يعني الموت صعقا بالكهرباء أو برصاص الجنود الذين يعتلون أبراجهم العسكرية.
معاناة أخرى [caption id="attachment_127447" align="alignnone" width="582"] سكان حي الفهيدات يشتكون من أجهزة البث والاتصال المحيطة بمعسكر الاحتلال والمحاذية لحيهم[/caption]وترصد بدقة حركة الداخلين والخارجين للحي، ويمنع سكانه من ممارسة حياتهم الطبيعية في زراعة أراضيهم وتربية مواشيهم أو حتى بعض الدواجن التي يساعدون بها أنفسهم على الظروف الاقتصادية الصعبة، وفق الناشط فهيدات.
لكن ما لم يكن بالحسبان بالنسبة ليونس وأهالي الحي هو انتشار مرض السرطان، إذ يقول "إن ثمانية مواطنين -بينهم شقيقاه- أصيبوا بالسرطان، وأرجع ذلك لاستفحال أجهزة الاتصال والبث الكهروإلكترونية وإشعاعاتها الخطيرة". وأشار إلى أن الجنود الموجودون بالمعسكر يُستبدلون باستمرار.
بينما يواصل الجنود مهماتهم التدريبية والترويعية لسكان حي الفهيدات ويعدون أنفسهم لتشديد الخناق ومصادرة الأرض، تواصل الحاجة رسمية وأهالي الحي صمودهم معتمدين على حقهم ووجودهم قبل الاحتلال فيه، لكنهم ينتقدون قلة الاهتمام الرسمي بهم والوقوف معهم لا سيما بالمتابعة القانونية لتثبيت حقهم والدفاع عنه.
المصدر : الجزيرة