إن الشهداء قامة تطال عنان السماء، هذه قاعدة لا جدال فيها، كيف لا، وهم من تنازلوا عن الدنيا بما فيها من متاع، من أجل المضي في ركب الشهداء السائر نحو الموت بخطى ثابتة وصولًا للوطن.
موكب زاخر بالبطولة والتضحية، تعددت فيه الأسماء التي تزين قائمة الشهداء على درب القضية الفلسطينية، وإن بحثت في جنسياتهم سيذهلك الواقع، حيث ستجد بين صفوفهم الفلسطيني والأردني والسوري والعراقي واللبناني والكويتي وستجد الياباني والفنزويلي أيضا، فكلها شعوب آمنت بالحق الفلسطيني المسلوب من قبل الحركة الصهيونية المدعومة بالامبريالية الأمريكية والرجعية العربية المتنازلة عن الكرامة، فأرسلت خيرة أبنائها ليحظوا بشرف الشهادة في سبيل الدفاع عن أرض فلسطين العروبة، وإعادة الحق لشعبها المظلوم.
الشهيد القائد أبو علي مصطفى، أحد أبناء كوكبة الشهداء التي زينت بدمائها الثورة الفلسطينية بشكل خاص، وأمتنا العربية بشكل عام، فكانوا جميعا كالنياشين تعلق على الصدور، وكالتيجان ترفع على الرؤوس، وأبو علي هو أحد مؤسسي حركة القوميين العرب التي ناضلت من أجل بناء الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج، بهدف توحيد قوى الأمة المفككة وتجميعها من أجل النهوض بها واستغلال خيراتها لما فيه منفعة الأمة أجمع، فكان قوميا عروبيا إلى الحد الذي إذا اشتكت فيه أي بقعة من وطننا العربي كان يتألم معها ويصرخ لصراخها ويستنهض القوى للوقوف إلى جانبها، ويبدأ العمل الدؤوب ليلا نهارا للدفاع عنها بالشكل الذي يليق بعروبته.
ولما كان لفلسطين من وضع خاص واستثنائي في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، وبناء على أن الصراع هو صراع وجود لا حدود، ومن إيمانه الراسخ بضرورة تحرير فلسطين وخلق الأدوات الفاعلة لذلك، شارك الشهيد أبو علي مصطفى بتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وبهدف تحرير فلسطين، برفقة الكثير من المؤمنين، فكان برفقة حكيم الثورة الفلسطينية وضميرها الحي الذي لا يموت، الدكتور جورج حبش، والشهيد الاستثنائي الذي كان عقلها النير بالأفكار الخلاقة القادرة على حشد التأييد العالمي للقضية الفلسطينية الدكتور وديع حداد، فأصبح أبو علي مصطفى لغما متفجرا في وجه العدو، صلبا لا ينكسر، ومقاوما عنيدا يشهد له العدو قبل الصديق، واليميني قبل اليساري، والليبرالي قبل أي شخص آخر، فهو في النهاية جندي مخلص من جنود القضية الفلسطينية أذاق العدو الويلات بصحبة رفاقه المختلفون بالهويات الورقية المتشابهون بالهوية الكفاحية الفلسطينية.
إن من يعرف تاريخ الشهيد أبو علي مصطفى، لا بد له أن يقف إجلالا لروحه الطاهرة، وأن ينحني احتراما حتى يُلوى ظهره من شدة الانحناء لذكراه العطرة، فهو صاحب المقولة التي طبقها على ارض الواقع عملاً فعلياً "عدنا لنقاوم لا لنساوم على الثوابت"، فبدأ العمل كعادته بعزيمة لا تلين، ودون كلل أو ملل أو خوف من أجل إعادة تفعيل الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد الضربات التي تعرضت لها جميع الأذرع العسكرية لكل التنظيمات الفلسطينية بسبب اتفاقيات الاستسلام الموقعة مع العدو الصهيوني في تسعينيات القرن الماضي كوادي عربة وأوسلو وغيرهما من الاتفاقيات المخزية التي كللت تاريخنا بالعار الذي لن يمحى إلا بقوة السلاح الذي يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح والحق إلى أصحابه، لذلك، من الطبيعي جدا أن نشاهد من يهاجم الشهيد أبو علي مصطفى في ذكرى استشهاده لخوف أسيادهم في تل أبيب منه وهو في ثراه ولحده الأخير، ومن الطبيعي أيضا أن نجد في الدول العربية المحيطة بفلسطين من يقومون بهذا الفعل نيابة عن الصهاينة تحت ذرائع متعددة ومختلفة مستخدمين كافة الحجج الواهية محاولين إقناع من يتابعونهم بصحة أقوالهم، وذلك من أجل استهداف النسيج الاجتماعي للدول التي يتواجدون فيها، وضرب العلاقة مع الشعب الفلسطيني لتدمير قضية الدفاع عن فلسطين وعزلها ممهدين الطريق أمام العدو للانقضاض على شعبنا حينما يريدون ذلك.
ففي الوقت الذي ننام فيه ملئ جفوننا يقوم العدو الصهيوني بزراعة الجواسيس والعملاء في كل مكان وفي كل الدول حتى المستسلمة معه خدمة لأهدافه المعلنة وغير المعلنة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تطاول أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة في الأردن على الشهيد أبو علي مصطفى، ووجهوا له الشتائم والاتهامات، ووجدوا من يصفق لهم بجهل أو دراية، ولكن الجهل والدراية نوايا لا نعلمها، شتموا ووقفوا معلنين أجندة واضحة المعالم لا تخدم سوى عدو الأردن وعدو فلسطين متخذين الوطنية قناعاً، متسترين بكذبة حب الأردن، فبدوا كالمهرجين على مسارح السرك، يتراقصون فوق نار الحقد التي حرقت قلوبهم، فنبذهم الأحرار من أبناء الأردن، من أحفاد كايد مفلح عبيدات، ومشهور حديثة الجازي، وأحمد المجالي، ومشعل الخيطان، وغيرهم كثر ممن قدموا أرواحهم رخيصة فداءا لفلسطين.
وبناءا على ما سبق، يجب علينا أن ننتبه جميعا، أن الأجندة التي تطرحها تلك الحفنة من المارقين على النضال والتاريخ ما هي إلا خدمة مجانية للكيان الصهيوني، فإن كانوا مأجورين وعملاء فهي وظيفتهم التي يتلقون مقابلها العار الذي سيلاحقهم أبد التاريخ ويصبح واجباً علينا خلعهم وتعريتهم والضغط على السلطات لمحاكمتهم، وان كانوا على جهل فيجب عليهم أن يعودوا إلى رشدهم وان لا يقدموا خدمات مجانية للعدو الصهيوني وعلينا أن نساهم في تصويب سلوكهم وتوعيتهم بالشكل الصحيح، ولنتذكر جميعا القاعدة البريطانية القائلة: "فرق تسد" فإن تفرقنا سادوا علينا وان توحدنا سُدنا عليهم وأرغمناهم على ما نريد.
لروح الشهداء جميعا الرحمة، ولنا فيهم العبرة الحسنة، ولنا الطريق من بعدهم حتى تحقيق الأوطان الديمقراطية وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني.