تتابع الإعلام الإسرائيلي الناطق بالعربية فلا تجد مكانا لكلمة "الوطنية" في أي خبر عن السلطة، كذلك تسمع وترى في كل وسائل الإعلام الغربية، هذه الكلمة لا توجد إلا على ترويسات الأوراق التي تطبعها وزارات السلطة، أو على لوحات أسماء هذه الوزرات ومديرياتها المدنية والأمنية.
الأمنية؛ صحيح، هذه كلمة السر في هذا الكيان الفلسطيني غير معروف الأب؛ عشرات آلاف المنتسبين لهذه الأجهزة، وقرابة نصف ميزانية السلطة تصرف عليهم، ليراقبوا ويتتبعوا كل ما من شأنه المساس بوجود هذه السلطة، لماذا يا ترى كل هذا الاهتمام "الفلسطيني" بالأمن وأجهزته وعناصره؟
الجواب؛ المواطن..
نعم المواطن الفلسطيني الذي يعيش في المناطق (أ) و (ب) هو الهدف من كل هذه المنظومة الأمنية الكبيرة والمعقدة والمهمة، ذلك الشاب الذي من الممكن أن يفكر في أن هذه السلطة فاسدة إداريا، أو تلك الفتاة التي من الممكن أن تعي بأن العالم أجرى عملية ولادة لهذه السلطة كي تبقى "إسرائيل" آمنة. هؤلاء من يجب مراقبتهم والسهر على التنصت عليهم. هذه أسباب كافية لكل هذا الاهتمام بالمنظومة الأمنية.
منظومة قائمة على القمع والملاحقة الساخنة؛ هذا التوصيف الجميل لغويا هو أحد إفرازات الملحق الأمني لاتفاقية أوسلو والذي ينص أي الملحق الأمني على السماح للأجهزة الأمنية الإسرائيلية بإجراء عمليات ملاحقة ساخنة للمطلوبين داخل مناطق السلطة الفلسطينية، وبعد وقت بسيط أصبح أمن السلطة هو من يقوم بهذه الملاحقة، ويرفع حرارتها لأقصى درجة.
منظومة القمع استيقظت مؤخرا على خطر أكبر من المطلوبين العسكريين الذين يهددون وجودها، استيقظت على معركة الوعي التي أصبحت دائرتها تتسع يوما بعد آخر بالتزامن مع فشل محاولاتها لترويض الشباب على إمكانية العيش تحت احتلالين، تحت قمعين، تحت بسطارين.
هذا الوعي الذي ينتشر بين الشباب الفلسطينيين هو الخطر الحقيقي على السلطة ومشروعها، هو ما تخشاه السلطة وممولوها الذين يعرفون أنها ليست وطنية بالقدر الكافي لأن يطلق عليها هذا الوصف. فالناس الذين هتفوا للرجل الذي قاد مشروع السلطة في بدايته -أي الشهيد أبو عمار- واختلفوا معه كثيرا، يرون اليوم سلطة عقت بأمها، وطاردت الثوار الحقيقيين، وتلاحق عقول الناس، وأفكارهم، وتوقهم للحرية، تلاحقهم تماما كما يفعل الاحتلال، إلا أنه أذكى منها.
ليست السلطة إلا بسطارا إضافيا فوق أعناق الفلسطينيين، وأي محاولة لإنتاج وعي وطني بضرورة رفع هذا البسطار سيكون تهديدا لوجودها. فمتى عجزت عن كي الوعي الوطني للشارع ومنعه من الانتشار في أزقة المخيمات وحواكير القرى أصبحت سلطة بلا فائدة، وسيتخلى عنها الحاضنون.
لذلك فهي تنتج قمعا جديدا بين الحين والآخر، حتى تبقى على قيد الحياة. فالفلسطينيون جسد روحه الوعي، والسلطة جسد روحه القمع.