غزة – خاص قدس الاخبارية: طفلة صغيرة، على شاطئ بحر غزة، تركض وتصرخ، بعدما أطلقت طائرات الاحتلال صاروخًا تجاه عائلتها التي كانت خارجة للاستجمام.
استشهاد عائلة غالية حادثة حفرها التاريخ بصفحاته واستخدم الدموع بدلاً من الحبر ليخط تفاصيلها، كان ذلك عام 2006، هدى التي كانت تبلغ من العمر 12 عاما حينها، خرجت إلى شاطئ بحر غزة لتستجم في فصل الصيف، برفقة عائلتها المكونة 14 فرداً، استشهدت نصف عائلتها والنصف الآخر أصيب بجراح بالغة.
"قدس الاخبارية" التقت هدى غالية (23 عاماً) بعد 11 عامًا على المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق عائلتها، "تخرجت حديثاً من الجامعة بتخصص الحقوق، لأحمي ما تبقى من عائلتي وأوصل معاناتهم للعالم بعد نسيان الحادثة التي اوجعت قلوبنا ولازالت تؤلمنا، لا نستطيع نسيان الحادثة بل هي شريط لا يفارق عيني متثملة بإصابات أمي وأختي وأخي".
"لاتزال عائلتي تتألم من إصاباتها فوالدتي أم أيهم (52 عاماً) أصيبت بيدها خلال الحادثة ووضع لها قضيب بلاتين بها والآن لا تستطيع أن تعمل أي شيء في المنزل، فهي تعجز عن تجهيز الطعام لنا وترتيب المنزل معنا، أما أختي ايهام (28 عاماً) فهي مصابة بشلل رباعي نتيجة إصابتها برصاصة في الرئة ومكثت في العناية المركزة لمدة 52 يوما، أما أخي أدهم (21 عاماً) بثرت قدمه ووضعت له ركبة صناعية بدلا عن ركبته المصابة"، هدى واصفة حالة عائلتها الصحية.
"لازلت أعاني من هذه الحادثة، لا أستطيع أن أعيش حياتي بشكل طبيعي وأنا فاقدة لنصف عائلتي، لم يعد لي سند في هذه الحياة بعد استشهاد والدي، فمن بعده لم يبقى لنا حياة مات كل شيء وجميعنا نعاني من غيابه، تمنيت أن يكون أبي موجودا ليدعمني ويشاركني لحظاتي السعيدة".
لم تكن حادثة استشهاد عائلتها هي الوحيدة في حياتها، ولكن هناك حادثة أخرى أوجعت قلبها قائلة: "بعد مرور سنتين على حادثة عائلتي جاءت الحرب الأولى على غزة والتي استشهد خلالها زوج أختي عنان غالية، وبعد ثلاثة شهور استشهدت أختي أماني لتلحق بزوجها شهيدة وتترك ابنتها وابنها دون أب ولا أم، الأوجاع لم تنقطع عنا بل لا زالت حياتنا مليئة بالحزن والألم".
أما عن حياتهم الاجتماعية والاقتصادية تقول: "يعيش في المنزل 10 أفراد والمصدر المادي لدينا هو راتب الجرحى الذي نتقاضاه شهرياً ولا يوجد لدينا دخل آخر، فنحن نلاحظ أن قضيتنا نسيت لم يبقى أحد يسأل عنا بل أصبحنا أعدادا تذكر، وما قيل أننا في الخارج أو تكفلت جهة خارجية بنا، فهو مجرد كلام مرسل ليس له أساس من الصحة".
هدى غالية تحدثت عن علاقتها بالبحر بعد فقدان عائلتها عليه قائلة: "ذهابي للبحر قليل جدا لا يتعدى الزيارتين سنوياً لم أعد أتردد عليه كما كنت بالسابق، فهو يذكرني بحادثة عائلتي وبأدق تفاصيلها، الأمر لا يقتصر على البحر بل كل شيء يذكرني بفقدان عائلتي حتى وإن نساها العالم أنا لم أنسى ما كنت شاهدة عليه ورأيته بأم عيني".
وتضيف، "ما يحزنني هو نسيان الناس لقضيتنا بل أصبحت ماضي وأي حادثة تحل على قطاع غزة أو تصيب عائلة ما تمحو تاريخ الحادثة التي سبقتها، جميع الجهات تنسى حوادث العائلات أن كانوا أناس عاديون أم صحافة وحتى الجهات المسؤولة، لذا أردت أن أكون محامية لكي أذكر العالم بقضيتنا التي نُسيت بشكل نهائي".
وقفت هدى أمام الآلاف في حفل تخرجها من الجامعة الإسلامية من كلية الحقوق كي توصل رسالتها في كلمة قصيرة وتحدثت عن نفسها لتذكر الناس بها قائلة: "في حفل التخرج عُرض علي أن ألقي كلمة أمام الحضور وبوجود كاميرات الإعلام، فتجرأت ووافقت على طلبهم لكي أذكرهم بقصة عائلتي التي نسوها مع تراكم الكوارث التي أصابت غزة ولازالت تصيبها، أعلم أن شخصيتي هادئة جداً، ولكن سوف أكسر هذه الشخصية لكي أكون أكثر جرأة وقوة مناسبة لحمل قضيتي وقضايا العائلات المهمشة".
يذكر أن هدى غالية فقدت عائلتها نتيجة استهداف زوارق الاحتلال لهم خلال جولة استجمامية على شاطئ قطاع غزة بعدة قذائف متتالية، حيث استشهد في الحادثة 7 من أفراد العائلة بينهم علي ( الأب 46 عاما) وهو والدهم وزوجته الثانية علياء (25 عاما) وابنته إلهام (15 عاما)، وابنه هيثم (4 شهور) وابنته وصابرين (عامان) وابنته هنادي (عام واحد).