شبكة قدس الإخبارية

عائلة الطيطي.. 17 عامًا على أمل اجتماع الأشقاء

عبد المحسن شلالدة

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: لم تتمكن عائلة الفلسطيني جبر الطيطي من مخيم العروب شمال محافظة الخليل من لم شملها مع أبنائها الأسرى في سجون الاحتلال لفترات طويلة.

فمنذ انطلاق انتفاضة الأقصى بدأت حكاية العائلة مع الاعتقالات التي طالت أبناءها موزعةً على فترات من العذاب والويلات التي صُبّت على العائلة من اقتحامات الاحتلال المستمرة لمنزلهم، الذي لم يجتمع فيه أبناؤه إلا أيامًا معدودات.

39 يومًا فقط، هي مدة اجتماعهم سويًا منذ أكثر من 17 عامًا، جمعهم منزل العائلة الصغير، الذي كان أكبر من سجون الظلم الاحتلالية، لم تطول الفترة حتى عادت الاستدعاءات والاعتقالات بحق أبناء العائلة مطلع العام الحالي.

أم ثائر الطيطي تروي قصّتها مع الاعتقالات قائلة إن "الاعتقال الأول طال نجلها الأكبر ثائر عام 2000، خلال انتفاضة الأقصى، حيث كانت أصعب فترة بالنسبة للعائلة، مضيفة "لم يمر سوى شهور قليلة حتى طال الاعتقال نجلها الثاني علاء وبعد يومين شقيقيهما "ضياء وعبد القادر"

وأضافت والدة الأسرى لـ "قُدس الإخبارية"، أن تلك الفترة كانت الأكثر صعوبة على العائلة وعليها كوالدة المعتقلين بسبب منعها من الزيارة بحجة وجود منع أمني، مشيرة إلى تمكن العائلة من إصدار تصاريح للأطفال أشقاء المعتقلين حيث تمكنوا من زيارة والاطلاع على ظروف اعتقالهم بعد وقت من اعتقالهم.

وبحسب والدتهم أم ثائر، فان الاحتلال "لم يكتفي باعتقال الأبناء الكبار بل طال الاعتقال شامخ الابن ذو الـ19ربيعاً في عام 2006، ليقضي حكمًا بالسجن 7 شهور ومن بعده عبد الكريم ذو 16 ربيعاً عام 2007، وتم إدانته وحكمه بالسجن لمدة عام ونصف، خرج خلالها شقيقه "شامخ" ليتـنـسم عبق الحرية أمضى عشرة شهور في المنزل ولكن الاعتقال كان الأسبق في خطف طفولته من أزقة المخيم.

عام 2006 تمكنت السيدة أم ثائر من الحصول على تصريح لزيارة الأبناء، حيث تم السماح لها بالزيارة في السنة مرتين، والزيارة تتم كل يوم لأحدهم بسبب توزيعهم على السجون والذي سبب لها تعبًا كبيرًا، حيث كان الاحتلال يمنع الأبناء في الاجتماع بسجن واحد أو حتى الزيارة وذلك ضمن نظام عقابي مارسته ضد العائلة، بحسب والدتهم.

استمرت الاعتقالات بحق أبناء العائلة بفترات متباعدة حيث لم تسمح الافراجات لجمع العائلة ليوم واحد، فما إن يتنسم أحدهم الحرية حتى يباشر الاحتلال باعتقال آخر من الأشقاء، وهو ما حرمهم من الاجتماع في بيتهم لسنواتٍ طويلة.

التاريخ الفارق الذي تحفظه العائلة هو الثامن عشر، من آب أغسطس 2016، حيث اجتمعت الأم بأولادها في المنزل بعد 17 عاماً من الفرقة التي فرضها الاحتلال عليهم.

جاء العيد أخيرًا ليزور قلب الصابرة أم ثائر، فتقول "منذ بداية ذلك اليوم والفرحة لم تفارق المنزل واستمرت لـ 39 يومًا كنّا فيها معًا نحتضن الشوق المخبأ لكل منّا في قلب الآخر، لكن الاحتلال أبى إلا ينغص فرحتنا وعاود مسلسل الاعتقال يعرض حلقاته لاستكمال أعوام الفراق.

وأردفت، "حاول الاحتلال تحطيم معنويات العائلة ولكن إرادة الله أقوى ونحن على أمل بأن اليوم الذي سيخرج به شامخ وعبد الكريم سيأتي وتنتهي فرقة العائلة قريبًا"

وأضافت " الاعتقالات كان الهدف منها اقصاء العائلة وتشتيتها حيث هاجم ضابط الاحتلال "إبراهيم" والدة المعتقلين خلال اقتحام المنزل بعد 39 يومًا من الاجتماع وقال لها "لن يهدأ لي بال ولن أستطيع النوم على الوسادة ما دام أبناء عائلة جبر الطيطي خارج السجون".

انتصار على أرض المخيّم

الأسير المحرر هشام الطيطي، والمفرج عنه في الثامن عشر من آب الماضي وصف فرحة اللقاء في ذاك اليوم على أرض المخيم هو بمثابة الانتصار على السجان وتحدٍ صارخ لآلة الظلم والاستبداد التي تمارس ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقد اجتمع بالعائلة بعد غياب دام أربع سنوات وكان هو الأخير من بين أشقائه في الأسر، حيث التقت العائلة بأبنائها الثمانية لأول مرة.

وأضاف لـ "قُدس الإخبارية"، أن الشعور بالحرية والاجتماع بالعائلة كبير جدًا لدرجة أن سياسة مخابرات الاحتلال قد فشلت في إقصاء العائلة، ولكن سرعان ما عاود الاحتلال الكرة من جديد بعد نحو شهر وبدأ مسلسل الاعتقالات يبث من جديد دون لقاء بأشقائه مرة أخرى من شهر ١١/٢٠١٦ حتى الفترة الحالية.

كانت ظروف التحقيق التي يمر بها أبناء العائلة قاسية وعمل الاحتلال على توزيع الأشقاء خلال الاعتقال على سجون مختلفة ضمن سياسة عقابية تستهدف العائلة ومنعهم من التواصل او الزيارة التي تشرعها القوانين المعمول بها وضمن نص قانوني يسمح لأي أسير بزيارة أخيه ولكن الاحتلال عمل على تشتيت العائلة ليس فقط خارج السجون بل داخلها أيضًا.

وأكد المحرر عبد القادر الطيطي على ظروف الاعتقال السيئة التي مر بها هو وأشقائه حيث اعتقل وهو ابن السابعة عشر من عمره وكان اقتحام البيت ليلا أكثر المشاهد رعباً في تلك اللحظة للعائلة، كونه لا يزل طفلًا أنذاك.

وأضاف لـ "قُدس الإخبارية"، "تعرضت للاعتقال 7 مرات وكانت البداية عام 2002، وكانت أصعب مرحلة تمر بها العائلة بسبب اعتقال 4 من العائلة على فترات ما بين عام 2000، إلى 2002، حيث كانت سياسة الاعتقال تصب في تشتيت الأخوة في سجون مختلفة، ولم نستطيع الالتقاء ولو لمرة من خلال طلب زيارات.

مواقف وتحدّي!

"أشد المواقف صعوبة تلك التي مرت عام 2004، ففي الشهر الثاني أعيد اعتقالي وفي اليوم الثالث من الاعتقال انتابني شعور بأن مكروه قد أصاب الجدة" كان الشعور صعب وأنا لا أستطيع التواصل مع أحد بسبب ظروف التحقيق الصعبة وبعد فتره بسيطة نقلت إلى الغرف ثم أبلغت بخبر وفاة جدتي"، يروي المحرر عبد القادر.

وأوضح، "لم أستطع إكمال دراستي الجامعية بسبب اعتقالي المستمر، ففي عام 2016 كنت منتسبًا لجامعة القدس المفتوحة وأثناء تقديم الامتحانات اعتقلت وبعد الافراج عني أكملت دراستي في دار المعلمين برام الله لكن سياسة الاعتقال والملاحقة لم تساعدني في إكمال تعليمي.

وبحسب المحرر عبد القادر، "في عام 2012 اقتحمت قوة من جيش الاحتلال منزل العائلة بوحشية وتم تفجير باب المنزل وفتشت المنزل بشكلٍ دقيق، وسلّمت جميع أفراد العائلة بلاغات لمراجعة مخابراتها في مركز التحقيق في "عتصيون" حيث كان ثائر وضياء معتقل في تلك الفترة.

وأضاف، "أثناء التحقيق معي في مطلع عام 2012، في مركز "عتصيون" أطلق ضابط الاحتلال "باناي" تهديدات باعتقالات ضد أفراد العائلة وبعد أيام قليلة تم اعتقالي بعد اقتحام منزل العائلة وهذه المرة كان لي النصيب في الاعتقال الإداري.

أما بعد شهرين من اعتقالي دخل الأسرى في "اضراب الكرامة" وكان الثالث من الاضراب موعد زيارة أم ثائر وقد عمد الضابط على مساومتي بفك الاضراب مقابل رؤية الوالدة ومورست بحقي ضغوطات نفسية بقول الضابط "أمك من الصبح على باب السجن تحت الشمس وهي تعبانة كثير بدها تشوفك من زمان غايب عنها، نصيحتي أن تأكل حتى أساعدك بالوصول لها"، لكننّي رفضت مساومته وحديثه، وعليه فرضت عقوبات ضدي، بنقلي إلى عزل بئر السبع ومنعي من رؤية الوالدة.

وحول أساليب الاحتلال وتعمدهم إذلال الأسرى ومساومتهم في أبسط حقوقهم كزيارات الأهل، يقول "في زيارة الأهل كان الضابط يتعمد لوضع "الكلبشات" على قدمي دون الأسرى حيث كان المشهد يؤلم العائلة، كنت دائمًا أحاول إخفاء القيود من خلال وضع قدماي تحت الطاولة ولكن عند وقوفي كانت الوالدة دائما تنظر إلى قدمي وأرى الدموع في عينيها في مشهد كان الأصعب لي"

وعن موعد الافراج عنّه، يقول المحرر عبد القادر، في الثامن من آب الماضي، وعند وصولي للبوسطة ونقلي لإتمام جميع الإجراءات وصلني التمديد، وأن الاحتلال قرّر عدم الافراج عنّي، لكنني أخفيت تحطمي بابتسامه كبيرة وعند وصولي للقسم اتصلت بأختي واخبرتها بمزاح "ما بدي أعيدك اليوم"، بصدمة سألتني عن السبب؛ وكررت بمزاح "وفرتي عليّ عيدية اليوم مددوني من جديد".

"مش مهم أنا متحديهم"

في مطلع عام 2017 أعيد اعتقال شامخ وعبد الكريم بعد 39 يوماً من الاجتماع وقد مورست بحقهم ضغوطات نفسية كبيرة أثناء التحقيق وفقدان للوزن وصل 15 كيلوغرامًا، حيث وصفت العائلة مشهد شامخ أثناء المحاكمة الأخيرة بالمنظر المخيف، وبدا بأنه وفي وضع صحي صعب للغاية وقد أكدت على الرغم من ذلك إلا أن المعنويات التي يحملها تفوق كل التوقعات وكان يردد دائما لهم "مش مهم انا متحديهم".

وفي رسالة وصلت العائلة من الأسير شامخ الطيطي وجاء فيها،

"قديمٌ هو الوجعُ الذي تتوشحهُ الأسلاكُ الشائكة المحيطة بالمخيم العتيق، ذاكَ الذي عرفُ صورنا منذُ البدء، منذُ اول صرخة ثورة، انطلقت من عمقِ المحنةِ والنكبةِ، وها نحنُ ذا نسيرُ على ذاتِ الدرب الآلام جيلاً بعد جيل نبحثُ عن ميلادٍ جديد، لحياة موءودة بيد الاحتلال، عاماً والتفرقُ يلعنُ سطوتهُ على العائلةِ الصابرةِ وكان الاجتماع علينا حرام، تسرقنا قضبانُ الأسر من الفرحةِ والسرور في حضن الام الدافئ، وبيت العائلة الرحيم

صبراً يا أمي، فلا زاد للأحرار في وطننا إلا الصبر، ونحنٌ أهل الصبر، ورواد دربِ المجدأما الوطن، ففي كل صدر ثائر يحيا وطن، يتعلقُ على جبالِ الأمل، بين السماء وقوبنا المحلقةِ في فضاءاتِ الكرامةِ، وحتماً سنعود، وأبداً، لن نحيد

عائلتي، عائلةُ الحب، والمقاومة، إنني على يقين، ككل أسير ثار من أجل راحة شعبه، أن للعمر زكاةً يجبُ أن تبذل في سبيل المبادئ والحق، وأنا زكاةُ عائلتي ومبعوثها في طريق البحثِ عنِ السلام، ولن يجدي في هذا العمرِ، إلا المزيدُ من الصبر، فاشنقوا آهاتِ الصدرِ في النحر، سنلتقي والفرحة في نهاية الأمر.

من خلف جدران العتمةِ، حيث لا نور سوانا هناك

شامخ الطيطي سجن عوفر المركزي".