شبكة قدس الإخبارية

خالد نزال في ذاكرتي

باسمة بطاط
انعقد لسان الرفيقة ماجدة المصري وانحبس صوتها وهي تلقي الخبر باقتضاب، الرفيق خالد نزال استشهد. خالد نزال اغتاله الموساد في أثينا في حزيران 1986 طالته يد إرهاب دولة الاحتلال. لم يمض وقت طويل لتبدأ علاقتي بريما التي جاءت من سوريا لتستقر في عمان حاملة سوادها وحزنها ووجعها وطفليها ديمة وغيث . تلك الجميلة المتشحة بالأسود، الفراشة السوداء كما وصفتها قصيدة شاعر، كانت تبدو لي وكأنها خارجة من نص "شكسبيري" تسير أو تراوح بين مكانين وزمانين وعالمين ، هما خالد ونحن. واصلت نضالها في الأردن،وكان من ترتيبات القدر أن تكون هي مسئولتي الحزبية لنقود سوية المنظمة الطلابية النسائية،مما تطلب أن ازورها بشكل شبه يومي في بيتها المعلقة على جدرانه دموع على شكل وجه خالد، وحتى لا أسرف في وصف تلك التجربة لأنها قد تجتاح، لاتحتاج، صفحات سأتوقف عند بعض ملامحها الإنسانية والأشياء المشتركة الجميلة التي شبكت بين روحينا . أم ديمة وغيث وزوجة الشهيد خالد، كانت لها تجربتها النضالية منذ كانت طالبة تعيش في فلسطين وتم ابعادها من قبل سلطات الإحتلال في لتنتقل إلى سوريا، درست وتعرفت على خالد وتزوجا ، كنت الحظ من بين الحزن تسلل شيء مختلف من روحها التي تسكنها طفلة تضحك وتُضحك، وعلى هوامش تلك الاجتماعات كان يحلو لنا الحديث عن الحب والأغاني وأفلام السينما، ولا أذكر حديثا لم يمر في ثناياه أو ينته بضحكة من القلب على مفارقة ما، كان الضحك واحد من تجليات وتداعيات الحزن العميق . امتدت صداقتنا ورفقتنا في العمل سوية في الصندوق القومي الفلسطيني، حتى عادت للبلاد، وكانت من أواخر الوجوه التي تعرف عليها زوجي رائد الدبس اذ التقينا على مائدة فطور فلسطيني قوامه الرئيسي الزيت والزعتر في أحد مقاهي رام الله قبل أن يرحل عن عالمنا هو أيضاً. واحد وثلاثون عاما ونحن نتأمل خالد في نص سنوي موجع تستحضر فيه ريما وجهه وغيابه، كان هذا مدار حديثي مع ابنهما غيث الذي أصبح شابا آخر مرة التقيته بعد سنوات من الغياب،كان ذلك في استراحة أريحا في زيارتي الأخيرة إلى رام الله . كنا بانتظار الراكب الأخير، ليصل شاب وسيم يأخذ مكانه بهدوء في المقعد الذي أمامي، وضعت يدي على كتفه : غيث ؟ بلمعة فرح رد خالتو باسمة ! التف وتعانقنا وكان حديثنا الذي علا فيه صوتنا على صوت الركاب عن تدشين ميدان في جنين باسم خالد والجدارية التي تحمل اسمه. تم ذلك الاحتفال ليمر أقل من أسبوع لتجتاحنا حالة من الذهول والغضب من خبر انصياع "بلدية جنين" لتهديدات سلطات الإحتلال باجتياح المدينة في حال لم يتم إزالة النصب التذكاري. - صباح الخير ريما - مستاءة كتير وحزينة في محادثة سريعة معها فور سماعي الخبر. مستاءة وحزينة تختزل ما يعني أن يستشهد خالد مرة وواحد وثلاثين برصاص الموساد والمرة الأكثر قسوة برصاصة من "البعض" من شعبه. يا ريما: افتحي بيت عزاء في قباطية، خيمة كبيرة مشرعة على جنين ، على فلسطين، على ذاكرتنا وأقيمي هناك وابك خالد كما لم تبك إمرأة أحدا من قبل، ولنبك معك كلنا ما وصلت إليه فلسطين بهذه الكلمات عبّرت لها. لكن وشعبنا على أهبة الكرامة والانتصار للشهداء في هبة شعبية، هي هبة الذاكرة التي شحذت بمحاولات غبية في تشويشها أو محو أجمل من يضيئونها، أعادت السواعد الشريفة النقية إعادة النصب التذكاري والجدارية انتصاراً للذاكرة لنردد مفعمين بالنشوة الخالد نزال ينتصر.