شبكة قدس الإخبارية

رسائل من دم.. حماس ومعركة الاغتيالات

جمال حج علي

بعد عملية اغتيال الشهيد محمد الزواري قبل حوالي الخمسة شهور، والتي تمت في كمين نصب له قبالة بيته الكائن في صفاقس التونسية، اليوم يرتقي الأسير المحرر ابن بلدة طوباس المبعد إلى قطاع غزة مازن فقهاء مضرجا بدمائه بنفس الطريقة، ليضيء باغتياله ضوءا أحمر ويفتح بذلك سيلا من الأسئلة التي تحتاج لمن يجيب عليها.

إنّ الأيدي التي طالت الشهيد مازن الفقها والتي تشير بطريقة تنفيذها إلى أن الموساد الإسرائيلي هو صاحب هذه العملية، ومما يزيد في التأكيد أن عائلة الشهيد تصرح بتلقيها رسائل واتصالات عدة من جهة المخابرات الإسرائيلية تحذرها بأنها ستقوم بتصفيته.

إنّ الذي يراقب المعادلات التي تم فرضها من قبل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد الحروب الثلاثة والتي ثبّتت فيها وجودها العسكري المنظور، والذي يراقبه الاحتلال بعينه المجردة سواء أكان عروضا وتدريبات واستعدادات عسكرية، دون أن تقوم قواته بقصف هذه المواقع ودون أن تصيب أحدا من المقاومين، ليعطي دلالة واضحة عن طبيعة المعادلة وطبيعة قواعد الاشتباك بين الطرفين، ولذلك لم نسمع منذ اغتيال الشهيد أحمد الجعبري وفي غير أيام الحرب أن الاحتلال اغتال فلسطينيا بقصفه بالطريقة المعهودة منذ سنوات من خلال الطائرات بدون طيار أو قذائف المدفعية وصواريخ الأباتشي.

إن عملية الاغتيال التي تم تنفيذها وراح ضحيتها الشهيد مازن فقهاء، من خلال التصفية الجسدية بسلاح ناري وكاتم للصوت ومجموعة مدربة متقِنة لعملها، ما هي إلاّ وسيلة متجددة استخدمها الاحتلال قبل اثنين وعشرين سنةً، عندما اغتالت مجموعة مماثلة مؤسس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حيث تعتقد دولة الاحتلال أن هذه الطريقة قد لا تجلب ردا مباشرا وعنيفا كالذي حدث عقب اغتيال الشهيد أحمد الجعبري.

تريد دولة الاحتلال من خلال عمليه الاغتيال هذه أن تفرض معادلة جديدة وقواعد اشتباك تجعل من المقاومة الفلسطينية عاجزة عن الرد العنيف والمباشر حسب ظنها، وذلك مراعاة للظروف التي يمر بها قطاع غزة بسبب الحصار الخانق المفروض عليه منذ أحد عشر عاماً، ولذلك جاء الرد الإعلامي للجناح المسلح لحركة حماس في بيان واضح لكتائب القسام، تتعهد فيه الكتائب بالرد الذي سيكون بحجم الجريمة حسب البيان، وأوضحت أنها "لن تسمح للاحتلال بفرض معادلات جديدة، وأنها ستكسر معادلة "الاغتيال الهادىء" الذي يريد الاحتلال فرضها على أبطال المقاومة"، حسب تعبير البيان، وأنها سترد على هذه الجريمة.

ترسل "إسرائيل" أيضاً، من خلال عملية الاغتيال للشهيد مازن فقهاء، رسائل متعددة؛ واحدة منها للمبعدين المفرج عنهم في صفقة التبادل التي تم إبرامها عام 2011م، "صفقة وفاء الأحرار"، أنهم ليسوا بأمان وأنها قادرة على النيل منهم وخاصة إذا قاموا بأنشطة تدعم المقاومة، ومن هنا فإنّ ترتيبات الأمن الشخصي لكل واحد منهم تصبح قيد الاختبار.

والرسالة الأخرى فهي تأتي على شكل اختبار لقيادة حماس الجديدة، والمتمثلة بصورة أساسية بالقائد يحيى السنوار؛ قائد حماس الجديد في قطاع غزة وأحد مؤسسي كتائب عز الدين القسام، والخبير بشؤون المقاومة والحرب، لترى ما يمكن لهذه القيادة أن تقوم به في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية عامة وقطاع غزة على وجه التحديد.

كما أن الاحتلال الإسرائيلي الذي يستغل انشغال العالم والإقليم عن القضية الفلسطينية، ويتصرف من طرف واحد بكل مفردات السيطرة على الملف المتعلق بالمفاوضات، ويعتقد جازما أن ظهر الفلسطينيين مكشوف عربياً وإسلامياً وعلى وجه الخصوص من الجهات الرسمية والنخب المنتفعة الحليفة لها، التي ترى معركتها هي حماية كرسيّ الحكم وإزالة التهديد الإيراني، حيث تشير كثير من التصريحات الإسرائيلية إلى مستوى التنسيق العربي والإسلامي مع الدولة العبرية في هذا الملف، ومن هنا يأتي السؤال التالي، هل ترغب "إسرائيل" بفتح مواجهة مفتوحة مع قطاع غزة؟ مستغلة الواقع سالف الذكر وتبدؤه بشرارة اغتيال الشهيد مازن فقهاء، علماً أن تصريحاتها الرسمية تشير لغير ذلك، إضافة لعدم وجود تغيير دراماتيكي يجعل من فتح جبهة "عش الدبابير" أولوية تستوجب إيجاد من يتحمل تبعاتها من القادة السياسيين أو حتى العسكريين في هذه اللحظة.