منذ اغتيال الشهيد البطل باسل الأعرج وأنا أحاول جاهدا كبح جماح الغضب المشتعل في داخلي وأن أبتعد عن الحديث في السياسة وعن خطورة الوضع القائم والمتمثل في سياسة التنسيق الأمني واغتيال المناضلين من أبناء شعبنا، في مظاهر لا تثير سوى الألم في نفوسنا مما آل إليه الوضع الراهن من تردي الحالة الثورية لدى الجمع الفلسطيني بسبب الإحباط العام الناتج عن انبطاح القيادة أمام العدو.
حاولت الابتعاد ليس خوفا بالطبع وإنما لتركيز الحديث عن الشهيد وما تركه من إرث خالد يتوجب علينا استغلاله جيدا في محاولة للسير على نهجه وإعادة إحياء ما يمكن إحياؤه من كرامة تقطن قلوبنا المتخمة من الجراح، وبث الأمل في نفوسنا أن هنالك نورا يقبع في نهاية النفق المظلم الذي نسير فيه، فنصبح مثقفين مشتبكين كما أوصانا الشهيد قبل أن يرحل، فنشتبك مع العدو ونصل إلى نور التحرير.
ولكن ما حدث اليوم، جعل الصمت خيانة، والسكوت ضرب من ضروب المذلة، وأصبحت أرى في نفسي متهاونا في دماء الشهداء صامتا عن عذابات الأسرى.
إن الاعتداء على والد الشهيد الأعرج وأحرار شعبنا والزملاء الصحفيين وكل الذين هبوا لنصرة الشهيد، يجبرنا على أن نتخذ موقفا واضحا مما حدث، ويصبح الصمت في ظله عارا يلاحقنا كيفما تحركنا وأينما أدرنا وجوهنا، فيجب أن نتحدث، ولكن قبل الحديث يتوجب علينا أن نحدد بوصلتنا بالاتجاه الصحيح، ونعرف هدفنا حق المعرفة، بالإضافة إلى أن نكون صادقين مع أنفسنا ومنسجمين مع جماهيرنا الشعبية وبما يتناسب مع الحالة الثورية الآخذة بالتشكل عقب اغتيال الشهيد باسل، في حال استغلالنا لها بالشكل الصحيح.
اغتيل الشهيد باسل من خلال التنسيق الأمني، ويجب أن نعلم جميعا ما هو التنسيق الأمني، سأحاول أن أوجز وألخص هذا الموضوع الشائك حسب ما هو حاصل في الواقع وما يتم تطبيقه على الأرض في حالات اعتقال أبناء شعبنا واغتيال المناضلين، كما حدث مع الشهيد باسل الأعرج ومن قبله الشهيد محمد الفقيه.
يقوم العدو الصهيوني بمخاطبة السلطة الفلسطينية من خلال جهاز يسمى "الارتباط العسكري" ويوضح لهم أن الجيش سيقوم باقتحام منطقة "معينة" تخضع لحكم السلطة الفلسطينية بهدف اعتقال "مطلوب" او اغتيال مناضل، ويتم من خلال تلك المخاطبة تحديد اليوم والساعة والقوة التي ستنفذ الاقتحام، ليأتي دور السلطة الفلسطينية وترد على المخاطبة الصهيونية وتزودهم بالمعلومات اللازمة عن الشخص المراد اعتقاله او اغتياله بالإضافة إلى المنافذ الأكثر أمانا للجيش حتى يتم الاقتحام من خلالها، والطريق التي سيسلكها المنفذون ليتم التنفيذ.
بهذه الطريقة يتم اغتيالنا جميعا، وهكذا يقوم العدو الصهيوني بالتنسيق مع السلطة التي تدعي أنها فلسطينية بهدف قتلنا الواحد تلو الآخر وإخماد نيران أي انتفاضة قادمة، أو أي تحرك قد يسعى إلى تقويض حكم كيان العدو الصهيوني وزعزعة استقراره هو وأتباعه، مما يجبر السلطة على اتباع سياسة تكميم الأفواه والتضييق على الحريات العامة في ظاهرة لا تخدم سوى العدو الصهيوني ومصالحهم المرتبطة معه بمصالح مشتركة لا تتقاطع مع المصلحة الشعبية.
اليوم أعلنت قوات السلطة الفلسطينية أنها تتخندق في خندق العدو الصهيوني المعادي للشعب الفلسطيني وطموحاته وتطلعاته بتحرير الأرض وإعلان قيام دولته العربية الفلسطينية من البحر إلى النهر وعاصمتها القدس، كل القدس لا شرقية ولا غربية، فقدسنا غير قدسهم التي يتقاسموها كما "الكعكة".
أقسمت على الولاء للعدو الصهيوني حينما اعتدت على كرامتنا جميعا وأطلقت يد قواتها الطولى على أحرار شعبنا وتركتهم يتوغلون بضرب والد الشهيد مما استدعى نقله الى المستشفى في حالة يرثى لها، وهو يستمع إلى الشتائم التي تفنن مطلقوها في إطلاقها من أفواههم، شتائم وإهانات تنال من هيبته ومن هيبة ولده الشهيد وتنال من هيبتنا جميعا، فلقد نسي هذا الشرطي ونسينا نحن من قبله أن كرامتنا من كرامة الشهداء ولولا من قدموا دمائهم رخيصة على مذبح الحرية لما أصبح هو شرطيا يعتدي على أشرافنا، ولكن نسينا فاعتدى هو، ونحن صمتنا.
نقف اليوم أمام مفترق طرق، يضم طريقين فقط لا ثالث لهما، طريق الحرية والكرامة والاستقلال، وهو الطريق غالي الثمن ولا يقبل سوى الشهداء يزينونه بدمائهم، وصوت آهات الأسرى تنشد تراتيل الحرية بين جنباته، ونهايته وطن نعيش فيه جميعا وينام فيه الشهداء في قبورهم لا يزعجهم غليان دمائهم تطالب الثأر.
أما الطريق الآخر، فهو طريق الخضوع والذل والامتهان لكرامتنا جميعا، طريق رخيص الثمن لا يطلب منا سوى الصمت على ما يحدث والتصفيق له، ونهايته معلومة، سنموت جميعا راكعين للعدو وأتباعه.
يجب أن نختار طريقنا، وأن نرفع رؤوسنا عاليا لربما لن تتاح لنا الفرصة مجددا لرفعها، لنرفعها ونحيي الشهيد وننتفض من اجل أنفسنا قبل أي شيء آخر، لننتفض ونقول "لا لسلطة اوسلو.... لا للعدو الصهيوني.... نعم للحرية والكرامة.