شبكة قدس الإخبارية

عام على رحيل النايف ولم تُحل الأحجية بعد

سامر عطياني

في السادس والعشرين من شهر شباط عام 2016، رحل عن هذا العالم أحد أبناء القضية الفلسطينية وأحد أشد المدافعين عنها، ورسولها في بلغاريا، رحل في السفارة الفلسطينية في مدينة صوفيا، رحل على يد الغدر والخيانة والعدو على حد سواء، ارتقى شهيدا بعد أن طلب العدو الإسرائيلي من السلطات البلغارية تسليمه اليها، فرفض النايف وأصر على أن يبقى حرا طليقا ولكن رصاصة الغدر كانت الأقرب إلى روحه فسرقتها.

عمر نايف زايد، أسير فلسطيني محرر، حرر نفسه بنفسه من قيود العدو بعد عمرٍ من الاعتقال، عقب تنفيذه عملية قتل مستوطن عام 1986، برفقه شقيقه حمزة ورفيق دربهم سامر محروم، فحكمت محكمة العدو على ثلاثتهم بالسجن مدى الحياة ليقضي "عمر" أربعة أعوام في الأسر ويعد خطة للهروب وينجح في ذلك ليطوف مطاردا عدة دول عربية قبل أن يستقر به المقام عام 1994 في العاصمة البلغارية صوفيا.

في نهاية العام 2015 طالب العدو بتسليمه، فلم يجد سبيلا لنفسه يحميها من الاعتقال مجددا سوى سفارة بلاده معتقدا أنها ستكون الدرع الحامي له، كما حدث مع الأسترالي جون أسانج مؤسس موقع "ويكيليكس" حيث لجأ الى سفارة الايكوادور منذ العام 2012 ليقدم طلبا للجوء السياسي ولايزال في حمى السفارة إلى هذه اللحظة، فواجهت الايكوادور حينها بريطانيا واعتبرت تهديد الأخيرة باقتحام السفارة واعتقال اسانج بالاعتداء على سيادتها ومخالفة للقانون الدولي، ولكن على ما يبدو أن عمر النايف ليس جون اسانج وأن السفارة الفلسطينية ليست سفارة الايكوادور لتحميه في كنفها.

فمنذ دخوله حرم السفارة الفلسطينية في شهر كانون أول من العام 2015، بدأت الضغوطات على عمر من طاقم السفارة العامل في بلغاريا وبأوامر مباشرة من السلطة الفلسطينية في رام الله، بمحاولات لاخراجه من السفارة، فكانت أولى الكلمات التي وقعت على سمع الشهيد من السفير الفلسطيني "إن الموساد يملك مفاتيح السفارة ويستطيع الوصول اليك"

في هذه الأيام يكون قد مر عام كامل على الغياب، تكاثرت فيه الأحداث والتصريحات المدافعة والمهاجمة، شكلت لجان تحقيق ولكن دون تحقيق أو نتيجة، لجان فلسطينية مهمتها التنزه بصحبة السفير، وأخرى بلغارية وظيفتها تمرير القضية، ضغط العدو على السلطات البلغارية لإغلاق الملف واحتجاز جثمان الشهيد، فأغلق الملف ودفن الشهيد في شهر حزيران، أي بعد قرابة الأربعة شهور من استشهاده، ولكن إردة الحق هي اليد الطولى، فبنضال عائلة الشهيد تم إعادة فتح ملف التحقيق من قبل المحكمة البلغارية العليا.

عام انقضى، المجرمون طليقون، والحقيقة مغيبة عن الواقع، ودون أي فعل حقيقي يذكر لكشفها لجمهور شعبنا الذي لم يكف طوال العام عن المطالبة في الكشف عن الحقيقة ومحاسبة الجناة، ولكن أصواتهم -أعني أبناء شعبنا- ذهبت أدراج الرياح في ظل سيطرة المتنفذين على القرارات وتطويع السلطة فيما يحقق مصالحهم ومكاسبهم، ضاربين بعرض الحائط مصالح شعبنا الذي لولا وجوده لما استطاعوا التسلق على مقاومته وانجازاته للوصول الى مناصبهم.

رحل عمر وأخذ معه الحقيقة إلى العالم الآخر، رحل عنا وترك لنا الحقيقة المرة أننا وحيدون بلا قيادة فلسطينية حقيقية قادرة على حمايتنا من كل الأخطار المحدقة حولنا، وتنظر بعيون الحقد إلى قضيتنا المركزية تريد تصفيتها طمعا في المزيد من الانبطاح أمام العدو الإسرائيلي.

رحل عمر وترك لنا حكاية من الف ليلة وليلة نرويها للأجيال القادمة، في كل ليلة قصة مختلفة عما سبقها عن رجل يهزم دولة، صديق يصبح عدوا، منافقون باسم الوطنية، قتلة من شعبي، اختر العنوان الذي يناسبك لتقرأه اليوم، ففي سيرة هذه البطل تجد كل العناوين.

يوم رحيل عمر النايف يجب أن لا يكون يوما عاديا كباقي أيام السنة، يجب أن يكون يوما لاسترداد كرامة شعبنا أجمع، فكل فلسطيني صادق وحر في كل مكان أصبح مهددا بالغياب القسري في ظل الصمت المطبق على أصحاب القرار، فبعد اغتيال الشهيد عمر قام العدو باغتيال محمد الزواري تونسي الهوية، فلسطيني الهوى ومن قبلهم قام باغتيال ناجي العلي.

يجب التحرك في كل الاتجاهات لنسترد جزءا يسيرا من حقنا في معرفة الحقيقة الكاملة غير المنقوصة، ومحاسبة الفاعلين، من خطط ونفذ وتواطئ وتآمر، فقضية عمر ليست قضية عائلته وحدها، ولا قضية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التنظيم الذي انتمى اليه منذ نعومة أظفاره، هي قضية الكل الفلسطيني على اختلاف ألوانهم وأطيافهم وانتمائاتهم، فالعدو لا يرى في الفلسطيني تنظيمه وإنما يصنف الفلسطيني على أنه عدو له.