شبكة قدس الإخبارية

أسامة زيدات.. أحلام تحطمت وأخرى مهددة

ديالا الريماوي

الخليل- خاص قُدس الإخبارية: ما زالت ذاكرته تعيده إلى تلك اللحظة التي كان فيها بين الحياة والموت، ملقى على الأرض مضرجا بدمائه ويصرخ من شدة ألمه، فالرصاصات التي اخترقت صدره وساقه اليمنى جعلته يخوض أقسى تجربة عاشها في طفولته، ستبقى تذكِّره بها تلك الندبة على صدره.

لم يكن أسامة يعلم أن خروجه من منزله في بني نعيم شرق الخليل للتجول في المنطقة قد يكلفه حياته، ففي صباح يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر سبتمبر الماضي، توجه أسامة زيدات (14 عاما) إلى منطقة حرجية ليلعب كرة القدم في يوم عطلته، لكنّ وجوده في تلك المنطقة كان بمثابة صيد ثمين لجنود الاحتلال الذين استفردوا به.

في صدره وساقه اليمنى أصيب أسامة برصاص جنود الاحتلال الذين تركوه ينزف ونطق بالشهادتين، وبقي يتململ من شدة الألم، وتقدم نحوه أحد الجنود وأخذ يحقق معه موجها له تهمة محاولة تنفيذ عملية طعن رغم المسافة البعيدة بينه وبين مكان تجمع الجنود، سائلا إياه "ما اسمك، وماذا تفعل هنا؟" لكن أسامة لم يستطع الإجابة من شدة الألم.

أثناء التحقيق معه والذي استمر لبضعة دقائق بعد إصابته، قام أحد الجنود بوضع قدمه على يد أسامة والضغط عليها، بعدها سمحت قوات الاحتلال بنقل زيدات بواسطة سيارة إسعاف، وفور وصوله مستشفى "شعاري تسيدك" خضع لعمليتن جراحيتين في صدره وساقه اليمنى ليتجاوز مرحلة الخطر.

أما عائلة أسامة التي قرأت خبر إصابة طفل من بني نعيم برصاص الاحتلال عبر موقع "فيسبوك"، شاهدت صورة للمصاب لكن الوجه كان مضللا، إلا أنها تعرفت عليه من ملابسه وكانت بعض الصفحات تتداول خبر استشهاده، ليتلقى والده اتصالا من مخابرات الاحتلال وطلبوا منه التوجه لمركز تحقيق، وهناك عرضوا عليه صورة لأسامة وسألوه "هل هذا ابنك، هل تواجهون مشاكل عائلية"، زاعمين أنه حاول تنفيذ عملية.

تقول والدته: "خبر إصابته شكل صدمة لنا، فأسامة طفل بريء وهو من الأوائل في صفه ولا يعاني من أية مشاكل"، مضيفة أن العائلة لم تتلق أي معلومة حول وضعه الصحي لمدة ثلاثة أيام".

آلام الجسد والروح

بقي أسامة في المستشفى مدة 21 يوما، وخلالها كان مقيدا في إحدى يديه وقدمه ويخضع لحراسة مشددة، وفي اليوم العاشر تم التحقيق مع أسامة لمدة ساعتين استخدم المحقق فيها أسلوب الصراخ والشتم كوسيلة لإجباره على الاعتراف قائلا له: "انت كذّاب، مخرب اعترف"، لكن أسامة أنكر ذلك، كما أنه لا يذكر كل تفاصيل التحقيق نظرا لتأثير البنج عليه.

في أحد الأيام ومن شدة الألم، كان أسامة يردد الدعاء على سريره وهو ما أثار غضب أحد الحراس وأمره بالسكوت، لكن أسامة ردّ عليه "ما بدي أسكت"، ليقوم الحارس برفع ساقه المصابة بقوة ومن ثم ضربها بالسرير، ورغم إعلام الأطباء بما حدث معه إلا أنهم اكتفوا فقط بالحديث مع الحارس.

نُقل أسامة بعد ذلك إلى سجن الرملة، على الرغم أنه لم يتماثل للشفاء التام وبحاجة لرعاية صحية لا تتوفر في "الرملة"، وعند وصوله هناك كانت الصاعقة بالنسبة له، فرؤية أسرى مبتوري الأطراف، وعلى كرسي متحرك، يحملون أكياس البول والبراز جعله يظن أنه في مستشفى للأمراض العقلية.

على باب قسم "4" في سجن الرملة، بدأ الصراخ رافضا الدخول، فهو لم يكن يتخيل يوما أن في السجن يوجد أسرى مرضى وحالاتهم صعبة، وطلب إعادته للمشفى قائلا: "لست مجنونا، أعيدوني"، لكن أحد السجانين أخبره أنه في السجن، إلا أنه لم يصدقه.

بعد مجيء الأسير راتب حريبات ممثل الأسرى في الرملة، عرّف عن نفسه وهدّأ من روع أسامة قائلا له: "أهلا بك، هذا سجن ونحن جميعا أسرى"، ليستقبله الأسرى بعد ذلك بحفاوة.

يقول أسامة لـ"قدس الإخبارية": "قضيت أربعة أشهر في سجن الرملة وكنت كالميت، 24 ساعة اتألم لم أعرف معنى النوم، وكان العلاج الوحيد الذي تسمح إدارة السجن لمشفى الرملة بتزويدنا به هو حبة مسكن، كان الأسرى يساعدونني في الحركة، لا أحد يعلم ما مررت به لكن الحمد لله على كل شيء".

يضيف أسامة عندما كنت أتألم وأرى ما يعانيه غيري من الأسرى أقول: "من الممكن أن أتعالج وأستعيد صحتي، لكن ما مصير هؤلاء الأسرى المشلولين أو من يعانون مرض السرطان ولا يتلقون العلاج المناسب وترفض حكومة الاحتلال الإفراج عنهم".

خضع أسامة لما يقارب عشر محاكم، والتهمة الموجهة له محاولة التسبب بالقتل العمد، وكان القاضي قد طلب له السجن لمدة عام ونصف إلا أنها لم يصدر حكم بعد في قضيته، لكن المحكمة وافقت الإفراج عنه بشرط دفع كفالة مالية قدرها 25 ألف شيقل.

ويوم الاثنين القادم من المقرر أن تعقد جلسة محكمة لأسامة، إذ قبل الإفراج عنه أجبرت المحكمة والده التوقيع على تعهد يقضي بإحضار أسامة للمحكمة وفي حال لم يحضر، سيدفع والده غرامة بقيمة 25 ألف شيقل.

رسالة من الأسرى

خضع أسامة لعملية جراحية ثالثة قبل نحو أسبوعين لزراعة البلاتين في ساقه اليمنى، وكان يفترض أن يخضع لعملية أخرى إلا أنه تم الإفراج عنه، إذ أنه سيستكمل علاجه في الفترة الحالية.

تجربة أسامة القاسية أثرت عليه بشكل كبير، فهو غير قادر على نسيان صورة الأسرى المرضى وأصوات أنينهم ليلا، وناشد جميع الفصائل بالتوحد والسعي للإفراج عن جميع الأسرى المرضى في سجن الرملة في مدة أقصاها عام.

قبل الإفراج عنه، طلب الأسرى من الطفل أسامة أن ينقل رسالتهم لنا قائلين: "لا تتركونا نموت على فراش السجن، فمن يريد أن يرى الوجع فليأتي على سجن الرملة، وسوف يرى الموت بكامل عدته وجهوزيته يحيط بنا".

أحلام بريئة

يكشف أسامة عن حلم كان يراوده في منامه كل يوم داخل سجن الرملة الاحتلالي، ويقول: "كنت في كل ليلة أحلم بأمي، كنت أحلم بتناول خبزها وأن آكل من زغاليلها".

كما ويكشف أسامة عن حلمه المستقبلي وهو أن يصبح لاعب كرة قدم مشهورا، وأن يلتحق بصفوف المنتخب الوطني، غير أنه يخشى أن تمنعه إصابته من تحقيق حلمه.