القدس المحتلة- خاص قُدس الإخبارية: بدا فجر الخامس والعشرين من أيلول لعام 2015 لدى عائلة دويات في صور باهر بالقدس المحتلة طبيعيا كأي يوم غيره، حتى بدأت سيارات شرطة ومخابرات الاحتلال تتجمع وتتقدم نحو منزل العائلة، وما هي إلا دقائق حتى اقتحم العشرات من جنود الاحتلال أحد منازل العائلة، وعندما لم يجدوا هنالك ما يريدون، اقتحموا بيت الأسير عبد الرحمن دويات (19 عاماً).
حاولت والدة عبد الرحمن التقدم وفتح الباب الذي كاد أن يخلع من شدة ضرباتهم، ولكن فوهة بندقية أحد الجنود سبقتها ودخلت من شباك المنزل موجهة لرأسها، وما أن فتحت الباب حتى اقتحم أكثر من 30 جنديا البيت وأمسكوا بنجلها وحيدها من الذكور وآخر عنقود العائلة "عبد".
بهمجية خلعوا ملابسه وعصبوا عينيه بها، وبدأوا يضربونه وسط رعب أمه وأخته اللتين كانتا تشاهدان ذلك دون أية قدرة على التدخل، ليسحبهن جنود الاحتلال بعدها إلى داخل إحدى الغرف ويحتجزهن فيها لأكثر من ساعة كاملة لم يدرين فيها ما حصل مع عبد الذي لم يعرفن أنهن لن يرونه مرة أخرى إلا في المحاكم ووراء زجاج السجن.
بعد مرور ساعة على اقتحام الحي والبيت، تم نقل عبد إلى مركز المسكوبية للتحقيق، وسرعان ما اكتشفت عائلته أنه متهم بقتل مستوطن إثر رشق سيارته بالحجارة، حيث أدت لفقدانه السيطرة على السيارة واصطدامه بعامود كهرباء بتاريخ الثالث عشر من أيلول من نفس العام، وهي ليلة رأس السنة العبرية.
إجراءات ضدّه
"ابني ولا مرة اعتقلوه أو تمشكل معهم وما كان عارف كيف يتصرف"، تقول أم عبد وهي تشرح لنا عن التحقيق المطول الذي خضع له ابنها، وعن "غرفة العصافير" التي وضعوه فيها، ليوقع أخيراً على ورقة بيضاء مقابل أن يعيدوه لبيته كما قيل له.
بعد ستة أشهر من اعتقاله، وعقد العديد من المحاكم له وفي الحادي عشر من شهر نيسان تحديداً، فوجئت أمه خلال ذهابها لإحدى هذه المحاكم الطويلة، بخبر اقتحام جنود الاحتلال مرة أخرى للبيت وإغلاقه، فآثرت أن تكمل الذهاب للمحكمة بدل الرجوع، وحاولت وبكل طاقتها أن تخفي الخبر عن ابنها خلال المحكمة كي لا تزيد همه أكثر، ولم يكتفِ الاحتلال بهذا، بل سحب إقامة عبد من القدس، في إجراء انتقامي من قبل داخلية الاحتلال.
يوم الأحد 22 كانون الثاني، صدر الحكم بحقّ عبد، بعد أكثر من عام وأربعة أشهر، بالسجن الفعلي لمدة 18 عاما، وفرض غرامة مالية قدرها 100 ألف شيقل، كما منعت عائلته من الحديث معه أو حتى تصويره خلال جلسة النطق بالحكم وهددتها من منعها لهم حضور المحكمة نهائياً.
الحنون آخر العنقود
بلغ عامه العشرين داخل سجون الاحتلال، كان روح أمه الأرملة وأخواته الثلاثة، وبعد أن اضطرت عائلته لاستئجار منزل صغير في صورباهر ليأويها، فقدت بعد عبد كل ذكرياتها التي عاشتها معه في منزلهم الذي أغلقه الاحتلال.
"طول ما أنا هون بحس إنه مش بيتي وإني رح أرجع عبيتي الحقيقي، هادا البيت ما بعنيلي اشي لأنه عبد ما دخله ولا عاش فيه، ولا تركلنا فيه ذكريات"، تقول أم عبد.
تحاول أم عبد اليوم أن تسجل ابنها في الجامعة ليكمل تعليمه بعد أن نجح في امتحان الثانوية العامة داخل السجن. تقول: "لما أسأله كيف بتقضي وقتك بالسجن بحكيلي بجلي يما وبغسل"، بينما تغالب ابتسامتها الدموع وهي تتذكر قوله: "ما تجيبلي مرة تانية جرابين بيض يما لأنهم بغلبوني بالغسيل".
"كان كتير حنون وكتوم، ما كان يحكي اشي بس لما حدا يطلب منه إشي كان يجيبله ياه بأي طريقة"، تصف لنا أم عبد ابنها الذي خطفته السجون منها وسيبقى فيها لـ18 عاماً آخرين، وأكثر ما يحزنها حسب ما تقول أنه لم يبدأ التفكير بمستقبله بعد حتى أنهى الاحتلال ذلك بهذا الحكم العالي الذي حكمت المحكمة عليه به.
الوحيد بين أخوات ثلاث، وكان حسبما تصفه أمّه مصدر الدعابة والمرح في حياتهن. تصف الأمّ أحد المواقف الساخرة التي كانت له مع أخواته، فتقول إنه كان يمازح دوماً أخته أماني، والتي تخرجت حديثاً من الجامعة الأمريكية في جنين كلما جاءت في زيارة نهاية الأسبوع من جامعتها كان يبادرها بالقول "الزيارة 3 أيام، يلا ارجعي ع جنين"، اليوم، أنهت أماني تخصص طب الأسنان، وعادت للسكن بشكل دائم مع عائلتها، وبدأت بالعمل، بينما غاب عنها مزاح عبد وملاطفته.
من المقرر أن يقضي عبد دويات محكوميته في سجن نفحة الصحراوي في النقب، بينما ستقضي أمه وأخواته وعائلته هذه المدة الطويلة في شوقٍ لوجوده بينهم و لكلماته ومداعباته لهم.
عبد لم يكن الوحيد الذي اعتقلته قوات الاحتلال على خلفية نفس الحادثة التي قتل فيها المستوطن الإسرائيلي قبل عام ونصف، إذ اعتقلت أيضاً الشاب محمد الطويل الذي حكمت عليه مؤخراً بالسجن لمدة 9 سنوات مع غرامة قدرها 10 آلاف شيكل، وعلي صبرة الذي يعيش اليوم في الحبس المنزلي خارج صور باهر حتى صدور الحكم بحقّه، وأخيراً الشابين محمد أبو كف ووليد الأطرش اللذين ستعقد لهما محكمة نهائية للنطق بالحكم في الأول من شباط المقبل.