قد تبدو بعض المشاهد "البطولية" التي يتم تسويقها لبعض أجهزة الأمن الفلسطينية في بعض وسائل الإعلام مقنعة للوهلة الأولى، لكنها سريعاً ما تفقد أي تجاوبٍ معها لأنه يتم موضعتها بشكل سريع في إطار تاريخ عدم الثقة في العلاقة ما بين أجهزة الأمن من جهة والإعلام والمواطن من جهة ثانية.
وأساس هذا الخلل العلاقاتي، هو أن أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية لها يدٌ طولى على المواطن وعلى المؤسسات العامة والخاصة والمؤسسات غير الحكومية وعلى المؤسسات الإعلامية في ظل انقسام عمق من بسط هذه السيطرة، وغياب لمجلس تشريعي يُراقب ويُسائل فأطلق نفوذُها.
مع ذلك، ليس بخافٍ تلك المحاولات التي تقوم بها أجهزة الأمن لتجميل صورتها وفق قاعدة "أنا لا أكذب وإنما أتجمل"، مرة من خلال لقطات "فيديو" للإعلام، ومرة من خلال استقطاب إعلاميين لنقل رواية ما، ومرة من خلال القيام بأدوار في مجال المسؤولية الاجتماعية تصبحُ أثراً بعد عين.
لكن وإن أردنا أن ننظرُ إلى النصف الملآن من الكأس، وأن نبني على المحاولات العشوائية التي يراد منها الوصول إلى المواطن، فإنه بالإمكان أن ننصح بالآتي:
1- إعادة النظر في التعاطي مع الإعلام؛ فالإعلام ليس عدواً لأجهزة الأمن، ولا يجب النظر إلى تلك العلاقة على أساس الصراع، فعمل الاعلام يهدف فقط إلى تسليط الضوء على مكامن الخلل في عمل الأجهزة الأمنية بهدف التصويب والإصلاح، منطلقاً من قاعدة الشراكة المجتمعية، فالإعلام جزء من تركيبة المجتمع تماما كما أجهزة الأمن هي كذلك، فهما شريكان في بناء الوطن والحفاظ عليه. لذلك، يجب أن ينظر له كمساهم وفاعل في عملية تطوير القطاع الأمني، وأن الأدوار بين الأمن والإعلام أدوارٌ متكاملة وليست متناحرة، كما يريد البعض تصويرها.
2. التعامل بذكاء مع ذكاء المواطن والإعلامي، فلم تعد فبركة الحقائق، والرسائل النمطية القديمة، وأسلوب تجنيد الأشخاص للحديث باسم أجهزة الامن تجدي نفعاً، العالم أصبح أصغر من أن تقتصر أخباره على روايةٍ واحدة، لكلٌ روايته، والأنجح من يمتلك القدرة على إيصال المعلومة الصحيحة بطريقته التي يريد.
3. أهمية توفير المعلومات بشكل ممنهج وسريع، لأن الأمر يسهل جسور التعاون والتواصل، فتدفق المعلومات هو حلقةُ أساسية في بناء علاقة صحية إيجابية بين الأمن والاعلام والمواطن. وهنا يجدر التنويه إلى تلك التجربة الناجحة التي أطلقها جهاز الشرطة الفلسطينية، بتعيينه ناطقاً إعلامياً يتواصل مع الإعلام بشكل سريع، ومهني، وله برنامج إذاعي على إحدى الإذاعات المحلية، يرد فيه على أسئلة واستفسارات المواطنين بشكل مباشر، ما خلق قاعدة لا بأس بها وبالإمكان البناء عليها من قبل أجهزة الأمن الأخرى. 4. تنظيم لقاءات دورية مع الإعلاميين، يساهم في كسر حدة الجفاء بينهم وبين أجهزة الأمن.
5. المبادرة في نشر التقارير والإحصائيات المتعلقة بعمل وأنشطة أجهزة الأمن، ودوام استمرارية النشر والتعميم حتى خلق حالة تراكمية غير مبنية على ردود الفعل والأنشطة العشوائية.
6. مواكبة التطور التكنولوجي السريع، الذي حول كل انسان إلى صحفي، ما يعني ضرورة تفعيل صفحات أجهزة الأمن على الفيسبوك، وعلى السنابشات، وتويتر، والواتسآب، والأخير نجح جهاز الشرطة في تفعيله من خلال ضم كل الصحفيين العاملين في الوطن ضمن مجموعة واحدة نتشارك فيها الصورة والمعلومة وكل المستجدات، فحولنا جهاز الشرطة بطريقة سهلة إلى ناطقين باسمه دون أن ندري. 7. أما النصيحة الأهم، فهي أن تلتزم أجهزة الأمن بدورها المنصوص عليه في القانون وتحديداً في المادة (84) من القانون الأساسي والمتمثل في الدفاع عن الوطن وحمايته واحترام الحقوق والحريات، فكلما كان هنالك التزام أكبر بالقانون، واحترام اكبر للحقوق والحريات كلما زادت الثقة بأجهزة الأمن.