غزّة- خاص قُدس الإخبارية: "أنت مريض وربما تصيبنا بعدوى المرض مثلك" كلمات قالها مدير أحد المطاعم بغزة للشاب الثلاثيني توفيق النجار، بعد علمه أنه مريض بالكبد الوبائي، فبمجرد وجوده في المكان يشكل خطراً عليه وعلى مطعمه.
بعد سماعه لتلك الكلمات، غادر توفيق مكان عمله وتوجّه لمنزله المكون من غرفة واحدة فقط، جلس يبكي بجانب زوجته وأطفاله الثلاثة الذين ولدوا لحياة مليئة بالمرض أيضًا، حيث أصبح السعي لعلاجهم هو أسمى أمانيه.
توفيق عمر النجار مصاب بمرض الكبد الوبائي من نوع (B)، وهو ما يظهر جليًا على مظهره وجسده، كاصفرار العينين وانتفاخ أطرافه وخذلان أعصاب وعظام جسده، وجميعها تقف حاجزاً أمامه في مواصلة السعي وراء جلب المال.
وفي زيارة لمسكن العائلة، بدأ توفيق يعرّف بأفراد عائلته حيث يقول "أنا مريض بالكبد، زوجتي هيا أيضاً مريضة بالثلاسيميا، وأطفالي ثلاثة نادين وعمر يعانون الصم والبكم، وكريم يعاني الثلاسيميا كوالدته، جميعهم لا يتعدون الخمس أعوام".
وفي غرفة صغيرة تشكل منزلاً كاملاً بالنسبة لهم، يخلو من المأكل والمشرب ومن أهم مقومات الحياة، لا عتاب هناك، فالجميع مريضٌ فيها، أخذ الزوج يبين خطر مرضه.
يقول توفيق، "بعد أن أصبت بذلك المرض، ذهبت للعلاج، لكنه زاد من معاناتي في الحياة، حقنة كل يوم أربعاء خلال الأسبوع هو علاجي، وبعد الحقنة، أنام في فراشي لثلاثة أيام عاجزًا عن الحركة بسببها"، وبذلك يتبقى له أربعة أيام لإنهاء أسبوعه، مضيفًا "أذهب في أيام نشاطي أبحث عن عمل، لكن فور علمهم بمرضي الجميع يطردني".
نتحسس وجعهما
الجلوس داخل منزله الصغير يمثل هاجسًا بالنسبة له، ولزوجته الشابّة، التي شاءت الحياة أن تزوجها لمريض فقير، على حد قوله، أو الجلوس أمام أطفاله الذين لا يسمعون شكوى والدهم المستمرة لأمهم المريضة، مما يزيده ألمًا رغم مرضه.
أرادت الزوجة أن تقول شيئاً، وبصوت ضعيف قالت الزوجة لمراسل "قدس الإخبارية" "أريد أن أخرج كل ما لدي لك"، وهي تجمع كل ما تبقى من حروف اللغة لتشرح معاناتها الصعبة جرّاء ما يمرون به من مرض وفقر لها ولزوجها ولأطفالها الذين حملوا الهمّ باكرًا.
بأسىً، قالت، "مرض فقر الدم، بالنسبة لأمراض أخرين هو ضعف الاهتمام بالغذاء، أما نحن فلا فطور ولا غداء ولا عشاء، زوجي غير قادر على إعالتنا، وهو ما يزيد مرضي مع طفلي الذي يعاني نفس المرض "الثلاسيميا".
لم تكتفِ الزوجة بذلك، فاضت عيناها بالبكاء وأكملت "جميع الأطفال عندما يمرضون يقولون لوالديهما ما يعانونه، أما طفليّ اللذان يعانيان الصم والبكم، نجلس بجانبهم طوال الليل نتحسس ما الذي يشعرون به لكن دون فائدة".
صم ٌ وبكمٌ
لا يمل الزوج من السعي وراء جلب القليل من المال، فالنوم دون عشاء لا يهم بالنسبة لهم، الأهم من ذلك العمل لأجل شراء جهاز السمع لطفليه، فنادين وعمر كلاهما لا يسمع ولا يتكلم.
يقول المريض توفيق، "تحتاج طفلتي لمبلغ 1800 شيكل لشراء جهاز السمع لها، أعجز عن توفير المال للمأكل فكيف لي أن أجلب لها جهاز السمع بتلك التكلفة".
سماع كلمة (بابا) هي أمنيته الوحيدة قبل وفاته، وهو ما دفعه لزيارة العديد من المراكز والجمعيات الإنسانية، لكن دون جدوى، يقول توفيق "رفض الجميع".
أما زوجته هيا فسلكت طريق التفوق التي عهدته خلال سنوات دراستها، تركت زوجها يبحث عن المال وجلست بجانب طفلتها الأولى تعلمها الإشارات الخاصة بها، قائلة "تمنيت إكمال دراستي الجامعية، لكن أصبحت في غرفة تمثل جامعة بالنسبة لي، فتعلم إشارات الصم، يحتاج لدراسة ووعي".
"وما زاد الطين بلة" هو ولادة الطفل الآخر كأخته نادين أصم وأبكم، فسارعت لتعزيز دراستها المنزلية للإشارات حتى تتغلب على مصاريف الجمعية التي ينتسب لها الطفلين.
زاد المال المطلوب للسماعات للضعف لكلا الطفلين، وهو ما زاد معاناة الزوج، فمرض جميع من في المنزل لم يكن الوحيد مما يوجه الأنظار لهم، فللمنزل أيضاً قصةٌ أخرى.
مأوى متهالك
غرفة واحدة سقفها من "الزينقو"، لا كهرباء ولا خطوط ماء به، وفصل الشتاء على الأبواب، وهو ما يعتبر بالنسبة للعائلة المريضة "فصل التشريد" لانتقالهم من منزل لآخر.
"في الشتاء نذهب لبيت أهلي هروبًا من المطر، لكن أهلي أيضاً غير قادرين على إعالتنا فيخرجونا من ديارهم، وأهل زوجي أيضًا كذلك" تلك الكلمات قالتها الزوجة عن فصل الشتاء واستعداداته.
مسجد بالجوار كان له كلمته، فتبرع لهم بسقف المنزل، يقول توفيق، "المطر يغرق غرفتنا، لكن في الأيام القليلة الماضية، ساعدنا أفراد المسجد الذي بجوارنا وأصلحوا السقف".
يتابع "أطفالي لا يأكلون سوى المواد المعلبة، أحرمهم من العديد من الاكل كي أوفر المال لإصلاح سقف الغرفة، وبالقليل من المال أصلح أفراد المسجد سقف غرفتهم، لكنهم عجزوا بالطبع عن إصلاح منزل لا يخلو من المرض".