الخليل – خاص قدس الإخبارية: يصفق عدي فيدور الحمام فوقه دورتين ثم يهبط في فناء مسيّج مفتوح السقف، بمساحة لا تتعدى عشرين مترًا، ذات فتحة صغيرة صممت بابًا للدخول والخروج.
على بعد أمتار قليلة يواصل عدي عمله المفضل مع طيور الحمام، ليس بعيدًا عن الأراجيح البسيطة الفارغة من الأطفال إلا أمتارًا قليلة، أراجيح تستقبلك فور وصلك قرية سوسيا، إحدى مسافر مدينة يطا جنوبي محافظة الخليل، حيث يصمد هنا في بيوت الزينكو والشعر ما يقارب ٤٠٠ فلسطيني.
في ساعات العصر يبدأ عدي نواجعة (١٥ عاما) بتنفيذ إحدى مهامه اليومية، فيتفقد البيض بعناية ولطف، يزيل التالف منها ويحتفظ بالجيد، ثم يفتح قفص طيور "الفر" يضع الحبوب، ويخرج أحدها ليلعب بها محاولا تدريبها على الطيران.
"نربي حمام ودجاج وبط وفر، كما نقوم بتربية الأغنام، ونربي النحل لنبيع العسل" يعدد عدي مفتخرًا المهام التي يقوم بها، بعد أن توقف عن الذهاب إلى المدرسة البعيدة، متلاشيا اعتداءات المستوطنين وملاحقات جيش الاحتلال المستمرة.
على بعد أمتار قليلة من الفناء الذي يتوسطه بركة ماء ويتواجد به الحمام، يتربع عدد من صناديق النحل البيضاء، يشير إليها عدي، " أكثر شيء أحبه تربية النحل، وقطف العسل".
عدي ورث تربية الحمام عن والده الذي ألقى عليه هذه المسؤولية، "نربي الحمام لنبيعه للناس، لأحضر بالمال خضار وحاجيات للبيت وأحيانا نشتري أنواعا جديدة من الحمام بالمال الذي نكسبه لنوسع مشروعنا".
"جلاي، بلدي، هزاز، رومي، بربريسي"، هي بعض من أنواع الحمام التي يقتنيها عدي، إلا أنه يفضل "الجلاي" الذي يسحره بحركاته البهلوانية بالهواء، "يحمل على قدميه ريش كأنه جرابين، وعندما يطير بالهواء يتقلب ويدور حول نفسه" يقول عدي.
يتباهى عدى بخبرته بالحمام وأنواعه، كما يحب أن يستعرض خبرته أمام كل من يزور سوسيا، "الهزاز له ذنب مفتوح، فيما البربريسي يمتاز بمنقاره القصير، أما حمام الستراس فيمتاز بتحريك رقبته".
ويبين عدي أنه عندما يصفق فالحمام يهبط حوله ، فيما بعض أنواع الحمام عندما يسمع صفقته يبدأ باستعراض حركاته في الهواء، "أكثر ما يزعجني عندما يذهب حمامي ولا يعود، حيث يصطاده البعض ويسرقه، هذا يقهرني جدا فأنا من ربى هذا الحمام واعتنى به".
سياج الفناء لا يتعدى ارتفاعه المتر الواحد، وبذلك لا يعد حماية له من السرقة أو من فتك الحيوانات الجارحة، إلا أن ذلك يحميه على الأقل من آليات الاحتلال، "أي سياج ارتفاعه يزيد عن متر، يأتي جيش الاحتلال ويهدمه"، يقول عدي، مبينا أن آليات الاحتلال فعلت ذلك عدة مرات خلال علميات الهدم التي كانت تطال بيوت القرية التي يسعى الاحتلال لهدمها وتهجير أهلها.
ويروي أن المستوطنين الذين يقتحمون المنطقة باستمرار، يدخلون إلى فناء الحمام ويسرقون طيور الفر والحمام، ويكسرون البيض.
عدي الذي لم يعد يرتاد المدرسة، يتفرغ الآن لتربية الحيوانات ومساعدة عائلته لتعزيز صمودها في القرية، "تركت المدرسة بسبب جيش الاحتلال، كان يلاحقنا دائما ويشغل أصوات مخيفة وينادي علينا ويهددنا بالاعتقال".
ولا ينسى عدي كيف قام أحد جنود الاحتلال بسحب بارودته استعدادا لإطلاق النار عليه، كما لا ينسى كيف اعتقلته شرطة الاحتلال، "كنت أجمع بنبتة العكوب لأبيعها، فاعتقلتني الشرطة بحجة أن المنطقة محمية طبيعية لا يجوز قطف النباتات منها".
إلا أن عدي تعلم درسا فيما بعد كيف يجمع العكوب ويفلت من قبضة جيش الاحتلال، "عندما أجمع العكوب أضع الحشائش على وجه الكيس، وعندما تفتشه الشرطة ترمي الحشائش ويبقى العكوب كما هو في قاع الكيس".
حياة بدوية قاسية يعيشها عدي وأقرانه في مسافر مدينة يطا، حياة بدوية ليست عادية في ظل ملاحقة جيش الاحتلال المستمرة للأهالي وما تقوم به من هدم وتهجير واعتداءات يومية.
"تبقى الحياة هنا في الخيام أجمل بكثير من العيش في المدينة حيث السيارات والضجيج والفوضى والتلوث ... أنا سعيد بحياتي هنا ولن أترك سوسيا أبدا".