بيت لحم – خاص قدس الإخبارية: إلى غرفتها ركضت سناء تمسح دمعها، ما أن سمعت أصوات طفلاتها وقد عدن من المدرسة، فسناء تنكث مجددا وعدا قطعته لهن بأن لا تبكي على الأقل وهن لسن في البيت، يطبطبن على ظهرها كلما حزنت، ويتسابقن ليمسحن دمعها كلما انزلقت على خديها.
في العاشر من أيلول، دارت لمى موسى دورتين أمام المرآة متباهية أمام شقيقاتها بملابس العيد الجديدة، فيما جلست أمها سناء تتفقد سعادة طفلتها التي ستختفي من حولها فجأة قبل أن ترتدي مجددا هذه الملابس.
الساعة الثامنة مساء، خرجت لمى وشقيقها التوأم حلا (٦ سنوات) ليلعبن عند الجيران في بلدة الخضر جنوب بيت لحم، وما هي لحظات حتى علا البكاء والصراخ بالمكان، فمستوطن مسرع بمركبته دهس لمى عمدا.
"٢٠ مترا طارت لمى، ارتطمت بالآرمة ثم سقطت وارتطم رأسها بالسياج الحديد"، سالت دماء لمى على الشارع الذي سيبقى يحتفظ بها شاهدا على جريمة أحد المستوطنين الذي لن يلاحق، كما لن يحاسب على فعلته.
شارع ٦٠ الاستيطاني يقطع منزل لمى عن منزل صديقتها المجاور، شارع يستخدمه المستوطنون وجيش الاحتلال للوصول إلى الكتل الاستيطانية التي تحيط بلدة الخضر، "دهس لمى عمدا أثناء قطعها للشارع هو كان يراها جيدا وخاصة أن الإنارة قوية في الطريق .. هم دائما يخففون السرعة عندما يرون كلبا في الشارع، فهل معقول لم يرى لمى"، تقول والدة لمى.
آخر عنقود لمى وشقيقتها التوأم حلا، جئن قبل ست سنوات ليتممن فرحة الأسرة، "كانت تحب اللعب كثيرا، كثيرة الحركة والكلام كانت لمى تنطنط كثيرا وتضحك وترقص .. كانت تخلق لنا جوا من الفرحة في البيت".
في الثامن من حزيران ٢٠١٠، داهم ألم المخاض سناء بعد أن أكملت الشهر الثامن من حملها، لتخضع لعملية جراحية وتولد لمى وحلا اللتين جئن مستعجلات للحياة كما تصف والدتهن، "بقين في الحضانة ٢٠ يوما، ثم عدت بهن إلى البيت، تغلبت بطفولتهن بالبداية، ولكن كبرن وذهبتا إلى الروضة ثم المدرسة".
عام بعد عام وأصبحت سناء تستعيد راحتها وسعادتها وهي ترى طفلاتها التوأمين يكبرن بسلام حولها، "لمى بالأخص لم تكن تمرض، لا أذكر أني راجعت بها لطبيب يوما أو توجهت بها إلى المشفى .. صحيح كانت صغيرة الحجم إلا أنها كانت صحتها قوية جدا، وكان الأطباء يتفاجؤون بذلك كلما ذهبت لتناول التطعيمات".
"أين حصة لمى؟" تطلب حلا من جدتها كلما أحضرت لها شيئا، فلم تعتاد يوما أن تحصل على شيء دون شقيقتها التوأم، "أخاف أن أموت كما ماتت لمى" تقول اليوم حلا رافضة الذهاب إلى المدرسة دون شقيقتها الشهيدة التي رأتها تموت أمامها.
طوال اليوم تتحدث حلا لوالدتها عما كانت تفعله وشقيقتها لمى، "تستحلفني كلما حدثتني أن لا أبكي، وتقول لي إذا كنت تحبيني فلا تبكي"، تقول سناء، مشيرة إلى أن حلا تحلم كثيرا بشقيقتها الشهيدة وتستيقظ لتحدث والدتها عما رأته في أحلامها، "تقول لي إن لمى نامت جنبها الليلة، وجاءت وقد لعبن سويا".
قنوعة، عفيفة النفس كانت لمى، تسعد بكل ما تحضره لها والدتها، فإسعادها لم يكن صعبا كما شقيقاتها الأخريات، "عندما كانت شقيقتها حلا لا يعجبها مصروفها، كانت لمى تعطيها من مصروفها وتقول لها لا أريد أن اشتري شيئا اليوم".
رغم أن لمى لم تتعدى الأسبوعين في المدرسة، إلا أنها استطاعت مصاحبة زملائها في المدرسة وتكوين علاقات كثيرة، "كانت محبوبة جدا لكل أصدقائها الأطفال الذين كلهم تأثروا بغيابها وهو ما تحدثني به أمهاتهم".
كانت لمى تحضر لعرس عمها الذي اقترب موعده برقصة خاصة، كما كانت تدرب شقيقتها على تلك الرقصة، التي كانت تكشف عنها لجدتها "لا تمر علي ساعة إلا وأبكي عليها كلما تذكرت كيف كانت تتدرب على الرقص .. كانت تشغل الراديو وتبدأ ترقص كاللعبة"، تقول جدة لمى.
كانتا فرحة الجدة الكبرى مذ قدومهما، فلم تكتف يوما بملاعبتهما وتقبيلهما، تقول الجدة، "كنت أناديها لأقبلها فتهرب مني، وأبقى أقنع بها حتى أمسكها وأقبلها".
رغم سنواتها الستة إلا أن لمى كانت تسابق شقيقتها لتدلك ظهر جدتها كلما اشتكت من الألم، فحنونة كانت لمى على جدتها، تحبها وتعطف عليها، "اسم لمى لا يغيب عن لساني، كلما أردت أن أنادي على شقيقتها أردد اسمها، كما لا تغيب صورتها عن بالي ... فقدانها مصيبة لنا".