القدس المحتلة - قدس الإخبارية: الدمعات تسبق الكلمات عند الحديث عن أسد الأقصى عن فدائي فلسطيني وهب حياته للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والتصدي للمستوطنين الصهاينة فقد كان بمثابة الأخ الكبير للشباب الفلسطيني المرابط في الأقصى والدموع ليست حزنًا على ما أصابه ولكن ألمًا على فراقه.
مصباح أبو صبيح منفذ عملية القدس صباح اليوم مطلوبٌ لقوات الاحتلال وهو مبعد عن البلدة القديمة في القدس والمسجد الأقصى أرسل إليه الاحتلال أمر استدعاء من أجل تسليم نفسه فعاد إلى القدس فارسًا يتجول بسيارته حاملًا بندقيته ليهاجم مقرًا لقوات الاحتلال المدججين بالعتاد والسلاح ومجموعات من المستوطنين موزعًا عليهم عشرات الرصاصات أسفرت عن مقتل اثنين من الصهاينة وإصابة ٦ آخرين حتى استشهد بعد نفاد رصاصاته.
العملية كانت في واحدٍ من أكثر أماكن الاحتلال تأمينًا في القدس المحتلة واختراقًا نوعيًا للتحصينات الصهيونية في ظل ذروة الإجراءات الأمنية وكثرة العوائق التي تجاوزها مصباح بشجاعة وكذلك مصباح كانت تحت رقابة صهيونية شديدة خاصة نتيجة لدوره ونشاطه المعروف وكان الاحتلال يحذر منه باستمرار ورغم ذلك نجح في استغفال الاحتلال وتنفيذ العملية، وقد نفذ عمليته ببراعة منقطعة النظير حين كان يقود سيارته ويستدير باحترافية عالية ويطلق النيران على الجنود والمستوطنين الذين يهربون من أمامه متساقطين خلفه يفسحون له الطريق فهو صاحب الأرض وسيد الزمان والمكان، ليتجول بالرصاص أكثر من ربع ساعة ويصيبهم بدقة عالية كما لو كنا أمام مشهد متقن في فيلم تم إنتاجه في هوليود، عدا أن البطل هنا حقيقي والمعركة واقعية فهذه هي المشاهد التي يجب أن تروى وتتناقلها الأجيال وهؤلاء هم الأبطال بحق الذين لم يتخرجوا من مدارس عسكرية لكنهم أرفع الجنرالات العرب والمسلمين في عصرنا وإن كانوا لا يحملون أوسمة أو نياشين.
كان مصباح شديد التواضع خلوقًا أحبه كل من عرفه رحيمًا بإخوانه شديد البأس في مواجهة الصهاينة فلطالما انهال بالضرب على الجنود والمستوطنين الصهاينة الذين يدنسون المسجد الأقصى المبارك الأمر الذي تسبب في اعتقاله وتوقيفه أكثر من مرة، ولم تثنه العذابات التي عاشها عن حب الأقصى والتمسك فيه عقيدةً راسخة في صدره، وقد كان مسرى رسول الله حياة مصباح كان فرحه وكان حزنه وكان تفكيره وقلبه وعشقه الدائم لم نعرف شبابًا عشق الأقصى كعشق مصباح إلا ما ندر.
مصباح كان غيورًا كثير التألم على ما يجري للمرابطات في المسجد الأقصى وكان دائم الدفاع عنهن يحميهن مع المرابطين من المستوطنين وقد آلمه بشدة ما كان يشاهده من تعذيب وجراح يتعرض لها شعبه ومن ذلك موقف حصل أمامه داخل السجن حين هاجم الجنود الصهاينة طفلًا أمامه وضربوه بقسوة شديدة وهو ينظر مكبلًا يحبس ألمه في صدره وظل هذا الموقف حاضرًا في ذهنه مع مشاهد إهانة المرابطات وكلما تذكر هذه المواقف تحدث بكمدٍ وغيظ والدموع حراقةٌ تلمع في عينيه.
وقد تمنى مصباح الموت وهو يؤذن فما أجمل موتته اليوم وما أندى أذانه الذي كان نادى فيه لشد الرحال إلى الأقصى والجهاد فقد وصل صدى صوت كلماته ورصاصاته إلى أقاصي الدنيا ولم يبقَ أحد إلا وقرأ كلماته التي عبر فيها عن عشقه للمسجد الأقصى وأوصى خلالها بعدم تركه وحيدًا.
رحل حبيب القدس وحبيب كل من عرفه أو سمع به رحل وقد جعل من جسده جسرًا للأبطال من خلفه يعبرون فيه إلى التحرير رحل أبو العز تاركًا خلفه قصة تحمل كل معاني البطولة والعز.
أسرج مصباح مصابيح الأقصى من دمه والذي يُسرج من دمٍ لا ينطفئ كما قيل، سيبقى يضيء لنا الطريق بكلماته التي صدقتها الدماء وسيبقى منارةً شامخة شماء.