شبكة قدس الإخبارية

الشهداء يجددون المعارك

مجاهد العصا
 

بيت لحم - قدس الإخبارية: هي كرامة للشهيد، بأن يظل في الأذهان إلى الأبد، وأن يذكر اسمه، وتعلق صوره، ويكتب على الجدران، كي تعرفه الأجيال اللاحقة، وتحفظ قصته عن ظهر قلب، بأنه لم يقف خانعا في ظل تجبر المحتل وطغيانه، بل قال "لا" في وجه من قالوا "نعم"، ورسم طريق المجد لنفسه، ثم سار عليه.

اعتاد الفلسطينيون في كل ذكرى تاريخ رحيل لشهدائهم٬ أن يحيوها رغبة منهم في الحفاظ على قدسية الشهيد٬ وتاريخه المشرف٬ وإعلانا منهم للوفاء له٬ وتجديدا للبيعة٬ وأن تلك الذكرى مهما ابتعد فيها الزمان ستبقى عصية على النسيان.

على مدار مائة عام، والفلسطينيون يقدمون الشهيد تلو الشهيد، قوافل الشهداء مرت عبر كل هذه السنين، وخلال معارك وثورات وانتفاضات وحروب، نزف الفلسطينيون دماءً كثيرة في سبيل تحرير الأرض، ودحر المحتل القاتل.

لا يتوقف أهالي الشهداء عن ذكر من فارقوهم، وما يعتبر من أبجديات الوفاء لهم، بأن يحيوا ذكرى استشهادهم، وكأن الأعوام تعيد نفسها٬ فأسماء الشهداء وصورهم وضحكاتهم وقصصهم وبطولاتهم تعود لتحيا، ثم يرتقي بطل مرة أخرى، فالفلسطينيون يؤمنون بأن الشهداء لا يموتون أبدا وهم أحياء عند ربهم، وأحياء بين أهلهم وفي قراهم وبلداتهم ومدارسهم وجامعاتهم ايضا.

وفي هذه الأيام تمر علينا الذكرى السنوية الأولى لاندلاع انتفاضة القدس، التي بدأت مطلع اكتوبر/ تشرين الأول من العام 2015، إذ يتجهز أهالي الشهداء وأحزابهم، لإحياء ذكرى شهداء الانتفاضة.

لا تقتصر فعاليات إحياء ذكرى الشهداء، على من استشهدوا حديثا، فهناك من يحيون الذكرى بعد مرور سنين طويلة عليها، ففي بلدة العبيدية جنوبي مدينة القدس المحتلة أحيى الأهالي فيها قبل أيام الذكرى الستين لاستشهاد تسعة من ابطال البلدة، في "معركة حوسان" التي اندلعت عام 1956.

الأهالي تجمعوا في السادس والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول المنصرم٬ ودشنوا صرحا كتبت عليه أسماء الشهداء التسعة، في حين ألقيت كلمة باسم عوائل الشهداء على الحضور تجديدا للوفاء لهم.

وزين القائمون على الفعالية شوارع البلدة بالأعلام الفلسطينية، وعلقوا  اليافطات التي تحمل أسماء الشهداء عند مداخل البلدة ، فيما خط فنانون شعارات على جدران القرية، وكتبوا أسماء أبطال المعركة التسعة كي يحفظها الأطفال والأجيال القادمة.

والشهداء التسعة هم أحمد العصا، علي العيساوي، حمدان أبو سرحان، عودة أبو سرحان، موسى عوض، خليل الحساسنة، رجا الربايعة، محمد الحساسنة، وعوض الربايعة.

 كان الشهداء التسعة جنودا في الحرس الوطني الأردني، وفي ذلك الوقت حاول الاحتلال الإسرائيلي أن يحتل بلدة حوسان قضاء مدينة بيت لحم، فانقض الشبان التسعة بالإضافة إلى زملاء لهم من الجيش الأردني حاملين أسلحتهم وبنادقهم الإنجليزية (م1) ليتصدوا لهجمة الاحتلال، وليحولوا من سيطرته على أراضي البلدة.

يذكر أنه خلال المعركة التي وصفها القائد العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي "موشي ديّان" بأنها أشد المعارك بعد حرب 1948، استشهد 31 فدائيا، فيما قتل 100 جندي إسرائيلي.

المعركة البطولية، وكل ما حملته من مشاهد وتضحيات في سبيل دحر جنود الاحتلال وعدم قدرتهم على احتلال الأرض، عادت إلى أذهان كل من حضروا فعيالة إحياء ذكراهم، واستذكروها كأنها حدثت بالأمس، وحدثوا كل الحضور عن مجرياتها.

تتعدد الفعاليات التي من الممكن أن ينفذها أقارب وأصدقاء الشهداء، فكل له طريقته في الوفاء لهم، فالبعض يعمل على تجهيز فيلم يحكي قصة الأبطال الذين خاضوا معركة مع المحتل، وآخرون لديهم موهبة الكتابة الأدبية، يسطرون قصصا عن الشهداء، وكذلك تعقد ندوات وأمسيات يحكي فيها من عايشوا الشهداء عن سيرهم وذكرياتهم.