طولكرم – خاص قدس الإخبارية: حول أشجار الزيتون الرومي التي يتجاوز عمرها مئات السنوات، يلتف الشبح الأبيض ليخنقها حتى الموت، أمام صرخات صاحبها الثمانيني سميح فارس "أنا مظلوم .. أنا مظلوم".
أشجار سميح المولودة في العهد الرومي تمتد على مساحة ٨٠ دونما من أرض توارثها من جد جده، إلا أن عمرها وقيمتها التاريخية لم تغفر لها أمام قرار الشبح الأبيض "الموت لكل حي ... شجر أو بشر".
فعلى مدار سنوات وسميح كما أهالي قريته بيت ليد وقريتي كور وسفارين شرق طولكرم والذين يتجاوز تعدادهم (١٥ ألف نسمة)، يحاولون التصدي لكسارة حجارة دمرت أراضيهم كما لوثت هوائهم، ليأتي قرار جديد بإقامة كسارتين جديدتين.
زيتون بلا ثمار
"غبرة الكسارة تقتل حنون شجر الزيتون، فيمرض ويموت ولا يثمر" يقول سميح، مبينا أنه ما عاد يقطف زيتونه منذ إقامة الكسارة، فما أن تزهر ثمار شجار الزيتون حتى يلتف غبار الكسارة حوله، ليخنقه ويقتله.
أكثر من ٢٠ كيلو من الزيت كانت تنتج الشجرة الواحدة في أرض سميح إلا أن انتاجاها الآن انعدم تماما، "احتج على شجرة عمرها سنوات .. إنني احتج على شجر قديم جدا عمره مئات السنين، لا يهرم ويبقى حي للأبد وكل ما تقدم بالسن نبتت له أغصان جديدة".
عام ١٩٨٢ وقف سميح أمام آليات الاحتلال التي حاولت شق طريق استيطاني من أرضه ومصادرتها، إلا أنه استطاع التصدي له فلم يمر الطريق من أرضه، "كنت أقف وحيدا لا أملك سوى هذه العصا، أطلقوا النار علي وضربوني عدة مرات إلا أنني صمدت في حراسة أرضي وأنقذتها، والأن يلتفون عليها بطرق أخرى".
أراضي القرية التي أقيمت بها الكسارة بيعت بالخفاء دون علم أهالي القرية، فيروي سميح أن الأراضي وبعد أن بيعت سافر أصحابها من القرية واختفوا عن الأنظار، مؤكدا على أن كل الشكوك تدور أن الاحتلال هو من يقف وراء الكسارة التي هدفها الرئيس تهجير الأهالي والاستيلاء على المزيد من الأراضي.
"فلاحو بيت ليد يعتمدون على أراضيهم كمصدر رزق وحيد لهم.. نبذل كل طاقاتنا للاهتمام بالأرض والشجر وبالنهاية لم نعد نستفيد منها شيئا".
أمراض تنفسية
منذ ٤٠ عاما، وندوة الدريدي تستأجر أرضا بمساحة (١٨ دونما) وتقوم بزراعتها وفلاحتها معتمدة عليها كمصدر رزق لعائلتها، "أقاموا الكسارة قرب الأرض بعد أن استأجرناها ... لتصبح كل الغبرة في أرضنا وتحيط بشجرنا، إضافة لما تسببه لنا من أمراض وصعوبة في التنفس".
ندوة تبين أن زوجها مصاب بفشل كلوي، يقوم بعمليات غسيل كلى يوما بعد يوم نتاج التلوث الذي سببته الكسارات في المنطقة، وضع زوجي بات صعبا وما عاد يتحمل كل ما يحيطنا من تلوث".
كل يوم جمعة، وأهالي القرى الثلاث يعتصمون عسى أن تسمع صرخاتهم، لينظموا للمرة الأولى وقفة أمام المجلس الأعلى للتنظيم في مدينة رام الله، إلا أن الموظفين أغلقوا نوافذهم، فيما مر من جانبهم المسؤولون دون أن يلتفتوا إليهم أو يخاطبوهم، "لا يوجد أحد يقف معنا، الكل يتجاهلنا .. على كل الشعب أن يقف معنا أمام مجزرة إعدام شجر الزيتون"، تعلق ندوة.
بصعوبة كبيرة تقطف ندوة ثمار شجر الزيتون الذي بات سيئا وإنتاجه للزيت ضعيفا جدا، "انتظر أن تمطر السماء وتغسل الشجر .. لأخسر الكثير جراء ذلك، فالعام الماضي خسرت ما يقارب ٥ أكياس زيتون".
ميسر عبد الفتاح كما ندوة تستأجر أرضا منذ ٤٠ عاما وتقوم بفلاحتها لتكون مصدر الرزق الوحيد لعائلتها، تقول: "استأجرت أرض، زرعتها وتعبت كثيرا عليها .. وما أن أقيمت الكسارة حتى قتلت غبرتها الشجر والغرس".
أقامت ميسر بئر ماء في الأرض كلفها آلاف الشواقل، إلا أن استخدام الكسارة للمتفجرات ألحق أضرارا كبيرة في البئر، وما عدنا نستفيد منه"، وتشير إلى أن حجارة وحصى الكسارة تنجرف نحو أرضها ما أدى لدفن الغرس والشجر والزعتر البري، "مطلبنا الوحيد أن تزال الكسارة ويتم إنقاذ أرضينا".
كسارات جديدة
قبل شهور قليلة أقيمت كسارات جديدة في المنطقة، ويبين ياسر جمعة أن هذه الكسارات والتي يصفها بكسارات الموت، أقيمت بمال مشبوه يجب التصدي لها والتحقيق في خلفية إقامتها، "نطالب بوقف كسارات الموت التي تقتل أراضينا وأطفالنا وكل شيء حل في المنطقة" متابعا، "رسالتنا للمسؤولين احموا المزارع الفلسطيني، فهذه الكسارات مشبوهة وهي خطوة أولى للاستيطان".
كسارات الموت لا تهدد الأحياء فقط في القرى الثلاث، فما يستخدم بها من متفجرات أدت لإلحاق أضرار كبيرة بالآثار التاريخية في المنطقة، التي تأثرت أساساتها وباتت مهددة بالسقوط بأي وقت.
أهالي بيت ليد وكور وسفارين، لن يستعدوا لقطف ثمار آلاف أشجار الزيتون في أراضيهم هذا العام كما باقي الفلسطينيين، فالأشجار قتلها الشبح الأبيض أمام صرخاتهم التي اخترقت آذان المسؤولين الفلسطينيين وهم يمنحون أصحاب هذه الكسارات التصاريح الخاصة بمزاولة العمل في المنطقة.