شبكة قدس الإخبارية

نضال الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت.. انتصار للجامعة وللوطن

دلال باجس

رام الله - قدس الإخبارية: لقد انتهت أزمة جامعة بيرزيت التي أرَّقت المجتمع الفلسطيني قاطبة على خير ما يأمل ويرجو فرسان العمل النقابي أبناء الحركة الطلابية الفلسطينية ومن ورائهم حشود الطلبة التي وثقت بهم.

وقد أفضى الاتفاق بين إدارة الجامعة والحركة الطلابية وعلى رأسها مجلس الطلبة إلى إلغاء قرار رفع الأقساط على الطلبة القدامى والبالغ عددهم 10700 طالب وطالبة، وتخفيض الزيادة على الطلبة الجدد البالغ عددهم قرابة 2800 طالبٍ وطالبة إلى دينار على الساعة الواحدة بدلا من أربعة دنانير، ودينار آخر يحدده المسح الاجتماعي.

كما تعهدت الجامعة بعدم رفع الأقساط لمدة أربعة سنوات قادمة، وإشراك مجلس الطلبة في أي حوار حول رفع الأقساط مستقبلا، وقد تم التوصل إلى هذه التسوية بعد سلسلة من الوساطات ابتدأت بوساطة نقابة العاملين وانتهت بوساطة بعض الشخصيات التي سهلت الطريق إلى حوار مباشر بين لجنة إدارة الأزمة في الحركة الطلابية ونائبة رئيس الجامعة الأستاذة رانية جبر، ليتوج الحوار أخيرا بهذه التسوية.

إن عوامل قوة مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت متنوعة ومتراكمة؛ تبدأ بجو التنوع الفكري الصحي الذي نشأ عليه طلبة الجامعة وسعت الجامعة للحفاظ عليه بكل ما أوتيت من قوة، إضافة إلى تجربة مجلس الطلبة للعام الثاني على التوالي بتشكيل مجلس وحدة وطنية على الرغم من أن قوانين الجامعة لا تجبر الكتل الطلابية على ذلك، وإنما تسمح للكتلة الفائزة في الانتخابات بتشكيل المجلس منفردة أو من خلال تحالف تختاره هي مع أية كتلة أخرى. هذا المسار الذي اختاره الطلبة أدى إلى شعورهم بالمسؤولية تجاه خياراتهم، وقد خاض المجلس تجربة حوار حضاري مع إدارة الجامعة قبل هذه الحادثة عندما استطاع المجلس حل إشكالية التقسيط في الفترة الصيفية واستطاع 6000 طالب وطالبة استكمال تسجيلهم للدورة الصيفية بجهود من مجلس الطلبة. ليبدأ المجلس بعد فترة قصيرة معركته الجديدة المتمثلة بإسقاط قرار رفع الأقساط على الطلبة مستعينا بخبرته في حل الإشكالات السابقة مع الجامعة، بأسلوب حضاري تعاهد عليه كل من ممثلي الطلبة وإدارة الجامعة على الرغم من محاولة الجامعة استخدام العنف المعنوي تجاه المجلس والحركة الطلابية أثناء فترة الإضراب، وردود المجلس القاسية على إدارة جامعتهم في بعض الأحيان.

لقد خرج الطلبة وقيادتهم بحصيلة غنية من هذه التجربة، ومارست القيادة الطلابية التدرج في الخطوات الاحتجاجية ابتداء بالحوارات المفتوحة مع الجامعة لشهرين كاملين، مرورا بخطوة تعليق الدوام وإغلاق الجامعة انتهاء بالإضراب عن الطعام، ولم تكن زيارة الأساتذة المتضامنين مع الطلبة بأقل أهمية بالنسبة للطلبة من خطواتهم الاحتجاجية، بل لقد قربت الشرائح النضالية المتنوعة من بعضها البعض. كما شعر الطلبة بأهمية نضالهم النقابي عندما توالت على زيارتهم وفود التضامن من رؤساء مجالس الطلبة السابقين وبعض الرموز الوطنية والهيئات المحلية وأعضاء المجلس التشريعي.

لقد بات من المعلوم بين الطلبة الفلسطينيين أن للبيئة الجامعية في فلسطين دورا كبيرا في تعزيز الروح الوحدوية والعمل الجماعي بين الحركات الطلابية أو شرخها تماما، وأصبح طلبة الجامعات يقارنون بين إدارات جامعاتهم التي تستقوي بالقبضة الأمنية على حركاتها الطلابية وما ينتج عن ذلك من ضعف القيادات الطلابية وتشرذمها وبين جامعة بيرزيت التي يفتخر طلبتها بأن أجواءها الإيجابية هي ما يخلق قيادات شابة مؤهلة للمرحلة وقادرة على تجاوز لعنة الانقسام.

وبينما حاولت الحركة الطلابية في بيرزيت جاهدة أن تعيق قرار رفع الأقساط في جامعة بيرزيت، حاولت جاهدة في جامعات أخرى القيام بنشاطات نقابية دون جدوى بسبب تدخل الأجهزة الأمنية في جسم الحركة الطلابية بشكل صارخ؛ فهناك إدارات جامعات تستقوي بالأجهزة الأمنية لكسر الحركة الطلابية، وإدارات أخرى تدعم كتلة طلابية على حساب أخرى والنتيجة جسم طلابي ضعيف لا يستطيع القيام بواجباته.

كما يتم تغيير قانون انتخابات مجلس الطلبة في إحدى الجامعات دون الرجوع للحركة الطلابية أو استشارتها في تعدٍّ صارخ على دستور مجلس الطلبة وفي خطوة لهدم ما تبقى من كينونة الحركة الطلابية في الجامعة.

لقد باتت النخب المثقفة والوطنية تعول على الحركة الطلابية في بيرزيت كثيرا؛ تعول عليها في العودة لدورها الطليعي الذي كان بارزرا بوضوح قبل أوسلو، من إحياء روح النشاطات النوعية في مساعدة المجتمعات المحلية وإحياء روح العمل التطوعي، إضافة إلى نشر الوعي في مختلف المنصات التي يخلقها الطلبة دون مساعدة الجهات الممولة ذات الدعم المشروط، وقيادة الحراك الجماهيري المقاوم الواعي بعيدا عن دهاليز التطبيع وتمييع القضية، وقريبا من روح الثورة الفلسطينية التي حوت بين طياتها مختلف الشرائح الفلسطينية دون تمييز وفرز، ويعولون عليها كذلك بتعميم نموذجها في جامعات الضفة وغزة، كما أن الأنظار تتجه تلقاء إدارة جامعة بيرزيت التي يجب أن تكون نموذجا للجامعات الفلسطينية الأخرى.

لقد استطاعت جامعة بيرزيت بإدارتها وكوادرها أن تثبت لنفسها وللمجتمع الفلسطيني مجددا أنها باستثمارها في طلبتها وتنشئتهم على جو من الحرية النقابية وتأصيل روح القيادة الشبابية الوطنية فيهم فإنها المستثمر الأكبر في هذا الوطن الجريح وأنها لن تخسر أبدا.. ولتكن أولى مبادرات الحركة الطلابية ومجلس الطلبة هي مساندة الجامعة في البحث عن حل حقيقي لأزمتها بعيدا عن جيوب الطلبة.