غزة- قُدس الإخبارية: تسعى سلطات الاحتلال الاسرائيلي لطمس الحقائق حول جرائمها خلال حرب قطاع غزة صيف 2014، بينما لم يتم التحقيق مع أصحاب المناصب السياسية والرتب القيادية العالية في جيش الاحتلال الذين وجّهوا سياسة الهجوم وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتخذوا القرارات الميدانية أثناء القتال.
وأفاد تقرير جديد لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" الثلاثاء، بأن ما يجري من طمس لهذه الحقائق خاصة وأن المسؤولين الحقيقيين عن الانتهاكات لا يتمّ التحقيق معهم بتاتًا، هو فحص سطحيّ لحوادث منفردة مقطوعة الصّلة مع أيّ سياق.
وأضافت، أنه خلال سنتين عمل جهاز طمس الحقائق الإسرائيلي المسؤول عن تحقيقات "الجرف الصامد"، وأصحاب القرار الذين تسبّبوا بقتل غير مسبوق في غزة، لم يتمّ حتى التحقيق معهم، حيث تعمل الهيئات التي تحقّق في أحداث "الجرف الصامد" أساسًا على خلق صورة زائفة لجهاز يقوم بكامل وظائفه ويبدو كأنه يسعى إلى كشف الحقيقة بينما المسؤولون الحقيقيون عن الانتهاكات لا يتمّ التحقيق معهم بتاتًا
وأشار إلى أن الحجم الهائل للخسائر في أرواح المدنيّين الفلسطينيين في غزة، "نحو ثلثي القتلى الفلسطينيين أي ما يساوي 1392، بينهم 526 قاصرًا، لم يشاركوا في القتال، ومئات منهم قُتلوا جرّاء قصف منازلهم من الجوّ"، أثار شبهات قويّة بأنّ "إسرائيل" قد انتهكت مبادئ القانون الإنساني الدولي.
وأكد أنه لم تحقّق أيّة هيئة رسمية مع أصحاب المناصب السياسية والرتب القيادية العالية في الجيش، الذين وجّهوا سياسة الهجوم وكانوا مسؤولين عن صياغة الأوامر واتخذوا القرارات الميدانية أثناء القتال؛ ولمْ يُطلب إليهم تقديم حساب حول مسؤوليتهم عن النتائج الوخيمة التي ترتّبت على قراراتهم.
وبعد عامين على مرورها، لم تُطرَح أسئلة حول السياسات المتّبعة، بما في ذلك سياسة استهداف المنازل المأهولة التي كانت نتيجتها أن قتل الجيش الاسرائيلي مئات الأشخاص، وسياسة إطلاق الصواريخ عشوائيًا على مناطق مأهولة وسياسة هدم آلاف المنازل وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية.
وكانت نيابة الاحتلال أعلنت بدءها في فحص شبهات انتهاك القانون خلال العدوان، بينما أعلنت نهاية آب بيانها الخامس في هذا الشأن حيث وصلت شكاوى تتعلق بـ360 حادثة، وأنّه قد تمّ تحويل نحو 220 حادثة منها إلى جهاز الفحص التابع للقيادة العامّة، الذي أقيم في خضمّ القتال لفحص الوقائع الأوّلية المتعلقة بالشكاوى المقدّمة.
وأوعز النائب العام العسكري لجيش الاحتلال باغلاق 80 ملفًا، دون تحويله إلى التحقيق، كما أن 13 من هذه الحالات انتهى التحقيق بها وأغلق الملف دون فعل شيء، بينما في حالة واحدة فقط انتهى التحقيق إلى تقديم لائحة اتّهام، هي الوحيدة حتى اليوم، ضدّ جنديّين إسرائيليين بدعوى النهْب وضدّ جنديّ آخر بدعوى مساعدتهما على ذلك.
وأضاف، "من هنا لا يمكن قبول الادّعاء القائل إنّ المسؤولين عن تلك الهجمات كان يحقّ لهم أن يعتمدوا في تقييم الإصابات والخسائر المتوقّعة في أوساط المدنيّين فرضيّات قد ثبت بطلانها مرّة تلو الأخرى، وبأثمان باهظة في الأرواح، سواء من خلال أفعالهم هم أو أفعال زملائهم"
التأويل الذي اتّبعه النائب العامّ بحكومة الاحتلال يخلي جميع الأطراف التي كانت ضالعة في الهجمات، بدءًا من رئيس حكومة الاحتلال وانتهاءً بالشخص الذي أطلق النيران، يخليهم من واجب عمل كلّ ما في استطاعتهم لأجل تقليص الإصابات والخسائر في أوساط المدنيين، ويرون أنه لا داع للتحقيق لأن الجيش يتصرف وفق القانون الدولي
ويعد أحد أسباب دعمهم لإجراء تحقيق، ولو ظاهريّ، في شبهات انتهاك القانون أثناء حملة "الجرف الصامد" هو رغبتهم في منع انتقال معالجة الموضوع نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي، لكنها يبدو أنّها لم تنجح حتى في هذه المهمّة. فالمدّعية العامّة في المحكمة الدولية في لاهاي لم تقرّر بعد هل للمحكمة صلاحية التحقيق في ما جرى أثناء القتال في حملة "الجرف الصامد"؛ ولكن إذا قرّرت أنّ الأمر يقع ضمن صلاحيات المحكمة فهنالك شكّ كبير أن تمنع التحقيقات التي تديرها "إسرائيل" تدخّل المحكمة.
وشدد التقرير، على أنّ التحقيقات الحقيقية والناجعة مطلوبة ليس فقط لتحقيق العدل للضحايا وأقربائهم؛ إنها مطلوبة أيضًا لأجل الرّدع ومنع تكرار مثل هذه الأفعال وكذلك منع إصابات وخسائر إضافية، مضيفًا "أنها ليست مجرّد مسألة قانونية، نحن نتحدّث هنا عن حياة الناس وموتهم"