القدس المحتلة – خاص قدس الإخبارية: حول طاولة الزهر في بلدة بيت حنينا شمالي القدس اجتمعوا، صدى ضحكاتهم لوث هواء المكان، فيما بدأت في الزاوية مجموعة موسيقية تعزف ألحانا عربية تارة، وتارة أخرى تردد أغاني عبرية، فيما حضرت فرقة شعبية وقدمت عرض دبكة فلكورية.
عدد كبير من الأشخاص توافدوا للمكان، بعضهم يضع على رأسه "كبة" ما يدل على أنهم إسرائيليين، فيما بدت ملامح وجوه آخرين واضحة تماما أنهم فلسطينيين، يتحدثون بصوت عال بالعربية متباهين بإدخال بعض الكلمات العبرية في كل جملة.
هذه هي الأجواء العامة التي تظهرها المنشورات الممولة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" منذ حوالي شهر تحت عنوان "دابل مقدسي"، منشورات تحمل صور المشاركين، على خلاف فعاليات التطبيع التي لطالما كان يتم المشاركة بها بالخفاء، خجلا وخوفا من المجتمع المتمسك بمبادئه الرافضة للتطبيع مع المحتل.
ورغم أن المنشورات الممولة للنشاط التطبيعي التي تظهر لرواد موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، إلا أنها لم تثر موجة الغضب والرفض المعهودة، ويعيد نشطاء مقدسيين السبب في ذلك لما ينتهجه الاحتلال من حملات اعتقال طالت عشرات الشبان في المدينة، إضافة للأوضاع السياسية المتوترة التي تشهدها القدس.
الأغاني لا تتوقف، والموسيقى الصاخبة تملئ المكان، وبينما يواصل إسرائيليون وفلسطينيون اللعب، يفرض الاحتلال على مدينة القدس أن تشيع بصمت شهيدها ثائر أبو غزالة وبهاء عليان، بحضور لا يتعدى (١٥ شخصا)، وذلك بعد أكثر من ١٠ شهور من احتجاز جثمانيهما في ثلاجات الاحتلال.
وكانت مدينة القدس ودعت منذ شهر أكتوبر الماضي (٥٢) شهيداً، منهم بينهم (٣٣ شهيداً) ارتقوا بعد تنفيذ عمليات فدائية في المدينة.
سامي الأعرج أحد منظمي النشاط التطبيعي يقول في حديث مع فضائية (i24) الإسرائيلية، "هذه رسالة أننا لا نستطيع العيش دون السلام ... أريد أن أقول إننا نحيا لنحب لا لنكره، نحيا لنبتسم لا لنشعر بالاحباط .. نحيا لنسعد ونستمتع بحياتنا ونصنع علاقات مع أشخاص من خلفيات أخرى".
وفي ظل الكلام المنمق الذي يعيده ويكرره سامي أمام وسائل الإعلام، يظهر أنه سلخ عن ما يعايشه الشباب المقدسي من واقع محاصر بمضايقات الاحتلال وسياساته العنصرية، فلا شيء مسموح أمامه حتى التظاهر السلمي، فحسب إحصائية لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، فخلال شهر آب اعتقل الاحتلال ( ١٤٣ مقدسيا) بينهم (٣٢ طفلا) وثلاثة نساء.
الإعلام الإسرائيلي ركز واهتم في هذا النشاط التطبيعي وتغطية فعالياته شبه اليومية، حيث منحت مختلف الوسائل الإعلامي الإسرائيلية مساحة له في تغطياتها الإخباري، وخاصة أنه النشاط التطبيعي الأكبر منذ أعوام ينفذ في مدينة القدس، كما أنه الأول منذ انطلاق انتفاضة القدس.
وفي مقدمة تقرير مكتوب لصحفية "هآرتس" الإسرائيلية، استعرض قصة سامي منظم النشاط التطبيعي معرفة أنه من مخيم شعفاط شرق مدينة القدس، وهو أحد لاعبي فرق بيتار القدس الإسرائيلي، وفريق كرة القدم الإيطالي "يوفنتوس".
وادعت هآرتس، أن الأعرج اتهمه الاحتلال أكتوبر الماضي - أي ابان انتفاضة القدس - بتنفيذ عملية في محطة الحافلات المركزية في بئر السبع، ليتبين أنه كان حينها في مدينة رام الله، ليفرج عنه بعد تسعة شهور.
كما عرجت الصحيفة على اسم آخر من بين ( ١٥٠ مشاركا) في النشاط التطبيعي، وهو رجل الأعمال "محمود الرفاعي"، مشيرة إلى أنه ابن واعظ معروف في مدينة القدس.
النشاط التطبيعي المعنون بـ "دابل مقدسي"، هو ليس الأول بل امتداد لبرنامج تطبيعي بدأ قبل خمس سنوات تحت عنوان "مجرد الغناء" والذي عقد تشرين ثاني ٢٠١٤، حسبما تشير هآرتس.
وفي إحدى فعاليات النشاط التطبيعي "دابل مقدسي" وصل عدد المشاركين (٣٠٠ مشاركا) من إسرائيليين وفلسطينيين، والملفت وجود عدد من الأطفال يرون أمامهم إسرائيليين بلباس عسكري يلعبون الزهر ويبادلوهم المزاح، دون أن يعوا أن هؤلاء ذاتهم من يعتقلون أقرانهم ويطلقون صوبهم النار، وسيكونوا يوما ما في مرماهم.
أذرع الاحتلال تسعى في الآونة الأخيرة لتنظيم عدد من الفعاليات التطبيعية الساعية لغسل الأدمغة، لتمتد فعالياتها لأطفال ونساء من المدينة المقدسة، وخاصة في منطقتي شعفاط وبيت حنينا.
ومن بين هذه النشاطات التطبيعية، جولات على الدرجات الهوائية تنظمها شركة ستي باس التي تدير القطار الخفيف في المدينة، وذلك ضمن محاولاتها لمنع الأطفال من إلقاء الحجارة على القطار، وخاصة في ظل ما ألحق به من أضرار مادية كبيرة.
فيما أعلنت إحدى المؤسسات الإسرائيلية عن عقد نشاط مشابه للمذكور أعلاه، إلا أنه سيقتصر على نساء فلسطينيات وأخريات اسرائيليات وطفلاتهن، حيث سيتضمن النشاط جولة على الدراجة الهوائية في مدينة القدس.
وفي نشاط تطبيعي آخر كشف عنه في شهر آب، بإعلان على "الفيسبوك" عنون "نركض بلا حدود" يشمل شريحة أخرى من المجتمع المقدسي، والتي تضم الشبان فوق (٢٠ عاما)، حيث يجمع النشاط شبان فلسطينيين وإسرائيليين يشاركون معا في رياضة الركض.
فعاليات تطبيعية تركز على الجانبين الرياضي والثقافي، لا تنظم عبثا في هذا التوقيت المنتقى بعناية ودقة، فالاحتلال بأذرعه الأمنية يلمس هواجس واقعية تنبأ بتصاعد الأحداث مجددا، وانطلاق هبة شعبية جديدة قد يكون وقعها أشد من سابقتها.