فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: قبل فترة قصيرة، عرض وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" خطة جديدة بهدف تغيير الوضع السياسي والأمني في الضفة الغربية، وتهدف الخطة الى تقسم المناطق بشكل جديد يتجاهل التقسيم الإداري والأمني في اتفاقية أوسلو (تقسيم المناطق الى ا، ب، ج)، حيث تقوم الخطة على تقسيم التجمعات المدنية والشعبية والقروية، بحيث يتم مكافأة سكان المناطق التي لم يخرج منها منفذو عمليات بإعطائهم امتيازات اقتصادية ومنحهم حرية الحركة وتصاريح عمل وسفر الى داخل الأراضي الإسرائيلية، في حين يتم إنزال العقوبات الجماعية بالمجتمعات التي خرج منها منفذو العمليات عن طريق الاعتقالات الجماعية وهدم البيوت والتضييق وسحب تصاريح العمل بشكل جماعي.
بعض الأصوات من القيادة الفلسطينية في الضفة الغربية سارعت الى التهديد بأن أي تعاطي مع خطة ليبرمان هو خروج عن الصف الوطني، لكن ما لا تستوعبه القيادة هو أن المسافة بين الواقع الذي تعيشه هي وبين الواقع الذي يعيشه الشعب زاد بشكل كبير جدا على مدى السنين الماضية، فالبيت الفلسطيني ممزق منذ الانقسام بين حماس وفتح عام 2007، ورغم كل الاتفاقيات والجلسات والتدخلات لحل مسألة الخلاف الداخلية، لا يزال الحال كما هو إن لم يزدد سوءا من حيث علاقة الحزبين ببعضهما.
خطة ليبرمان واستغلال الفراغ بين الشعب والقيادة
الفراغ الكبير بين الشعب الفلسطيني وبين السلطة الفلسطينية المتمثلة في رئيسها محمود عباس ليس خفيا على أحد، والإسرائيليون يعرفون ذلك جيدا، بدءا من الانخفاض الكبير لشعبية الرئيس، الأمر الناتج عن عدة سياسيات لا مبالية انتهجتها السلطة الفلسطينية إضافة إلى بعدهم عن الواقع الذي يعيشه المواطنون، ففي حين تشتعل مدينة نابلس على إثر عملية أمنية بدأتها القوات التابعة للسلطة، والتي أدت إلى سقوط خمسة قتلى حتى اليوم (منهم من أُعدم ضرباً حتى الموت)، يخرج الرئيس عباس ليدعو المستثمرين الفلسطينيين في الخارج إلى جلب استثماراتهم إلى الضفة الغربية، البيئة "الأنسب" لأي استثمار، يحصل هذا كله بينما تقف "اسرائيل" على مسافة قريبة وتعمل على تقويض ما تبقى من شرعية القيادة الفلسطينية والسلطة محليا وإقليميا وعالميا.
الإسرائيليون فهموا أن أسباب قيام مئات الشباب الفلسطيني بتنفيذ عمليات ضدهم، والتي فسّرت بداية كعمليات انتحارية من أفراد تعانون من مشاكل خاصة، قابعة في اليأس المتفشي في فئة الشباب الفلسطيني من أي حل لإنهاء الاحتلال في وجه الإهانة المستمرة التي يتعرض لها على يد الاحتلال، في حين لا يجدون أي عون أو سند من السلطة الفلسطينية.
وبذلك توصّل الأسرائيليون الى أن الحل الأنسب هو استغلال الفراغ الحاصل بين الشعب الفلسطيني وقيادته، وبناءا عليه كانت خطة ليبرمان. حيث تهدف هذه الخطة الى نزع الفتيل عن طريق مقايضة امتيازات اقتصادية بالتزامات سياسية وأمنية، الأمر الذي هو أشبه بعملية ابتزاز عن طريق ربط حقوق الفلسطينيين الأساسية في الحياة بالتخلي عن المبادئ السياسية والوطنية الأساسية وعلى رأسها المقاومة بأنواعها، إضافة الى تفكيك المجتمع الفلسطيني إلى مجموعات صغيرة.
كما أن الخطة نفسها مجهزة بالأدوات المناسبة لاختراق وتقسيم النسيج الاجتماعي الفلسطيني والوصول إلى جميع الطبقات الرئيسية والفرعية المكونة لهذا النسيج، إضافة إلى تجاوز القيادات والممثليات الشعبية والوطنية وعزلهم عن الرأي العام، الأمر الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني أصالا.. كل هذا يحصل على مرأى ومسمع من المؤسسة السياسة الفلسطينية المحتضرة، التي تكتفي بالتحذير بينما تنهش الحكومة الإسرائيلية ما تبقى من لحمها والتي تسوق لنفسها على انها تهتم بشأن الفلسطينين أكثر من قيادتهم.
مستقبل حل الدولتين
على الساحة الدولية والإقليمية، فإن السياسة الخارجية الإسرائيلية تتجه نحو تجاهل تام للقضية الفلسطينية، مع العمل على التطبيع مع الحكومات العربية المجاورة وتحسين العلاقات بشكل مباشر وغير مباشر، وبدون أدنى ذكر للسلطة الفلسطينية، إضافة إلى تحويل القضية السياسية في فلسطين إلى قضية لا تتعدى كونها خدماتية متعلقة بمشاكل الماء والكهرباء والمواد الأولية وسهولة الحركة، التي تعتبر من أبسط الحقوق البشرية.
الحكومة الإسرائيلية عملت كثيرا على استغلال العامل الاقتصادي والأمني في تعاملها مع الفلسطيين كورقة ضغط بوجه اي مطالب سياسية. فلا نكاد نسمع تصريحاً معادياً يخرج من السلطة إلا ويرافقه توقيف لأموال الضرائب الفلسطينية كوسيلة ضغظ لإجبارهم على التراجع، (الضرائب التي تجمعها اسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية حسب ملحق باريس الأقتصادي".
وعلى ذكر الاتفاقيات، فإن "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية عمليا تلتزمان بالتنسيق الأمني فقط، مع تجاهل جميع البنود الأخرى في اتفاق اوسلو، الميت أصلا. وهذا النوع من التنسيق يخدم الاحتلال وبعض الأجندة السياسية الداخلية للسلطة فقط ولا يخدم او يحمي الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.
على الفلسطينيين العمل من أجل حل مسائلهم وخلافاتهم الداخلية دون الانجرار وراء الحلول السهلة والمؤقتة والخادعة من الإسرائيلين. فلا أحد حول العالم الآن يؤمن أن الفلسطينيين مستعدون لدولة مستقلة ذات سيادة، ومن يؤمن بذلك فهو مغيب تماما عن المشهد الفلسطيني، أما بالنسبة لـ"إسرائيل"، فإن حل الدولتين ميت بموت الشريك الفلسطيني..