شبكة قدس الإخبارية

قلنديا .. حينما هدمت غرفة الألعاب ولم يعد مكانا للأرانب

شذى حمّاد

فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: قبل عام بدأت شهد (٩ سنوات) بادخار مصروفها اليومي، لتكون أحد المساهمين في بناء المنزل، فاختارت مكان غرفتها، وخططت كيف سترتبها، ما لون جدرانها، وماذا ستضع فيها؟؟.

أمام المنزل الذي أصبح ركاما، يجلس اليوم فادي عوض الله، ينظر إلى حيث كان من المخطط أن تكون غرفة طفلته شهد، وإلى تلك الزاوية حيث كان مقررا أن تكون غرفة طفليه عفيف وعمر، "قبل يوم من هدم المنزل، خرجت وأطفالي لنختار البلاط المناسب، ولون الجدران ... إلا أنني لن أحضرهم لهنا قبل أن أكون جاهزا لأعدهم بإعادة بنائه مرة أخرى".

في الخامس والعشرين من تموز، حاصر وحشان عملاقان منزل أسرة شهد، ليبدأ بقضمه ثم بصقه حتى سوياه بشكل كامل بالأرض، فيما حاصرت وحوش أخرى (١٢ بناية) محيطة، لتكون حصيلة المجزرة (٣٣ سكنية) كان يستعد أطفال القرية السكن بها قريبا.

"بذلنا كل جهدنا فيه، واستثمرنا كل مدخراتنا فيه فهو منزل العمر .. هدم المنزل أعادنا سنوات كثيرة إلى الوراء"، ففادي وأشقاؤه أقاموا مبنى مكونا من ثلاثة طبقات ليسكنوا ويستقروا فيها في قرية قلنديا، حيث كانوا يعملون به على قدم وساق منذ ثلاث سنوات التي لم يتلقوا فيها أي إخطار من قبل سلطات الاحتلال.

13672617_661863870637127_247182419_n

أليات الاحتلال نفذت قرار الهدم دون إبراز سبب واضح بذلك، لتفرض حصارا جديدا على قرية قلنديا المحاصرة من جهاتها الثلاث بجدار الفصل العنصري والذي التهم معظم أراضي القرية وعددا من منازلها، "منزل العائلة أصبح اليوم داخل الجدار، لا يسمح لنا بزيارة والدي فيه إلا بعد الحصول على تصريح .. لم يسمحوا لنا بالعيش هناك والآن يلاحقوننا هنا"، يعلق فادي.

منزل (١٨٥ مترا)، سور استنادي (طوله ١٠٠ مترا)، وبئر ماء دمرت آليات الاحتلال ما بناه شاكر عودة بالكامل، والذي كان يستعد ليسكن وأسرته المكونة من ثمانية أفراد في المنزل خلال أسبوع واحد بعد أن جهزه بشكل كامل.

"هدموا البيت بدون أي رحمة، كان صدمة وفاجعة لنا وخاصة أنني وضعت في المنزل دم قلبي، لقد بعت كل ما أملك حتى أبنيه.. وما زالت الديون متراكمة علي"، يقول شاكر.

أطفال شاكر لا يتوقفون عن البكاء على منزلهم الذي بات ركاما، "كانوا يلعبون هنا باستمرار، ويتفقون بينهم كيف ستكون غرفهم .. كما خططوا أن يحضروا أرانب ودجاج ويربوها في محيط المنزل عندما يسكنوه".

13871924_661864300637084_1473740019_n

"لم يعدنا أحد بشيء لمساعدتنا .. لنا فقط الله الآن"، يقول شاكر الذي يسكن وأسرته في منزل للإيجار، إلا أنهم سيقيمون خيمة فوق أنقاض المنزل ويسكنونها، فديون البناء ما زالت متراكمة على شاكر.

"حتى الأحلام سرقوها منا، إلا أننا باقون هنا"، يقول صلاح موسى، الذي يعمل في سلك التعليم، واختار بناء منزله بجانب منزل صديقه، في منطقة هادئة جدا في القرية، حيث كانا يخططا ليتعاونا في زراعة الأرض الصغيرة المحيطة بمنزليهما معا والاستفادة منها.

مكون من طابقين، كان منزل صلاح الذي جهز الطابق الأول منه (١٥٠ مترا) مستعدا وعالته للانتقال إليه والسكن فيه، يقول: "في شهر أيار وجه لنا أول إخطار، فتوجهنا فورا لمحافظة القدس وبدأنا مع المحامي بالإجراءات القانونية اللازمة، لنتفاجأ بإخطار ثاني

في ٢١ تموز يبلغنا بضرورة استكمال إجراءات الترخيص، وبعد أيام وجه لي ولباقي العائلات أخطار لم يمهلنا حتى الاعتراض عليه". خمسة من أذرع الاحتلال ومؤسساته شاركت في عملية هدم المنازل واستصدار القرار من المحكة، لتغلق كل الطرق أمام العائلات من محاربتها والتصدي لها قانونيا سواء قبل الهدم أو بعده.

أمام أعين أصحابها، سويت المنازل بالأرض بعد محاصرة المنطقة ومنع أصحاب المنازل من الوصول إليها، "هو كابوس أتمنى الاستيقاظ منه.. كلنا رأينا تعب سنين حياتنا يسوى بالأرض، وأحلامنا تدمر بوحشية فيما أطفالنا غير قادرين على استيعاب ما حصل".

أمجد اللوم يصف نفسه أنه أقل المتضررين من مجزرة هدم المنازل، حيث هدمت أليات الاحتلال أسس المنزل الذي كان يطمح أن يتوسع وأسرته فيه، "كنت أخطط لبناء أربعة مساكن لأبنائي المقبلين على الزواج، حيث كنت مصرا أن يكون لكل منهم منزله الخاص قبل أن يتزوج ... دمروا لنا أحلامنا، حتى حلم ما عدنا نملك اليوم".

ويضيف، "الكل يتضامن معنا الآن، إلا أن النكبة ستبقى على أصحابها.. لا نتأمل المساعدة من السلطة ومنظمة التحرير، إلا أننا لسنا بحاجة لأية مساعدة تافهة، بل بحاجة لمساعدة حقيقية لإعادة بناء منازلنا والسكن فيها".

تعويض مادي سريع وعاجل هو ما تطالب به العائلات المنكوبة بهدم منازلها، حاتم حسين عضو مجلس قروي قلنديا، يقول: "الهدف الأول للاحتلال من هدم المنازل هو قياس ردة الفعل من قبل الشعب الفلسطيني وسلطته والمجتمع الدولي ... فعدم الالتفاف لهذه العائلات يعني إعطاء الاحتلال الضوء الأخضر ليمنع البناء في أي أرض فلسطينية".

مسؤولو السلطة الذين يسكنون حي المصيون والطيرة الذين لا يبتعدا إلا (١٠ دقائق) عن قرية قلنديا، لم يزوروا العائلات كما لم يهاتفوهم، "لم يزورنا سوى المؤسسات الحقوقية والإعلامية فيما تهرب المسؤولين عن الوصول لهنا بحجة أنهم يحتاجون تصاريح للوصول لهنا... نحن نريد تحرك دولي لمحاسبة الاحتلال، ونريد تعويض مادي كامل وليس مجرد مبالغ بسيطة لا قيمة لها".

بين الركام أقام أصحاب المنازل المهدومة خيمة يرابطون فيها لوحدهم، يواسون بعضهم البعض، محاولين استيعاب صدمة خسارة منازلهم، فيما يواصل الاحتلال استصدار إخطارات هدم جديدة لمنازل أخرى في القرية، ولا حراك لنصرة قلنديا وأصحابها حتى الآن.