شبكة قدس الإخبارية

سوسن منصور زارت الأقصى شهيدة

شذى حمّاد

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: "أريد مفاجأة أمي بشهادتي"، تقول سوسن (17 عاما) من قرية بدو شمال غرب القدس، لأستاذها مجددا، وقد حذرته من إخبار والديها بتوقعاته أنها ستكون من الطلبة المتفوقين والمتميزين في الثانوية العامة هذا العام.

قبل يوم من بدء امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي)، وقف علي منصور على باب الغرفة يتأمل طفلته النائمة، التي كبرت سريعا وهاهي تتخرج من المدرسة، مترددا من الاقتراب منها وتقبيل جبينها، ليحسم قراره النهائي بالخروج إلى عمله الذي لن يتأخر به هذا اليوم، وسيعود لطفلته، يقبلها، يلاعبها، ويسمع نكاتها.

CjPcZjVVAAAqfQo

متأخرة استيقظت سوسن منصور في 23 أيار، وككل يوم جمعة، توضأت وجلست في ساحة المنزل تقرأ سورة البقرة، فيما تراقبها أمها من نافذة الغرفة المقابلة، قبل أن تسمع خطواتها لاحقا وهي تروح ذهابا وإيابا في ممر المنزل، وبينها وبين نفسها تردد، "عينا سوسن تتهرب من عيناي ... لا أفهم ما بها".

"كأنها ارتدت طاقية الإخفاء، اختفت فجأة سوسن من أمامي... رغم أنني كنت أسمع صوت خطواتها في المنزل"، تقول والدة سوسن.

إلى حاجز "بيت إكسا" قضاء القدس طلبت سوسن من السائق التوجه، طالبة منه إيصالها لأقرب نقطة عليه، ثم ألحت عليه بالإسراع، مرة، مرتين، وعند الثالثة استشاط غضبا وأوقف المركبة. فقالت سوسن: "هناك من ينتظرني، ولا أريد التأخر". وقبل أن تصل الحاجز ترجلت وأوصت السائق بالانسحاب من المكان سريعا وعدم الالتفات إليها مهما حصل.

أشهرت سكينها وركضت تجاه الجنود، وما هي لحظات حتى اخترقت جسدها ثلاث رصاصات، خطفت روحها. في ذلك الوقت وعلى الجانب الآخر من الحاجز كان والدها يقف متلهفا للعودة إليها.

"علمنا أنه يوجد عملية على الجهة الأخرى للحاجز، فانقبض قلبي واتصلت فورا اسأل وأطمئن على سوسن، فأخبرتني والدتها أنها كانت أمامها قبل دقائق.. إلا أني كان لدي إحساس أن الشهيدة هي سوسن"، يروي علي.

13232978

لا تخوض سوسن الأحاديث السياسية غالبا، إلا أنها وعند سماعها عن شهيد جديد، كانت تعلق دائما: "لو أني مكانه"، أما عندما كانت تسمع عن اندلاع مواجهات في مكان ما، فكانت تسأل: "لماذا نحن جالسون هنا، لماذا لا نكون في المواجهات ونتصدى للاحتلال؟".

لم تأخذ والدة سوسن كلام طفلتها يوما على محمل الجد، تقول: "كلما سمعتها تتحدث عن الشهادة والمواجهات، أقول في عقلي كيف لسوسن البنت المدللة التي لا يهمها إلا اللعب والضحك وشراء الملابس أن تشارك في المواجهات، أو تستشهد يوما".

13662414_652461711577343_849669879_o

وتضيف، "سوسن حققت ما كانت ترنو إليه، تحدتهم وواجهتهم.. ربما لم تستطع طعن أحدهم، إلا أنها بصقت بوجههم وهذا مؤلم أكثر من الرصاصة التي أطلقوها عليها".

دائمة الابتسامة كانت سوسن، مرحة، كثيرة الحركة، خفيفة الظل تسعى دائما لإسعاد من حولها بنكاتها وأحاديثها العفوية، كما كانت صديقاتها وبنات عائلتها يطلبن دائما زيارتها لهم ومشاركتها معهم في كل المناسبات. تضيف أمها، "كانت نوارة الدار، استفقدها الآن كثيرا لأن جوها اختفى .. كانت تدخل المنزل وتهجم علي تقبلني وتدغدغني حتى أضحك .. أينما حلت كانت تخلق الحياة والابتسامة وجو الفرح".

13254326_1060167814076544_1190381933706742403_n

في أيامها الأخيرة، انهمكت سوسن في التحضير لامتحانات الثانوية وزفاف شقيقها الذي اقترب أيضا، "كانت طفلة تفضل اللعب والمرح على الدراسة، إلا أنها قررت أن تعكس ذلك في التوجيهي، فكانت تسعى لتحصل على شهادة تبيض الوجه .. وقد حصلت على أعظم شهادة".

وتضيف أم سوسن، "كانت أيضا تحضر لعرس شقيقها، واشترت مجموعة من الفساتين والاكسسوارات، وكانت تقول دائما سأرتدي فستانا لم يرتديه أحد ...لكنها أزاحت كل الأمور الجميلة التي تحيطها وتختار الشهادة".

وتروي والدة سوسن، أن طفلتها كانت أنيقة ولها ذوق مميز في ارتداء الملابس، "كان أبوها يصر أن تحمل سوسن بطاقة الصراف الآلي كلما ذهبت إلى رام الله لتشتري ما تشتهي".

وتوضح، أن سوسن لم تتذرع بالدراسة يوما لتهرب من أعمال المنزل، بل كانت نشيطة تحب تنظيف المنزل وإعداد الطعام، وما إن يأتي ضيف للمنزل حتى تنهض وتقدم واجبه في الضيافة. وتقول أمها: "سافرت عدة مرات، وكنت أترك المنزل تحت مسؤولية سوسن فتديره دون أن تطلب مساعدة من أحد، كما كانت تعد لإخوتها كافة الأكلات حتى تلك التي كنت أنا اتصعب من إعدادها".

"كانت سوسن كل شيء حلو في حياتي .. عندما كنت أمرض كانت تحضر لي الفطور على السرير، تصر على البقاء نائمة حتى تتأكد أني تحسنت، وتحضر لي إبرة الأنسولين، كانت ممرضتي في المنزل".

وإلى جانب ذلك توصف سوسن أيضا بأنها "مدللة العائلة"، فكان والدها وأشقاؤها يلبون لها كل طالبتها، مقابل محاولاتها اللحوحة والدائمة في إسعادهم وضحكاتها الدائمة في المنزل، واليوم يفتقد سوسن كل من عرفها، حتى أطفال الحي مازالوا يزورون منزلها قائلين لأمها: "نريد أن نكون لك بدل سوسن".

ورغم أن سوسن كانت الطفلة المدللة، إلا أنها امتازت بالشخصية القوية والجريئة، وكانت طموحها أن تدرس الحقوق، وتصبح ضابطة كبيرة كما حلمت. وتبين أمها أنها حاولت إقناعها بتغيير رأيها بذلك لكن دون جدوى، بل إنها طلبت من مدرس اللغة العربية إقناع والديها بالأمر.

ولا تتوقف والدة سوسن حتى الآن عن البكاء على طفلتها، وتقول: "لا أستطيع نسيانها حتى الآن، كل يوم اشتاق لها أكثر، لم تزُرني بحلمي حتى الآن، بينما يحلم بها الجميع. إحدى صديقاتها رأتها في الحلم وطلبت منها أن تبلغني بأنها لا تأتي لأحلامي لأنها لا تستطيع رؤيتي باكية".

وكانت سوسن تخطط لإحياء ليلة القدر في باحات المسجد الأقصى برفقة زوجة عمها، لكن الأخيرة ذهبت بمفردها بعد أن أفشل رصاص الاحتلال المخطط. وهي الآن تروي أنها خُيِّل إليها وهي تصلي أمام قبة الصخرة، أن سوسن تجلس فوقها بجناحين، فأوقفت صلاتها وطلبت ممن حولها مشاهدة ما تراه، وعندما أعادت النظر إلى القبة شاهدت سوسن تطير للسماء، كما تقول.

13254326_1060167814076544_1190381933706742403_n