الاخبار القادمة من تركيا و"اسرائيل" تأتي متسارعة، البداية كانت الإعلان رسميًا عن المصالحة وتطبيع العلاقات بين البلدين، وتغيرات دراماتيكية في علاقات تركيا الدولية والاقليمية، وأردوغان يقدم إعتذار غير مباشر لروسيا عبر رسالة وجهها للرئيس الروسي بوتين.
هذه هي العلاقات بين الدول والسياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد، وتركيا اقتصادها يعاني من التراجع بعد السياسات الانفعالية والعشوائية التي ارتكبها أردوغان خلال السنوات الخمس الماضية في علاقاته الدولية خاصة مع روسيا والاقليمية في سورية ومع ايران والتخبط في علاقاته مع العراق والقطيعة مع مصر، وهو لا يمكنه الاستمرار في الحكم وبطموحاته السياسية في المنطقة واقتصاده يعاني وبعد أن كان صفر مشاكل أصبح عشرات مشاكل.
في مقابلة أجرتها الاذاعة العبرية مع مدير عام وزارة خارجية الاحتلال دوري غولد، قال إن لكل طرف مصالحه وحاجته لتغيير إستراتيجي في العلاقات الإقليمية بين البلدين، "اسرائيل" بحاجة لتركيا وأدركت أن لا أفق لتطوير مشاريع الغاز دون الأتراك، فاستخراج الغاز وتسويقه لأوروبا وهو على سلم أولويات نتانياهو ومن دون الأتراك يبدو الأمر بعيد المنال عن التحقيق، وبرغم تطور العلاقات مع اليونان وقبرص إلا انهما ليستا بجحم تركيا إستراتيجيًا ومن الناحية الجغرافية والاقتصادية.
لذا أعاد الطرفان علاقاتهما المتوترة الى طبيعتها منذ عقود، فالمصالحة مع تركيا بالنسبة لـ"إسرائيل" تاريخيا هي شريكا أمنياً هاماً في حلف الناتو، فتركيا أول دولة إسلامية تعترف بـ"إسرائيل" عام 1947، وظلت مستمرة طوال العقود الماضية. وفي نظرة تاريخية سريعة على العلاقات التركية الاسرائيلية ورغم توتر العلاقة بينهما بعد الهجوم على سفينة مافي مرمرة ومقتل تسع مواطنين أتراك.
إلا ان الدولتان واصلت إقامة العلاقات الاستراتيجية، والتجارية والعسكرية والأمنية، ولم تقطع هذه العلاقات التي بدأت منذ قيام دولة "إسرائيل". وشملت العلاقات التركية الإسرائيلية اتفاقات سرية وعلنية، وبلغ التبادل التجاري بينهما معدل ستة مليارات دولار في العام، وارتفع خلال السنوات الخمس الأخيرة رغم القطيعة السياسية والدبلوماسية.
تركيا مثلها مثل جميع الدول العربية تاجرت بالقضية الفلسطينية ولا تزال تتاجر وفق مصالحها ومصالح الأنظمة العربية الاستبدادية، وإذا كان العرب قد تاجروا ومقصرين في الدفاع عن القضية الفلسطينية وعن مصالحهم في منطقتهم وأردوغان أدرك خطأه بعد أن جرب الغرق في المستنقع السوري، المنطقة العربية تغلي وتعيش حال الانفجار المستمر، وغير مضمون أن تنجو أي دولة عربية من عدم الاستقرار والانفجارات القادمة كما يجري في سورية والعراق والبحرين واليمن وليبيا ومصر وضعها قلق.
كل ذلك يجري والحديث عن ما يسمى الحلف السني والذي تحاول "اسرائيل" وضع نفسها في مركزه، وما تتناقله وسائل الاعلام عن تطبيع علاقات عربية اسرائيلية علنية خاصة مع السعودية التي تقود تسوية إقليمية في مواجهة إيران و"إسرائيل" تعول على دور لتركيا، وما يجري من تطور كبير في العلاقة بين روسيا و"إسرائيل" وما ينقله الاعلام العبري عن علاقة مميزة بين البلدين والدور الذي تلعبه روسيا في سورية لصالح "إسرائيل".
منذ البداية لم أكن اتوقع من تركيا أن تكون دولة ثورية تصطف مع الدول الفقيرة والضعيفة وتدعم حقها في الاستقلال سياسياً وعسكرياً، وجل ما تقوم به خاصة مع الفلسطينيين هو الدعم الإنساني والسياسي والقانوني في الأمم المتحدة، وما يقوم به المجتمع الدولي من مبادرات سياسية لحل القضية الفلسطينية.
نحن الفلسطينيون أخر من يتحدث عن تطبيع العلاقات من جديد بين تركيا و"اسرائيل" والمزايدة على أي طرف ونحن من يطبع العلاقات مع "اسرائيل"، والفصيلين الرئيسيين فتح حماس كل له اجندته واصطفافه الاقليمي، ربما من حق الفلسطينيين الغضب من تركيا خاصة أنها دولة إسلامية ولها نفوذ اقليمي كبير في المنطقة وإعادة تطبيع العلاقات مع "اسرائيل"، لكن يظل المطلوب من الفلسطينيين الابتعاد بقضيتنا عن الاصطفافات الإقليمية والدولية وعدم الزج بها فيما يجري.