في ذورة الجدل واستطلاعات الرأي بان الهبة أو الانتفاضة الشعبية التي تدخل شهرها الثامن في طريقها الى الخفوت والموت التدريجي، جاءت عملية الشهيد ابو سرور في احد الباصات الصهيونية قبل حوالي خمسين يوماً في المنطقة القريبة من مستعمرة ابو غنيم لتقول بأن حالة الخفوت لا تعني موت الانتفاضة أو قرب نهايتها، بل هي تنتقل من طور الى آخر وتعلو حيناً وتخبو حيناً آخر ارتباطاً بما يجري على الأرض، وتصاعد حالة القمع والتنكيل والعقوبات الجماعية التي يتخذها ويمارسها الاحتلال بحق شعبنا الفلسطيني.
وكذلك يبدو واضحا ان الاشتباك الانتفاضي يأخذ اشكالاً متعددة ويرتقي الى اطوار اعلى، كلما نضج الفعل الانتفاضي وتراكم في أرض الواقع، ولعل عملية الانتقال الى النار التي قام بها الشهيدان مخامرة في قلب "تل أبيب" شكلت تطوراً نوعياً في العمل الانتفاضي الفلسطيني من حيث الجرأة والإعداد والتخطيط والتنظيم والتوقيت والمكان.
العملية نفذت في قلب "تل بيب" وبالقرب من وزارة الجيش، وما يحمل ذلك من معانٍ ومضامين ودلالات بتحدي ليبرمان وزير جيش الاحتلال ورئيس "الشاباك" الصهيوني. ليبرمان هذا المتبجح دوماً بأن القوة وحدها هي من تكسر وتحطم وتهزم إرادة المقاومين والعرب والفلسطينيين. كيف لا؟؟ وهو من دعا الى تدمير سد أسوان وتحويل غزة الى ملعب كرة قدم، وسن قانون إعدام الإسرى الفلسطينيين، واجتياح قطاع غزة وتصفية قادة المقاومة هناك، وضم مناطق (ج) من الضفة الغربية لدولة الاحتلال.
هذه العملية أتت في ذورة الفرح الغامر الذي يعيشه اليمين الصهيوني، بتعيين ليبرمان وزيراً للجيش وفشل مؤتمر باريس الإقليمي، والتطور اللافت في العلاقات الروسية – الإسرائيلية، وهي بذلك شكلت ضربة قوية لنظرية الأمن الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية.
أما الإجراءات والقرارات الصهيونية التي اتخذت بعد هذه العملية فقد جاءت لتقول بمحدودية القوة الإسرائيلية، وبأن تلك العقوبات لا تخرج عن النسق المتوقع، وبصرف النظر عمن يقود السياسة الأمنية الإسرائيلية، عاقلا كان مثل يعلون، او مجنونا مثل ليبرمان.
الاحتلال بأجهزته الأمنية وبكل ما يمتلكه من خبرات وأجهزة تجسس وتكنولوجيا متطورة، وعمليات تنسيق امنية مع السلطة، بدا غير مسيطر على الوضع او لا يمتلك المعلومات الكافية عن الوضع الأمني في الضفة الغربية. كما أن هناك عجز في وقف أو رصد ما يطلق عليها "عمليات الذئاب" الفردية والعفوية، بعكس العمليات التي أتت في إطار تنظيمي، فهي تتمكن من إحباط معظمها قبل تنفيذها.
فأبو سرور، رغم الحديث عن كونه عضوا في كتائب القسام، ولكن المبادرة للتنفيذ لم تكن بقرار تنظيمي كما ظهر لاحقاً، وكذلك عملية ابني العم مخامرة، فعمليتهما تحتاج الى جهد من حيث تصنيع السلاح والتدرب عليه ونقله للداخل الفلسطيني ورصد وتحديد المكان أيضاً. كلها تطرح أسئلة امام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المستنفرة أصلاً من طراز، هل هذا يعني انتقال الهبة الجماهيرية الى تطور وشكل نضالي أعلى؟؟ وهل سيشكل هذا العمل الفدائي نموذجاً سيحتذي به آخرون، والمسألة فقط مسألة وقت؟؟؟ أم ان ما حدث عابر ولا يمكن تعميمه؟؟
هذه العملية شكلت الاختبار الأول بالنار لـليبرمان، والذي قال بأن الردود على مثل هذه العمليات لن تكون بالأقوال بل بالأفعال في الميدان.
وفي هذا السياق أصدر قراراً بمنع تسليم جثث الشهداء الذين يهاجمون أو يقتلون مستوطنين وجنود، رغم أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان عقب عملية دفن الشهيد علاء أبو جمل اتخذ قراراً بعدم تسليم جثث الشهداء، تحت حجج وذريعة ان أكثر من (200) مواطن من أهالي جبل المكبر هتفوا للشهداء على مقبرة جبل المكبر.
وكذلك، فإن ردود الفعل لا تنحصر في الجانب الميداني، بل تتخطاه إلى جوانب سياسية محلية وإقليمية ودولية. إذ لا يمكن تجاهل محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الإقناع بأنه يرغب في السلام مع المحيط العربي على أرضية مبادرات إقليمية سواء كانت مصرية أو سعودية، كنوعٍ من الرد على المحاولات الدولية لتحريك التسوية. ولهذا السبب، فإن الكثير سوف يُعتمد على الإجراءات التي سيقدم عليها الجيش الإسرائيلي.
المعلق السياسي لـ "يديعوت"، ناحوم بارنيع، كتب أمس أن "بأن الشائعات عن انطفاء الانتفاضة الحالية كانت سابقة لأوانها. فالبندقية المصنوعة محلياً حلت محل سكين المطبخ، لابسو البدلات حلوا محل فتيان المدارس، ولكن الإرهاب لا يزال هنا فتاكاً كما كان دوماً".
ولاحظ بارنيع أنه "إذا ظن احدٌ ما أن تولي افيغدور ليبرمان وزارة الجيش سيجلب معه فعل سحرٍ يحّل المشكلة، فعليه أن يعيد التفكير. شيءٌ واحدٌ فقط تغّير في الطقوس التي تُرافق كلّ عملية: هذه المرة، لن نسمع ليبرمان يتهم الحكومة بالعجز والاستسلام للإرهاب".
المعلقون السياسيون والكتاب الإسرائيلين قالوا إن "انخفاض "العنف" في الشهور الماضية حَدث بفضل مزيجٍ من السياسة الحازمة للجيش و"الشاباك"، وتجنب العقوبات الجماعية في المناطق وتوثيق التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية. وهذا مزيجٌ فائق الحساسية يسهل جداً تخريبه بتصريحات غير حذرة. وفي الأيام القريبة، سيتبين إن كان ليبرمان انتهج سياسة مغايرة لتلك التي انتهجها سلفه، موشي يعلون.
على كل ما نخلص إليه بأن الاحتلال ما دام موجودً،وما دام يمارس القمع والبطش والتنكيل والعقوبات الجماعية،ويسن القوانين والتشريعات العنصرية،وصادر حرية شعب وحقه في تقرير مصيرة والإنعتاق من الاحتلال،فإن جذوة وشعلة الإنتفاضة لن تموت ولن تنطفىء.
ما نخلص إليه بأن الاحتلال ما دام موجودا، وما دام يمارس القمع والبطش والتنكيل والعقوبات الجماعية، ويسن القوانين والتشريعات العنصرية، وصادر حرية شعب وحقه في تقرير مصيرة والانعتاق من الاحتلال، فإن جذوة وشعلة الانتفاضة لن تموت ولن تنطفىء.