شبكة قدس الإخبارية

في مخيم اليرموك.. الحياة مقابل الغذاء وقطع القماش للحماية

٢١٣

 

هيئة التحرير

دمشق - قُدس الأخبارية: يعتمد اللاجئون الفلسطينيون بمخيم اليرموك في جنوب دمشق على المساعدات الغذائية للعيش في ظل الأزمة السورية المتواصلة منذ سنوات، لكن الوصول إلى تلك المساعدات قد يكلف المرء حياته.

ففي ظل القتال المتواصل بيني تنظيمي "داعش" وجبهة النصرة للسيطرة على المخيم المحاصر أصلا من قوات النظام السوري والفصائل الموالية لها، عجزت الأمم المتحدة منذ أكثر من عام عن إيصال المساعدات، ولذلك فهي توفرها بدلا من ذلك في مناطق مجاورة.

وفي الرحلة إلى نقطة الحصول على المساعدات، لا تتوفر للسكان في بعض المناطق أي حماية من رصاص القناصة إلا قطع قماش سميك تتدلى بين المباني، ولا يميز القناصة عادة بين المقاتلين وغيرهم.

وبعد أن يجتاز سكان المخيم هذا التحدي يتعين عليهم عبور نقطة تفتيش أقامتها "داعش"، تسيطر بها على الطريق الواصل إلى بلدة يلدا المجاورة، حيث تتولى وكالة "الأونروا" ومنظمات أخرى تسليم المساعدات حينما يتسنى لها ذلك.

ويصف "محمود" وهو اسم مستعار لشاب عشريني من المخيم هذه الرحلة التي يقوم بها ثلاث مرات أسبوعيا قائلا: "أخرج من منزلي وأجد نقطة تفتيش على بعد كيلومتر تقريبا، أغلب الشوارع في المخيم تقع في مرمى نيران القناصة من الجانبين، يكون علي أن أحذر منهم، يمكنني الركض في بعض الشوارع ولا يسعني في البعض الآخر سوى السير".

ونزح عشرات الآلاف من المخيم منذ اندلاع الحرب، لكن مئات السكان لا يزال يملكون جرأة القيام بنفس الرحلة.

وأقيم مخيم اليرموك قبل عشرات السنين كواحد من مخيمات كثيرة أقيمت في المنطقة بعد النكبة، من أجل إيواء الفلسطينيين الذين هجّروا من منازلهم. واليوم يكاد مخيم اليرموك يضيق بساكنيه من اللاجئين الأصليين، هذا عدا عن بعض السوريين الذين شردتهم الحرب فسكنوا بالمخيم.

ويوضح محمود، أن الأوضاع ساءت بشدة في الفترة الأخيرة، مبينا أن القتال لا يمتد لمنطقة أخرى بل يتركز داخل المخيم، وأن المقاتلين لا يترددون في حرق المنازل وإن كان سكانها بداخلها لعرقلة تقدم الطرف الآخر، كما يقول.

وفي يلدا المجاورة للمخيم ويقصدها السكان بحثا عن الطعام، يسيطر مقاتلون من "الجيش السوري الحر" على المنطقة التي ترتبط خطورة الطريق إليها بسخونة المعارك هناك، كما يقول شاب آخر من المخيم يقدم نفسه باسم "يوسف"، مبينا أن السكان في مناطق القتال يحتمون بقطع قماش سميكة أو بالأرصفة أسفل البنايات.

فيما يقول شاب ثالث من المخيم يقدم نفسه باسم محمد، "إذا رغب أحدهم في مغادرة منزله للحصول على بعض الماء فقد لا يعود.. قد يدفع المرء حياته ثمنا للحصول على كسرة خبز أو بعض الطعام".

ويشير المرصد إلى السوري لحقوق الإنسان إن تنظيم "داعش" يسيطر على ثلثي مساحة مخيم اليرموك تقريبا، مبينا أن عددا كبيرا من المدنيين قتلوا خلال الأسابيع الماضية.

ولا يخاطر كثيرون بالخروج للشارع، إذ يقول أبو أنس وهو عامل سابق: "كثير من الناس يكتفون بالجلوس في منازلهم.. نحن عالقون هنا وعالقون في المخيم"،

ويضيف، "الماء قليل جدا والوقود قليل. نحصل على المساعدات بالأساس من الأونروا.. لا نحصل على الكثير لكنهم أملنا الرئيسي.. كل 20 يوما نحصل على حزمة تكفي بالكاد عائلة واحدة".

ويوضح أبو أنس أن هذه الحزمة تتكون من أربعة كيلوجرامات من العدس وخمسة كيلوجرامات من السكر وكيلوجرام واحد من المعكرونة وعلب طماطم.

وقد يتسبب القتال في إغلاق نقطة التفتيش لأيام. لكن إذا تسنى للسكان العبور يصبح بمقدور محمد ويوسف وغيرهما شراء أشياء أخرى يمكنهم دفع ثمنها من أكشاك صغيرة في يلدا قبل العودة.

وحتى الحصول على مساعدات فإن قطع الكيلومترات القليلة من دمشق إلى يلدا مرورا بمناطق تسيطر عليها الحكومة وأخرى تسيطر عليها المعارضة، يتطلب حديثا مضنيا مع السلطات المحلية ووجهاء وقادة من طرفي الصراع.

وقال كريس جانيس المتحدث باسم الأونروا: "داخل اليرموك دأبت القوات المتحاربة على استخدام ذخائر كبيرة دون تمييز. من غير المقبول على الإطلاق أن يجد أناس تساعدهم الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين أنفسهم في هذا الوضع في عاصمة بلد عضو بالأمم المتحدة".

وفي ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء والماء يلجأ الناس لاستخدام المولدات وشرب ماء يباع على ظهر شاحنات، يقول السكان إنها تسلك طريقا مختلفا من أجل الوصول.

وقال "يوسف" إن الماء الذي يستخرج من آبار بعيدة ملوث ولا يمكن استخدامه إلا للاستحمام.

وبين آلاف ممن نزحوا في موجة هجرة من مخيم اليرموك، بحث البعض عن ملجأ داخل سوريا بينما قصد آخرون دولا مجاورة أو أوروبية.

وقال عامل إغاثة في مؤسسة "جفرا" التي ترصد أوضاع حقوق الإنسان في المخيمات الفلسطينية بسوريا، إن المئات تركوا المخيم خلال الأسابيع الماضية فقط.

وكان عدد الفلسطينيين من ساكني المخيم قبل الحرب 160 ألفا، مقابل ثلاثة إلى ستة آلاف فقط في الوقت الحالي.

لكن رغم ذلك فإن "محمود" الذي فقد والدته قبل ثلاث سنوات إثر قصف لقوات النظام، يؤكد أنه سيبقى في المخيم، مضيفا، "بيتي هنا وأبي يعيش هنا. حين أذهب إلى يلدا أشعر أني نازح. اليرموك مخيمي.. لن أتركه أبدا".

المصدر: وكالة رويترز (بتصرف)