أحيا الملايين من الفلسطينين الأسبوع الماضي الذكرى الـ68 على النكبة والكارثة التي حلت بفلسطين، والتي بدونها لم يكن بإمكان "إسرائيل" أن تدخل إلى حيز الوجود.
ونظم لاجئون فلسطينيون في صحراء النقب وغزة والضفة الغربية بالإضافة إلى العديد من مخيمات اللاجئين في الدول العربية المجاورة مسيرات رمزية "مسيرات العودة" للتأكيد على عزمهم عدم الاستسلام أو التنازل عن حق العودة. فيما اكتسبت مسيرة العودة في النقب أهمية خاصة حيث نظمت في تحد للحظر الإسرائيلي على إحياء أي ذكرى للنكبة.
على الصعيد العالمي انضم حلفاء وانصار الفلسطينيين في إحياء ذكرى النكبة ونظموا عدداً من المسيرات وعروض وناقشوا عدداً من الأفلام الوثائقية التي تعمل على التذكير المحزن بالمجازر وعمليات التطهير العرقي والطرد التي عانى منها الفلسطينيون في عام 1948 وما زالوا يعانون منها حتى الآن.
أحد التعابير التي ارتبطت بالنكبة وفعاليات إحياء ذكراها هو أنها "مستمرة"، لكن مع الإقرار بأن كمية البؤس الكبيرة هذه لم تمنع من تواجد بصيص أمل وتفاؤل بالواقع يبرق في ذهن الفلسطينيين ليمكنهم من التغلب على الصعوبات هذه.
ويأتي هذا الأمل من الواقع المتعلق بالأنباء المتداولة عن التحول الحاصل في الخطاب، والذي أدى إلى تمزيق الرواية الصهيونية التي صورت "إسرائيل" بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. فـ"اسرائيل" باتت مفضوحة بعدد لا يحصى من الجرائم البشعة.
وبات الجميع يعلم حقيقة العقيدة العنصرية الصهيونية التي تقوم على تفضيل أعضاء إحدى المجموعات العرقية والدينية وإضطهاد السكان الأصليين الذين لا يملكون اي جرم سوى أنهم لا ينتمون لتلك الجماعة العرقية المعينة.
اليوم في "إسرائيل" يوجد أكثر من 50 قانون تكرس التمييز ضد غير اليهود، فضلاً عن البنية الاجتماعية بأكملها، والتي تقوم أساساً على حرمان غير اليهود واضطهادهم.
وقادة "إسرائيل" باتوا يعترفون صراحة بأن الشكل الحالي للدولة قائم بشكل أساسي على الفصل العنصري المؤسسي، ولم يتوانى رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية "آشر غروينيس" في توضيح الأمر بكل بجاحة حين أكد أن حقوق الإنسان للفلسطينيين تمثل وصفة للانتحار الوطني الاسرائيلي.
وكما تتجرد "إسرائيل" من مشاعرها الإنسانية، تعمل "إسرائيل" أيضاً على تجريم السكان الأصليين وتضييق الخناق بشدة على حرية التعبير، وهكذا كان الحظر على فعاليات ذكرى النكبة. فـ"إسرائيل" ترفض "السماح" لمواطنيها بالتحدث عن الطرد أو المجازر أو انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني التي هي في الأساس عماد الدولة اليهودية.
ووضعت الشاعرة دارين تاتور تحت الإقامة الجبرية لكتابتها أشعارا تمجد المقاومة. فيما تعتقل "اسرائيل" عماد البرغوثي عالم الفيزياء الفلكية بسبب منشورات قام بنشرها على حسابة في فيسبوك.
لم تتوانى "إسرائيل" عن سجن محمد فيصل أبو سخا وهو المهرج الشاب الذي يدرس مهارات السيرك للأطفال ذوي الإعاقة، بدون توجيه أي تهمة له، ولعل تهمته كانت أنه يساعد الأطفال على الضحك. والآن تهدد "إسرائيل" بسحب الإقامة من عمر البرغوثي المؤسس المشارك في حملة المقاطعة الدولية للمنتجات الإسرائيلي.
لكن الحملة الصهيونية على الحريات باتت تتجاوز حدود فلسطين التاريخية، فعامل عدم الاستقرار في جميع انحاء الشرق الأوسط والذي بدأ بغزو أمريكا للعراق شهد دعماً وتوجيهاً من "إسرائيل"، بل ان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة قالت إن غزو العراق جاء بسبب القلق الإسرائيلي في المقام الأول.
فيما عانت إيران لسنوات بسبب الضغوط الإسرائيلية على امريكا، وواحد من أهم أسباب سخط المعارضين على حكومات مصر والأردن كان تواطؤ هذه الحكومات مع "إسرائيل" بشكل أو بآخر.
الصهيونية تملك تأثيرات واسعة علينا أينما ذهبنا، فهدية فراق الرئيس أوباما لـ"إسرائيل" - وهو الذي لم يحظى باحترام كبير من قبل قادتها - كانت حزمة من المساعدات يقال أنها أكبر من أي حزمة سابقة.
وتأتي هذه المساعدات في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة الأمريكية بخفض ميزانية الخدمات الاجتماعية في أمريكا، والعديد من المدارس لم تعد تملك ممرضات أو أمناء مكتبات في المكان. فيما تحتل نفقات العلاج صدارة الأسباب التي تودي بالأمريكيين إلى الإفلاس حتى بعد قانون الرعاية الذي أقره أوباما مؤخراً.
في أمريكا، هناك عدد متزايد من دافعي الضرائب يؤمنون أن أموال ضرائبهم يجب أن تتوجه نحو هذه الحاجات وليس لدعم "اسرائيل" وتمويل انتهاكاتها بحق الانسان الفلسطيني وحقوقه.
والتأثير الآخر للصهيونية يأتي بثوب قدرة "إسرائيل" على حرمان أي شخص عادي من حقوقه العادية حول العالم كحقه في التعبير وحريته في ذلك.
فعلى سبيل المثال، احتجزت امرأة في فرنسا بسبب ارتدائها قميصاً يحمل شعاراً مؤيداً لحملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، أما ألمانيا فقد تم إلغاء مناقشة سياسية مع الناشط روني باركان قبل خمسة أيام من الموعد المحدد للمناقشة، وذلك لدواعٍ أمنية، حيث هددت مجموعة مجهولة بعرقلة الحدث خاصة أن باركان مؤيد صريح لحقوق متساوية للجميع داخل بلده "إسرائيل".
وتتنوع الأحداث التي ترتبط بتحجيم وحد حريات التعبير في مختلف المناطق بين كندا والولايات المتحدة، والتي شهدت حملات ضغط على جماعات مختلفة ودور نشر وطباعة بحيث اضطرت شركة "ماكجرو هيل" المشهورة لإتلاف كتاب طبعته يثبت الحق الفلسطيني في أرض فلسطيني التاريخية.
وباتت فعلاً القسوة الرقابية الصهيونية في الولايات المتحدة تذكرنا بسياسة تكميم الأفواه التي تتبعها أكثر الدول دكتاتورية حول العالم. فمن ضمن ما حدث أن قائمة باسماء الطلاب الناشطين في مجال المقاطعة سلمت للأساتذة في الجامعات وأرباب العمل لحرمان الطلاب هؤلاء من أي منحة دراسية وتشويه صورتهم على أنهم معادون للسامية.
ومع ذلك، يبدو ان الاجراءات القمعية هذه لم تثمر سوى مزيداً من المقاومة لإجراءات الصهيونية في ضغطها على المعارضين لها، وهو ما أكدته نشاطات وتحالفات مختلفة بحيث أثبتت عزمها على مواصلة دعم حملات مقاطعة الاحتلال ومواصلة الضغط عليه بهدف الانتصار لحقوق السكان الأصليين في فلسطين والوقوف في وجه النظام القمعي الإسرائيلي الذي امتدت سيطرته لتشمل أجزاءً كبيرة من العالم ولم يعد يقتصر على "إسرائيل" وحدها.