تشهد بعض الجامعات الفلسطينية الكبرى في الضفة الغربية الشهر الجاري (نيسان/2016) انعقاد انتخابات مجالس الطلبة لهذا العام. وتتنافس الكتل الطلابية التي تُعَدُّ امتدادات للحركات السياسية الفلسطينية على مقاعد مجالس الطلبة، وتُعَدُّ الكتلة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فيما تُعَدُّ الشبيبة الطلابية امتدادًا لحركة فتح، ويُمَثِّل القطب الطلابي الديمقراطي التقدمي الجناح الطلابي للجبهة الشعبية، بينما تُمَثِّل الرابطة الإسلامية الجناح الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي. وتُعَدُّ هذه الانتخابات مهمة، ليس على صعيد الطلبة فحسب، وإنما لصانعي القرار السياسي، كونهم يدركون أنها تعدت كونها انتخابات طلابية إلى استمزاج الميول السياسية لطلبة الجامعات. ويكفي التجول بين تصريحات قيادات الأحزاب السياسية الفلسطينية بُعيد كل انتخابات لنتعرف إلى مدى أهمية نتائجها في إعطاء مؤشرات على شعبية تلك الأحزاب والالتفاف حول نهجها السياسي على حَدِّ تعبيرهم.
الفرصة السياسية المتاحة ودورها في نتائج الانتخابات
نقصد هنا بالفرصة السياسية المتاحة مقدار الانفتاح في الظروف السياسية الفلسطينية. وتتأثر الفرصة السياسية في البيئة الفلسطينية في الضفة الغربية بعاملين رئيسين هما الاحتلال وسياساته وأهدافه، والسلطة الفلسطينية وسياساتها كذلك. وتُعَدُّ الفرصة السياسية المتاحة في الضفة بيئة مغلقة وليست مفتوحة؛ بمعنى أن هناك تضييقًا شديدًا على الأحزاب المعارضة من قِبَل اللاعبَيْن الرئيسين كما سبق وذكرنا: الاحتلال والسلطة الفلسطينية.
وعلى صعيد تضييق السلطة الفلسطينية على الحركة الطلابية في الضفة، لا سيما المعارضة لاتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني؛ يوثّق تقرير أعده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان 1274 حالة اعتقال تعسفي في الضفة الغربية منهم 476 طالبًا جامعيًا، إضافة إلى 1089 استدعاءً تعسفيًا، للطلاب وغيرهم، في العام 2015 فقط.
أما على صعيد الاحتلال، فقد كان العام 2015 هو الأسوأ في اعتقال الفلسطينيين الذين بلغ عدد المعتقلين منهم في هذا العام وحده 6815 فلسطينيًا، حسب تقرير نادي الأسير الفلسطيني. وقد كانت الحملة الأكبر على نشطاء الحركة الطلابية الذين كانوا يُعتقلون بالجملة. وقد أدانت جامعة بيرزيت اعتقال 90 طالبًا من طلبتها، كان أبرزهم في الحملة الأخيرة رئيس مجلس طلبتها سيف الإسلام دغلس وعدد من أعضاء مجلس الطلبة. وفي نهاية كانون أول/ 2015 اعتُقل 25 طالبا من الكتلة الإسلامية في جامعة أبو ديس بزعم محاولتهم القيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال. أما في جامعة البوليتكنيك فقد تم اعتقال مجموعة من أعضاء مجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية بمجرد الإعلان عن تشكيل المجلس وهم سكرتير اللجنة المالية علاء الحروب، وسكرتير لجنة العلاقات العامة إبراهيم سلهب، وسكرتير لجنة التخصصات مؤمن تعامرة، وحاتم الجنيدي وعبادة الهشلمون عضوا مؤتمر مجلس الطلبة.وإذا كانت الاعتقالات السياسية في صفوف الحركة الطلابية تُعَدُّ مؤشرًا على تضييق الفرصة السياسية المتاحة للمشاركة من خلال استنزاف الكادر البشري، فإن استنزاف الموارد المادية والعينية للحركة الطلابية يعد عاملاً آخر من عوامل الضغط عليها وإضعاف تأثيرها. وقد قامت قوات الاحتلال باقتحام الحرم الجامعي لجامعة بيرزيت ومصادرة محتويات المخازن الطلابية وإتلاف ما تبقى من ممتلكاتها، ثم تكرر ذات الفعل في كل من الجامعة الأمريكية وجامعة البوليتكنيك، وقامت أخيرًا باقتحام جامعة القدس (أبو ديس) وتحطيم محتويات معرض الطالبات الضخم الذي افتتحته الكتلة الإسلامية في الجامعة. بينما قامت السلطة الفلسطينية بمداهمة مخازن الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح ومصادرة محتويات وممتلكات تقدر بعشرات آلاف الشواقل.
ادارات الجامعات ودورها في إنجاح العملية الانتخابية
إن المطَّلع على البنية الإدارية للجامعات الفلسطينية الكبرى في الضفة الغربية يلحظ مدى تأثيرها على سلاسة الحراك الطلابي بأجنحته كافّة وسلامة العملية الانتخابية التي تجري بين أروقتها. فبينما تتمتع جامعة بيرزيت، أشهر الجامعات الفلسطينية، باستقلالية نسبية جيدة في اتخاذ القرارات بعيدًا عن الضغط السياسي والأمني بشكل خاص، وتنتظم فيها العملية الانتخابية بشكل سنوي، إضافة إلى مساحة جيدة من الحرية لممارسة النشاطات الطلابية السياسية والثقافية والفكرية بكل أنواعها، فإن جامعة مثل جامعة النجاح الوطنية، أكبر الجامعات الفلسطينية من حيث عدد الطلبة، لم تنتظم فيها الانتخابات منذ العام 2013 لأسباب ليست واضحة تمامًا، حيث يرجِّح مؤيدو الكتلة الإسلامية أن السبب يعود إلى تغول الأجهزة الأمنية في الجامعة وتبعيتها السياسية العالية نسبيًا لحركة فتح التي يبدو أنها تراقب مؤشرات احتمالية ارتفاع نسبة تأييد الكتلة الإسلامية في أروقة الجامعة.
ويلحظ المتابع لنهج إدارة جامعة القدس (أبو ديس)، التي كان رئيسها سري نسيبة أحد أبرز منظري عملية التسوية السياسية، ميلها لتحجيم الكتل الطلابية المناوئة للتسوية السياسية، وعلى رأسها الرابطة الإسلامية والكتلة الإسلامية، التي كثيرا ما وصفها رئيس الجامعة بالتشدد والرجعية، كما ورد في مذكراته الشهيرة "كان لنا وطن: حكاية فلسطيني". أما جامعة الخليل التي تُعَدُّ أكبر جامعات جنوب الضفة الغربية، ففي سابقة هي الأولى من نوعها؛ أقامت الإدارة استفتاء حول إقامة انتخابات طلابية في الجامعة هذا العام، بعد أن كانت الانتخابات فيها تقام كل عام كما هي عادة الجامعات الفلسطينية. وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح إجراء الانتخابات في موعدها. على الرغم من ذلك أصدرت الجامعة قرارًا بالتأجيل للفصل الدراسي القادم. وقد اعترضت الكتل الطلابية كافَّة على هذا القرار، وطالبت بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
الأداء النقابي ودوره في حسم النتائج
إن الدراسات التي أُجريت حول أهم العوامل التي يعتمدها الطلبة في اختيار كتلهم الطلابية المُمثلة لهم في مجالس الطلبة تضع الإنجاز النقابي على رأس القائمة قبل الميول السياسية للطالب نفسه والبرنامج السياسي المعروض من قبل الكتل الطلابية؛ حيث يرى 79.4% من الطلبة أن البرنامج النقابي للكتلة التي سينتخبونها هو العامل الأهم في اختيارهم، ويأتي ثانيًا في الأهمية تأييد الطالب لتنظيم سياسي خارج الجامعة بنسبة 71.7%، ثم يليه البرنامج السياسي للكتلة الطلابية المنتخبة بنسبة 64.5%.
وقد تنافست الكتل الطلابية هذا العام على إرضاء الطلبة بتنوع نشاطاتها النقابية كمًّا ونوعًا. فقام مجلس طلبة بيرزيت الذي ترأسه الكتلة الإسلامية بحملات التوصيل المجاني والتصوير المجاني وخصم 90% من أسعار الكتب، وتوفير سيارة إسعاف للجامعة وتأمين مدافئ خاصة بالسكنات، وعقد فعالية أسبوع فلسطين، بل وصل الأمر لعمل خصومات لمن أراد تعلُّم السياقة. كما قام مجلس طلبة البوليتكنيك الذي ترأسه الشبيبة بمهرجان استقبال الطلبة الجدد وبطولة الشطرنج وتخفيضات على بعض الفحوص الطبية لطلبة الجامعة إضافة إلى دورات تخصصية في بعض المواد.
وقد قامت الكتل الطلابية بنشاطات خاصة بها بعيدًا عن مظلة المجلس؛ فقامت الشبيبة الطلابية في بيرزيت بتوزيع كوبونات للإفطار المجاني في شهر رمضان، كما قامت بمعرض "فلسطينية الجذور" التراثي، وقامت بدوري شهداء انتفاضة القدس في جامعة البوليتكنيك.
بينما قامت الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح بإقامة أسبوع الشهداء، وبرنامج التصويت الغنائي انتفاضة فويس "صوت الانتفاضة"، ومعرض القمر السجين الذي جُسِّدت فيه حياة الأسرى.
وقد ركَّزت الكتلة الإسلامية في هذا العام على نشاطات للطالبات، مثل أسبوع صبايا في جامعة بيرزيت، وأسبوع صبايا البوليتكنيك في جامعة البوليتكنيك، وأسبوع عريشة الياسمين في جامعة النجاح. أما القطب الطلابي فقد أقام معرض "الثوريون لا يموتون أبدا"، وحملة جسور الوحدة لتصوير الكتب في جامعة البوليتكنيك، كما قام في جامعة بيرزيت بإصدار مجلة جدل، إضافة إلى نشاط الكافتيريا البديلة لمحاربة ارتفاع الأسعار.
وقد تشابهت كافة الكتل الطلابية ببعض أنواع النشاطات النقابية، ولو اختلفت في الكمِّ والاستمرارية، من قبيل معارض القرطاسية وتوزيع أسئلة سنوات سابقة على طلبة التخصصات المختلفة وحملات التصوير المجانية أو التخفيض من أسعار الكتب التخصصية، إضافة إلى إجراء بعض المسابقات الثقافية الميدانية.
نشاط الكتل الطلابية في مواقع التواصل الاجتماعي وأثره في نتائج الانتخابات
لقد سعت مختلف الكتل الطلابية في الجامعات الفلسطينية إلى إنشاء صفحات لها على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الفيس بوك. وقد بلغ عدد متابعيها عشرات الآلاف بين طلاب الجامعات وخريجين سابقين. وحتى بداية عام 2016 بلغ عدد متابعي صفحات الكتلة الإسلامية، 30000 متابع لصفحتها في بيرزيت، و28000 متابع لصفحتها في جامعة النجاح، و16000 متابع لصفحتها في جامعة البوليتكنيك، و13300 لصفحتها في جامعة الخليل، و3260 متابعًا لصفحتها في جامعة بيت لحم.
بينما بلغ عدد متابعي صفحات الشبيبة الطلابية حتى بداية العام 2016 في جامعة بيرزيت 3981 متابعًا، وفي جامعة النجاح 2875 متابعًا، وفي جامعة القدس 10207 متابعين، وفي جامعة البوليتكنيك 6372 متابعًا. أما بالنسبة للقطب الطلابي الديمقراطي التقدمي فقد بلغ عدد متابعي صفحته في جامعة بيرزيت 14600 متابع، وفي جامعة البوليتكنيك 2404 متابعين.
ويعقب الأستاذ محمد أبو الرب على دور مواقع التواصل الاجتماعي في حسم آراء الطلبة الانتخابية في الانتخابات السابقة أن الكتلة الإسلامية في جامعات الضفة الغربية كافّة، أدارت مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بها بحرفية عالية على مدار العام الدراسي وقد كانت هذه الإدارة أحد أبرز عوامل تقدم الكتلة الإسلامية في الانتخابات، على عكس الكتلة الطلابية المنافسة التي استخدمت مواقع التواصل الاجتماعي "بغباء" أفقدها الكثير من المقاعد على حد تعبيره.
ونظرًا لأهمية مواقع التواصل الاجتماعي المتزايدة في التواصل مع الجمهور الفلسطيني في الهبّة الشعبية المندلعة منذ شهور، إضافة إلى دورها في ربط الكتل الطلابية بطلبة الجامعات، فقد قام الاحتلال بتشكيل وحدة "سايبر العربية" لملاحقة شبكات التواصل الاجتماعي. ومن إنجازات هذه الوحدة أنها قامت بالتبليغ عن كافة مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالكتلة الإسلامية في جامعات الضفة الغربية ممّا أدّى إلى إغلاقها قبيل فترة الانتخابات الطلابية لهذا العام.
خامسًا: الطالبات يدخلن على خط المواجهة المباشرة
لا شك أن وتيرة مشاركة الفتيات في مقاومة الاحتلال بشكل مباشر قد ارتفعت في الهبّة الأخيرة أو ما يعرف بالانتفاضة الفلسطينية الثالثة. لكن الشريحة التي ركَّز عليها هذا التقرير هي الطالبات الناشطات نقابيا وطلابيا لا تلك اللواتي قمن بأعمال مقاومة بشكل فردي.
ويبدو أن الاحتلال في الآونة الأخيرة يحاول أن يضغط على الطالبات، اللواتي تفوق نسبتهن النصف من طلبة الجامعات، بالبقاء بعيدا عن أي حراك طلابي أو نشاط نقابي أو سياسي.
ومن الإجراءات التي قام بها الاحتلال في العام الماضي في سبيل ثني الطالبات الناشطات عن الانخراط في العمل النقابي المباشر؛ تسليم قرار بالإبعاد للطالبة في جامعة البوليتكنيك لبابة الهريني عضو مؤتمر مجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية ومنعها من الاقتراب من الجامعة كإجراء عقابي لانخراطها في النشاط النقابي في الجامعة.
ومن ذلك أيضا اعتقال الطالبة أسماء قدح، الناشطة الطلابية وسكرتيرة اللجنة الثقافية في مجلس الطلبة عن الكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت، ووضعها رهن الاعتقال الإداري لمدة ثلاثة أشهر. لكن الطالبات لم يتراجعن، بل تقدمن خطوة للأمام وذلك بتعيين الطالبة إستبرق التميمي كعضو في مجلس الطلبة بالنيابة عن قدح، إضافة إلى تعيين الطالبة سندس قرط رئيسة مؤتمر مجلس الطلبة كسابقة في تاريخ الجامعة.
كما قامت السلطة الفلسطينية باستدعاء الطالبة في جامعة البوليتكنيك آلاء مناصرة واحتجازها لمدة سبع ساعات، إضافة إلى اقتحام منازل الطالبات براءة المسالمة وسجود دراويش ورباب القواسمة وعائشة أبو سيف وصفاء عبد النبي وإسراء لافي وسلسبيل شلالدة، ليتم اعتقال الأخيرة قبل أيام من قبل سلطات الاحتلال، وهي عضو مجلس الطلبة في جامعة البوليتكنيك عن الكتلة الإسلامية وذلك قبيل أيام من إجراء الانتخابات الطلابية.
سادسًا: خلاصة واستنتاج
من غير المتوقع أن تجري الانتخابات في جامعة النجاح، وسيتم إيجاد مبررات لتأجيلها كما في السنوات الثلاث الماضية، بينما من المتوقع أن تسير الانتخابات بشكل طبيعي في جامعات أخرى مثل بيرزيت والبوليتكنيك وربما في الخليل، مع محاولة بعض الأطراف التأثير على نتائج الانتخابات مسبقًا من خلال حملات الاعتقال المتسارعة لكوادر من الكتلة الإسلامية من المتوقع مشاركتها بفاعلية في الانتخابات، إضافة إلى محاولة التأثير على رأي الطالبات من خلال الضغط والتهديد بالاعتقال.
إن الظروف السياسية المتاحة لأطراف الحركة الطلابية المتنافسة في الانتخابات القادمة ليست متكافئة كما سبق وبيَّنت الباحثة في هذا التقرير؛ فبينما يتمتع البعض بهامش حرية اكتسبها بسبب تأييده السياسي لمواقف السلطة الحاكمة، إضافة إلى انخراط بعض أعضائه في الجسم الأمني لهذه السلطة، يظل الطرف الآخر محصورًا في الهامش الضيق المتاح له بعد الاعتقالات المتزايدة والاستدعاءات المتكررة من قِبَل السلطة الفلسطينية من جهة، وقوات الاحتلال من جهة أخرى.
ووفقا للإنجازات النقابية للكتل الطلابية، إضافة للظروف السياسية في فلسطين، فمن المتوقع أن تحافظ كل من الكتلة الإسلامية والشبيبة الطلابية على موقعهما، وقد تتابع الكتلة الإسلامية تقدمها ببطء كما في الأعوام الثلاثة الماضية إذا ما حافظت تلك الجامعات على الحد الأدنى من تأمين العملية الانتخابية من التدخلات المباشرة.
*هذا البحث أعد لـ مركز رؤية للتنمية السياسية