شبكة قدس الإخبارية

بالصور | "تكية غزة هاشم".. حتى لا يبات جائعٌ في غزة

٢١٣

 

هدى عامر

غزة- خاص قُدس الإخبارية: كان حلمًا، متفردًا أيضًا، يلامس أولئك اللواتي خرجن فجرًا متسللات من بيوتهن كي لا تلمحهن الأعين الراصدة، يلتقطن بعض حبات من الخضار والفاكهة من جوانب "البسطات" وبقايا الطعام التالف في الأسواق، فهذا سبيلهن كي لا يبات أطفالهن جوعى، جوعى تمامًا إلا من الصبر.

"وكي لا ينام في غزة جائع" قامت فكرة "تكية غزة هاشم" التي تُعنى بإعداد الطعام وطهوه وتوزيعه على الفقراء وأولئك الذين لا يشتكون حالهم إلا لخالقهم، فيما تبقى جدران المنازل تحتفظ بسر أمعائهم التي تتلوى بعدما هضمت الخبز الجاف الذي تليّن بالماء ليُمضغ

في السنوات العشر للحصار المفروض على قطاع غزة، وإثر نشاطه في العمل الخيري خلالها، شاهد حالات كثيرة يندى لها الجبين بحسب تعبيره، كان أقساها أن تطهو امرأة أمعاء الدجاج لأبنائها كوجبة رئيسة جلبتها من مخلفات محلات الباعة وآخرون قد لينّوا الخبز الجاف بالشاي أو الماء وابتلعوه طعامهم المعتاد.

لم تكن الحالات المذكورة حالات شاذة وحسب، إنما ما يمكن تأكيده بحسب المسئول عن "تكية غزة هاشم" بسام البطة، هو أن الأعداد تتزايد بشكل كبير لتشكل ظاهرة تنذر بالخطر، إضافة إلى أن آلاف الأسر في غزة لا يجدون قوت يومهم ويباتون لياليهم جائعون، مضيفًا "جاء مشروع التكية كاستجابة عاجلة لآلام هؤلاء الناس ومبادرة أولى تتبعها مبادرات".

بدأت فكرة إقامة مشروع لإغاثة الفقراء غذائيًا نظرًا لما يشهده الواقع من صعوبات، بينما جاءت تسميته بــ"تكية غزة هاشم"، امتدادًا لتكايا مشابهة في خليل الرحمن ومدينة القدس المحتلة، ليكون هذا الاسم التاريخي له دلالته وعبقه ومدلوله، فتكية كانت منذ الدولة العثمانية تعنى بحال الفقراء وإطعامهم وغزة هاشم هو اسم غزة التاريخي الجميل، يقول البطة.

أقيمت التكية غرب مدينة غزة، بتبرع من لجان زكاة وفاعلي خير، على أن تتضمن مطبخًا ومعدات للطهو كمشروعٍ يعد الأول من نوعه في قطاع غزة من حيث توجهات العمل الخيري، على أن يقدم وجبات الغداء ليومين في الأسبوع، للعائلات المحتاجة، حيث توزع التكية ما يكفي لإطعام ألف أسرة أسبوعيًا، بواقع 7 آلاف فرد تقريبًا.

وتعمل التكية نهاية الأسبوع ومنتصفه، وتستهدف الحالات الأشد فقرًا وفقًا للجولات الميدانية ومعرفة حالات، إضافة إلى الاستناد على كشوفات وقاعدة بيانات من حملة نافذة الخير لإغاثة غزة وهي مؤسسة شبابية خيرية تطوعية نشطت كثيرًا في المجال الإنساني، يعد مشروع التكية الحالي أحد مشاريعها الحالية

ولأن المجتمع يجب أن يكون معول عون، تعتمد التكية في أساسها على مساعدات فاعلي الخير من الداخل والخارج ومؤسسات تتبرع للتعاون بالدعم المادي أو الغذائي، إضافة إلى بعض التجار في غزة ورؤوس الأموال، حيث كانت جمعية أهل الخير في إيطاليا هي السبّاقة بدعم اليوم الأول، وهو الجمعة قبل الأخيرة من آذار الماضي.

وقال مسئولو المشروع، إن أهم التحديات التي تواجه المشروع هو استمرار التمويل، حيث تبلغ التكلفة لإتمام عملية التنفيذ ما يقارب 10-12 ألف دولار أسبوعيًا، معلنين أنهم على استعداد لفتح باب التعاون مع أي جهة كانت مستعدة لتقديم الدعم، كما أن عددًا من لجان الزكاة تواصلوا معهم حول ذلك، بينما توجه التكية نداءً لأصحاب المطاعم في غزة بالمساعدة في تقديم الطعام الجيد رأفة بحال الفقراء.

وأضاف البطة، أن آلام الناس وأوجاعهم وجوعهم ينبغي أن يكون مسئولية جماعية وأن يؤرق منام المجتمع ككل، متسائلًا "كيف ينام غني بمعدة ممتلئة فيما يبات أطفال وأسر كاملة لم تأكل لقمة طيلة اليوم؟، داعيًا تجار المحلات بتقديم المساعدة في المواد التموينية المساعدة في الطهو كالأرز والخضار ولوازم الطبخ، للتخفيف من تكاليفهم".

كما فتح الباب أمام الأفراد العاديين من فاعلي الخير لتقديم مساعدات عينية ورمزية قد تسهم في رفع ميزانية المشروع واستمراره، حيث أعلنوا عن انشاء أسهم بقيمة 25$ للسهم الواحد شهريًا، تكون مدفوعة لاستثمارها في فعل الخير الذي تقدمه التكية، مع التأكيد على أن الحصار يشدد في التعامل مع الحوالات الخارجية من الأموال عبر حساب بنكي معلن تابع للتكية.

وحسب البطة، فان دراسة المشروع استغرقت شهورًا، تضمنت دراسة حول اعداد الطعام ومكانه والتعامل مع مطابخ خارجية وعدد أيام التوزيع، إلا أن استقر على تقديم الطعام "مطهوًا" بشكل داخلي من التكية لتوفير سعر التكلفة واستعدادهم للتعامل مع جمعيات اغاثية أخرى، مضيفًا "أن تقديم الطعام غير مطهو شكل معضلة في مدى قدرة العائلة الفقيرة على اعداده وطبخه أيضًا، لهذا رأينا أفضلية تقديمه جاهزًا".

وتتنوع الوجبات الغذائية التي تستلمها الأسر في كل مرة، حسب جدول غذائي منظم يخضع لشروط الغذاء الصحي ويحقق غايته وهدفه، فالوجبة الأولى التي قدمتها التكية كانت عبارة عن أسماك مشوية نظرًا لعدم مقدرة هذه الأسر على شراء الأسماك لارتفاع ثمنها، حيث كانت بعض الأسر لم تتناوله منذ سنوات طويلة، فيما كانت الوجبات اللاحقة "دجاج وأرز ولحوم ضأن وخضار مطهوة بالدجاج".

لحظات التسليم

"توجه ظهرًا لاستلام وجبة غدائك اليوم" هكذا يكون نص الرسالة التي تبعثها التكية للحالات المستفيدة على أن يحضروا ورقة الاستلام ويحصلون على وجبتهم بطريقة سلسلة لا تمس كرامتهم الإنسانية ويشعرون بالرضا عنها، أو بالأصح فانهم يشعرون بالرضا حيال الطمأنينة على لقمة أطفالهم اليوم.

ظهر الاثنين، وقفت العشرات من الحالات بباب التكية وهو موعد توزيع وسط الأسبوع، قدمت خلالها التكية وجبة طهيت في مطبخها قبل دقائق من وصولهم وتم تعليبها وتغليفها بشكل يدوي متقن، حتى ابتسمت إحداهن وهي تمسك بما استلمته من طعام وتقول " كنت متحيرة شو بدي أطعمي الأولاد، أجاهم أكل سخن ومرتب الحمد لله".

السيدة مريم الدرش كانت خجلة من الاقدام والاستلام وكذلك من الحديث حول الموضوع، فهذه هي المرة الأولي التي تستلم فيها من التكية طعامًا يؤمن لقمة هذا اليوم في بيتها الذي يسكنه زوجها المريض المقعد ولديها فتيات لا معيل لهن ولا يعلن أنفسهن، وتمنت بالعلن أن تستمر "عطية الله".

جميع الوجبات نفذت خلال وجبتين توزيع قبل الظهر وبعده، وصلت في موعدها إلى مستحقيها، كي لا يتأخر عليهم غذائهم التي صنعه الطبّاخون بحب، حيث يقول أحد الطهاة أن يعمل بجهد كما لو أنه يعمل لأول مرة، فهذا الطعام مقدم لوجه الله ويجب أن يكون معدًا بعناية و"حب" أيضًا، يقولها وهو يبتسم لقطع الدجاج في القدر.

أمنيات الأسر الفقيرة أن تستمر التكية في عطائها، أما ما تطمح إليه التكية ليس فقط في الاستمرار إنما في التوسع لمناطق أخرى تشمل كافة محافظات قطاع غزة من الشمال حتى رفح، إضافة إلى السعي لجعل التوزيع يومي وليس مرتين أسبوعيًا ولأعداد أكبر تشمل الجميع، فشعارهم "كي لا يبات في غزة جائع ونحن نعلم"

z1z2z2 z10 z9 z8 z7 z6 z5 z4