بيت لحم-قُدس الإخبارية: لم ينجح رصاص الاحتلال الحي الذي أصابها إصابة مباشرة أن يدفعها لتغيير موقفها تجاه العمل الميداني، حيث بقيت بعد إصابتها الثالثة والأخيرة بأصابع القدم اليمنى تنتظر الشفاء للعودة مجددًا، معتبرة أنها "ضريبة وطن" ومحبة.
المصورة الفلسطينية صفية عمر (30 عامًا) من مخيم عايدة للاجئين شمال مدينة بيت لحم، متطوعة في شبكة قدس الإخبارية منذ 5 سنوات تقريبًا، تعمل على تغطية الأحداث الميدانية ونشطت مؤخرًا في نقاط المواجهات خلال الانتفاضة الحالية.
درست صفية دبلوم تصوير فيديو وإعلام بمركز الرواد للثقافة والتدريب المسرحي بالتعاون مع القنصلية الفرنسية ووزارة الاعلام من 2007 وحتى 2010م، بعد دراستها للثانوية العامة 2006، ثم انضمت لدورة الاعلام السياحي الدولي الثاني في مدينة الخليل وأتبعها بأخرى تعنى بالصحافة والتليفزيون بيت لحم.
وكما يتضح فان دراستها كانت بداية الطريق لعمل ميداني حقيقي، واصلت فيه تغطياتها للأحداث اليومية والمواجهات مع قوات الاحتلال دون تعب أو تملل، حيث كان ذلك أحد أحلامها بالعمل في المجال الصحفي كوسيلة لإيصال رسالة فلسطين حتى لو واجهت المخاطر.
ففي الخامس عشر من كانون الثاني الماضي، أصيبت عمر إصابة مباشرة برصاص الاحتلال الحي في أصابع القدم اليمنى خلال تواجدها بموقع المواجهات مع الاحتلال بقبة راحيل شمال بيت لحم.
وتقول المصورة المصابة صفية، " كانت الرابعة عصرًا من يوم الجمعة، وما إن وصلنا قبة راحيل برفقة زملائي المصورين هشام أبو شقرة وعبد الرحمن حسان اللذان كانا في موقع الحدث وشاهدان على اصابتي حينها، بينما كنت أستعد لتجهيز كاميرتي ومعداتي لبدء تصوير الأحداث المندلعة هناك، حتى أصابتني رصاصة جيش الاحتلال".
وتضيف لـ قُدس الإخبارية، "تم نقلي بسيارة اسعاف تابعة للهلال الأحمر إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، أجريت لي الفحوصات وصورة الأشعة ليقول الأطباء إنه لا يوجد كسر في الأصابع المصابين على أن أخرج من المستشفى بعد ساعتين فقط".
"لم أعرف النوم ليلتها، فالمسكن الذي أخذته لتسكين الألم لم يعد يجدي نفعًا مع قوة الوجع، شعرت حينها أن الألم يتراقص في عقلي" تقول صفية، وتضيف "خرجت من المستشفى بعد ساعتين على أن أعود لاحقا بعد يومين لإجراء الغيارات على الجرح، لكن ذلك لم يحدث"
بدأت درجة الحرارة بالارتفاع والوجع تزايد وتيرته، فلم أستطع الصبر ليومين آخرين، فالمشي أصبح مهمة مستحيلة والمسكنات الطبية لم تشفع لي أمامه، حتى نُزع الغطاء الطبي عن مكان الإصابة ليتضح أن الأصابع المصابة منتفخة ومتورمة، وعليه عدتُ مرةً أخرى إلى المستشفى" تقول صفية.
عشرون يومًا بلياليهن، قضتهن صفية في فراشها لعدم قدرتها على الخطو والمشي، كما أنها امتنعت عن عملها وأداء مهامها التي تحبها، بينما استطاعت لاحقًا أن تستند على "عكاز" خشبي يساعدها على الخطو لمسافات بسيطة حتى جفّ الجرح وانفك غطاؤه".
وبحسب صفية، إنه بعد مُضي شهر، لم تكن الإصابة قد شفيت كما قال الأطباء المطمئنون في المستشفى خلال فترة علاجها، غير أنهم عاودوا الانتفاخ ليصبح لونهم "أزرق" مما يدلل أنهم لم يشفوا أو أنهم التهبوا مجددًا بدلًا من الشفاء
اضطرت المصابة لمراجعة طبيبٍ للعظام بتاريخ الرابع والعشرين من شباط الماضي، أوضح بعد معاينته الأوراق الطبية وصور الأشعة، أن الأصابع كانت تعاني كسرًا بالفعل، لكنهم لا يستطيعون تجبيره الآن، ما يعني أن الوجع سيطول أكثر.
يشار إلى أن الإصابة الأخيرة لم تكن الأولى، فلقد أصيبت مسبقًا بقنبلة صوت في يدها اليسرى خلال تغطيتها لقمع الاحتلال مسيرة "بئر عونة" الرافضة لمصادرة الأراضي ببيت جالا ببيت لحم.
كما أصيبت في الثلاثين من تشرين الأول الماضي، في فخذها الأيمن والأيسر إثر إطلاق أحد جنود الاحتلال لقنبلة غاز على مقربة أقل من 50 مترًا، لتكون الإصابة مباشرة تؤدي إلى مضاعفات لاحقة، تحرمها الحركة لشهر كامل.
تبقى الكلمة ذاتها التي تقولها صفية في كل مرة، إن الوجع الذي نشعره جراء إصابتنا برغم صعوبته إلا أنه "ضريبة وطنية" لمحبيه، وأنها ليست شيئًا أمام تضحيات الشهداء والأسرى ولن تثنينا عن مواصلة الطريق، مؤكدة أنها تنتظر الشفاء لمعاودة النزول إلى الميدان بشكلٍ أقوى.