فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: تصادف اليوم الذكرى الـ12 لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين الزعيم الروحي ومؤسس حركة حماس، في قصف إسرائيلي استهدفه أثناء توجهه لصلاة الفجر من أمام منزله في 22 من شهر مارس من العام 2004، بعد حملة تحريض شنها آنذاك الإرهابي أريئيل شارون ووزير جيشه ورئيس أركانه على الشيخ المجاهد يتهمونه فيها بقيادة "الإرهاب" في قطاع غزة.
حياته
ولد أحمد ياسين في قرية جورة عسقلان، قضاء المجدل، جنوبي قطاع غزة في شهر يونيو (حزيران) عام 1936 عام الثورة الفلسطينية الكبرى التي قادها إخوان الشيخ القائد الشهيد عز الدين القسام وتلاميذه.
توفي والده وعمر أحمد خمس سنين، وذاق الطفل بموت أبيه مرارة اليتم، وخشونة العيش.
التحق الفتى بمدرسة القرية حتى الصف الخامس الابتدائي، ثم كانت النكبة الكبرى عام 1948 وكان القتل، والطرد، والتشريد لأصحاب الأرض، وكان اليهود لا يوفّرون صغيراً ولا كبيراً من اضطهادهم الذي لا مثيل لها بين بني البشر، واضطرت أسرة الفتى إلى الهجرة واللجوء إلى غزة، لتعيش في أحد مخيماتها عيشة لا يقوى على احتمالها بشر، إلا هؤلاء الفلسطينيون الذين ذاقوا ألوان الفقر والجوع والمرض، والحرمان من سائر مقومات الحياة، فكان الفتى أحمد يذهب إلى معسكرات الجيش المصري مع بعض الفتيان والفتيات ليأخذوا فضلات طعام الجنود، ويعودوا بها إلى أهلهم الفقراء الجياع، وقد اضطر الفتى لترك التعليم عام 1949 – 1950 ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد، فقد كان يعمل في مطعم فوّال، ويعول أسرته.
شلله ومرضه
في عام 1952 وفيما كان الفتى أحمد، ابن السادسة عشرة من العمر، يدرّب بعض الفتيان على السباحة في (بحر غزة) أصيب بكسر في فقرات عنقه، وبعد أن وُضع عنقه داخل جبيرة من الجبس مدة 45 يوماً، تبيّن أنه سيعيش طوال حياته مشلولاً، ولا رجاء في شفائه.
وصبر الفتى على ما أصابه من شلل، ثم ما أصابه من أمراض تتالت عليه واجتاحت جسمه العليل، مثل فقدان البصر في عينه اليمنى، إثر ضربة لئيمة من محقق يهودي جلاد في المخابرات الإسرائيلية أثناء اعتقاله، إلى جانب ضعف بصر عينه اليسرى أيضاً، والتهاب مزمن في الأذن الوسطى، وحساسية في الرئتين، إلى جانب أمراض أخرى، كالالتهابات المعوية وسواها.
عمله
بعد أن أنهى أحمد ياسين دراسته الثانوية عام 1957 - 1958 عمل مدرساً لمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، رغم الاعتراض عليه من الحاكم المصري لغزة آنذاك، وكان معظم دخله من التدريس يذهب لمساعدة أهله الفقراء.
ووجد ضالته في التدريس الذي أحبّه، لأنه هيّأ له الجوّ المناسب لبث آرائه وأفكاره لطلابه الذين سيكونون أعمدة العمل في المستقبل.
ولم يكتف المدرس أحمد ياسين بتعليم الطلاب، بل انتقل إلى المسجد مدرساً وخطيباً، وحقّق في المساجد نجاحاً كالنجاح الذي حققه في المدرسة، وربما زاد عليه، فقد غدا أشهر خطباء غزة، بما أوتي من فصاحة وبلاغة، وقوة حجة، وشجاعة في قول الحق، من دون أن يخشى في الله لومة لائم، كما عمل الشيخ رئيساً للمجمّع الإسلامي في غزة.
الشيخ القائد في المعتقل
اعتقل الشيخ القائد عام 1983 ومعه ثلة من قادة ورموز الحركة الإسلامية في غزة، وحكمت المحاكم اليهودية عليه بالسجن ثلاثة عشر عاماً، بتهمة تشكيله تنظيماً عسكرياً يحرض على مقاومة الاحتلال، وتحرير الأرض من اليهود المستعمرين، وبتهمة حيازة أسلحة وتدريب الشباب على استعمالها.
أمضى الشيخ في الاعتقال أحد عشر شهراً، ثم أفرج عنه عام 1985 في إطار عملية تبادل للأسرى بين سلطات الاحتلال من جهة، وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، من جهة أخرى.
وانطلق الشيخ يعمل في هدوء، وسريّة شديدة، ولم يضع لحظة من وقته في غير فائدة، حتى إذا ما انطلقت الانتفاضة الأولى، انتفاضة المساجد، بادر الشيخ إلى الإعلان عن تنظيم جديد أطلق عليه اسم: حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكانت عيون الجواسيس والعملاء والموساد والشين بيت ترصده، وفي أواخر شهر آب 1988 دهمت قوات الاحتلال الصهيوني منزله، وفتّشته بدقة، وهددت الشيخ المقعد بدفعه في كرسيه المتحرك عبر الحدود، ونفيه إلى لبنان.
وفي ليلة 18/5/1989 اعتقلت سلطات الاحتلال الشيخ مع المئات من أعضاء حركة حماس، في محاولة منها لوقف المقاومة المسلحة التي كانت تستعمل السلاح الأبيض في هجماتها على جنود الاحتلال، وقطعان المستوطنين، واغتيال العملاء والجواسيس.
وفي المعتقل تعرّض الشيخ لألوان العذاب أثناء التحقيق، لانتزاع بعض الاعترافات، وصبر الشيخ ومن معه وصمدوا في وجه العدو الصهيوني اللئيم.
وفي 16/10/1991 أصدرت إحدى المحاكم الإسرائيلية حكمها الجائر على الشيخ، بسجنه مدى الحياة، وإضافة 15 سنة أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذا الحكم كان بسبب التحريض على اختطاف وقتل الجنود الصهاينة، وبسبب تأسيسه حركة حماس ، وجهازيها: العسكري (كتائب عز الدين القسام) والأمني.
أسرت مجموعة من كتائب القسام جندياً إسرائيلياً يوم 13/12/1992 وعرضت على المحتلين مبادلته بالشيخ الأسير، فرفض المحتلون هذا العرض، وشنّوا هجوماً على مكان احتجاز الجندي، مما أدّى إلى قتله ومقتل قائد الوحدة العسكرية المهاجمة، واستشهاد قائد مجموعة القسام التي تحتجز الجندي.
الإفراج
في أواخر أيلول 1997 حاولت مجموعة من الموساد اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، في عمان، وفشلت المحاولة، واعتقلت السلطات الأردنية اثنين من منفذي العملية الفاشلة.
وفي الأول من تشرين الأول 1997 جرت عملية مبادلة بين الأردن والكيان الصهيوني، فأفرج الكيان الصهيوني عن الشيخ، مقابل تسليمها عميلي الموساد.
محاولة اغتياله
في 6/9/2003 حاولت قوات الاحتلال اغتيال الشيخ بوساطة مروحيات الأباتشي التي أطلقت صواريخها على شقة كان فيها الشيخ مع تلميذه وأخيه ومرافقه الشيخ إسماعيل هنية، وأصيب الشيخ بجروح طفيفة في ذراعه الأيمن، ونجا من الموت.
استشهاده
زعم قادة الاحتلال أن الشيخ ياسين كان "إرهابياً"، وقد تسبب بمقتل مئات المستوطنين وجنود الاحتلال، ولكن الشيخ الشهيد كان يسعى إلى تحرير أرضه المحتلة، ويدعو شعبه إلى تحريرها بشتى الوسائل المشروعة.
وفي فجر يوم الـ22 من شهر آذار من العام 2004 أطلقت طائرات الاحتلال صواريخ غضبها وحقدها على الشيخ المقعد أمام منزله أثناء توجهه للمسجد لأداء صلاة الفجر، فكان ذلك الفجر خاتمة لحياة قضاها الشيخ ياسين في طاعة ربه ومصابرة شباب فلسطين والربط على قلوبهم لتحرير فلسطين كل فلسطين.
كان الشيخ قبل يومين من استشهاده، راقداً في المستشفى في حالة احتضار، وكل من حوله ينظرون إليه نظرات الوداع، ثم دبّ النشاط في جسده العليل النحيل، وعاد إلى البيت محمولاً على كرسيه، ولم يسمع لقول ناصحيه بأن يأوي إلى بيت آمن، فقد ينفذ شارون اللعين تهديده، وسبق له أن حاول اغتياله فنجا، ولكن الشيخ الشجاع رسم على شفتيه اليابستين ابتسامة ساخرة، سخر بها من سائر الشارونات.. أجل.. من سائر الشارونات، ومن عملائهم الذين يرصدون كرسيّه
وقال لهم: "يا مرحباً بلقاء الله .. هذا ما أتمناه .. أن أفوز بالجنة .. ويبوء بالخزي والعار .. ثم تكون النار مأواه، ونعم الحارس الأجل".
الموسوعة الفلسطينية