شبكة قدس الإخبارية

ثلاثمئة وعشرون عاماً في عام واحد

أشرف عباهرة

يعتقد القارئ للوهلة الاولى أن هذا لغزا حسابيا أو رقما فلكيا من أرقام الاغريق او اليونان، وقد يظن البعض انه لا يمكن ان يجتمع الرقمان معا فقد يعتبرهما البعض صيغة مبالغة أو مجاملة  لصغر سن كائن هنا أو جماد هنا أـو هناك.

ولكنهما في الواقع رقما حقيقيا عبَر عن عطاء جماعي بذله أفراد من المجتمع الفلسطيني، إنه رقم العطاء الطويل وعمر الشعوب التي يجمعها متطوعو جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني في عام واحد، فعدا عن أن جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني هي الحاضن الرئيس في الوطن والشتات للعمل التطوعي باعتباره مبدأ وطنيا وانسانيا يقدمه الشخص القادر لكل محتاج، وتؤمن كذلك انه عمل يؤسس لنهوض اقتصادي يساعد في تطوير الأمم والشعوب وبخاصة تلك الرازخة تحت الاحتلال.

فهذا العمل الذي توارثه المجتمع الفلسطيني جيلا بعد جيل منذ مئات السنين، واعتبرته الجمعية امتدادا للهبة والعونة الفلسطينية وامتدادا قويا راسخا لالاف الثوار المتطوعين الفلسطينيين منذ العام 1917 مرورا بالجمعيات النسوية واللجان الوطنية واتحادات الطلبة ونقابات العمال وغيرها من الاتحادات التي سعت حينذاك لتوريثنا هذا العمل النضالي ليبقى متماسكاً صلباً متيناً نباهي به الامم والشعوب.

وسعت الجمعية دوما لابراز هذا العمل النبيل في مجتمع عصي على الكسر ومحب للحياة وحياة الآخرين، فهذه الجمعية التي كان اساس انطلاقتها في العام 1968 كان متطوعوها هم الرواد في تأسيس أول عيادة كمقر لها في مخيم ماركا القريب من العاصمة الأردنية عمان وضعوا نصب اعينهم اوجاع النكبة والنكسة والتشرد الذي عاناه المواطن الفلسطيني في الوطن واللجوء.

فكان للمتطوعين الدور الاساسي في تأسيس هذا الصرح الشامخ والذي سيصبح وجهة الشعب الفلسطيني والعربي الحضاري والانساني ومقصد الكثير من الشباب العربي مستفيدين ومفيدين لتكبر ويكبر معها طموح وأمنيات المتطوعين المحبين للانسان والمؤمنين بأن لا حدود ولا مكان ولا زمان للعمل الانساني، لنلتقي اليوم ونكتب هذا العنوان الذي يفسر ان ما بذله 6069 متطوع خلال العام 2015 يساوي 2.796.868 ساعة تطوع من مد يد العون وتقديم الخدمات الانسانية، والاجتماعية والصحية لابناء شعبهم الفلسطيني وكل محتاج من خلال جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني.

واذ قارنا هذا العدد وهذه الساعات ببعض دول العالم المتحضره والذي يعتبر فيها التطوع من اهم الاعمال التي تشجعها الدولة وتساهم في دعمها بشكل كبير نجد ان ما قدمه المتطوع الفلسطيني من ساعات تطوع مقارنة بالمتطوع البريطاني نجد ان متطوعي الجمعية يفوقون متطوعي بريطانيا بثلاث اضعاف، واذا ما قورنو بمتطوعي استراليا فانهم يفوقوهم بثمانية اضعاف ناهيك عن عشرات الاضعاف التي يتقدم بها المتطوع الفلسطيني عن شقيقه المتطوع العربي .

وهذا الرقم يؤكد على الدور الكبير الذي يقوم به المتطوع اذا ما تم توجيهه لخدمة الانسانية جمعاء، ان مجتمعنا الفلسطيني المعروف بترابطه الأسري والاجتماعي والعائلي لم يخذل وطنه يوما لا بل امتد عطاؤه إلى خارج حدود وطنه فلسطين.

وهؤلاء المتطوعون من كافة الفئات العمرية ومن كلا الجنسين قادرون على صنع مسقبل فلسطيني واعد، مليئ بالحب والبذل والعطاء الوطني والإنساني الذي يعتبر المواطن العربي في أمس الحاجة اليه نتيجة لظروف التدمير والقتل والتشرذم التي يمر بها، أما على الصعيد الفلسطيني فيشكل الشباب ما نسبته 74% منه هم بحاجة ماسة الى تصويب الافكار والطاقات والاستفادة منهم وطنيا فهم الرافد الأساسي للوطن وهم بناة الدولة القادرين على تحمل المسؤولية الوطنية وخاصة في ظروف فلسطينة استثنائية كالتي تعيشها القضية الفلسطينية هذه الايام.

ان العمل التطوعي الذي يلتقي كل متطوعي العالم تحت رايته يوحد الافكار والجهود وهو قادر على توحيد الوطن الفلسطيني على قاعدة أن العمل التطوعي واجب وطني دون أية حسابات اخرى قد تحرف بوصلته ويكون انتماء حزبيا او دينيا او فكريا كما هي الحال عند البعض، فهذه الاعداد الكبيرة من المتطوعين الفلسطينيين يجب ان يكون لها هدفا واحدا يتمثل في المساهمة قدر المستطاع في تعزيز مفهوم العمل التطوعي في فلسطين والنهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي الفلسطيني والحفاظ على هذا الإرث التاريخي ليبقى ارثا وطنيا تتوارثه الاجيال القادمة.

ان متطوعي جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني هم جزء من ثلاثمائة وخمسون مليون متطوع في ارجاء العالم يساهمون في التخفيف من معاناة الشعوب ومحاولة الحد من ويلاتهم ونشر ثقافة السلام والبناء والانتماء.

وان متطوعينا هم أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني من بطش الاحتلال وجبروته ومحاربته لهذه الظاهرة المجتمعية والذين رحل منهم مئات الشهداء خلال مسيرة عطائهم الطويلة، ومع ذلك هم مستمرون في عملهم وواجبهم تجاه ابناء شعبهم الجريح في كافة الظروف والحالات والزمان والمكان فرسالتهم وايمانهم العميق بعدالة قضيتهم وتأكيدهم على الدور الذي يلعبه العمل التطوعي في التخفيف من ويلات شعبهم والمساهمة العالية في تعزيز اقتصاده هو أساس عملهم.

وبهذا العطاء اللامتناهي والانتماء الأزلي للانسانية وبتلك الايادي الفلسطينية التي نفخر بها وبالجهد الذي يقوم به هؤلاء المتطوعون حيثما وجدوا أقول انه لا بد من وجود جسم وطني يوحد العمل التطوعي من حيث الهدف والمضمون وأن تكون أولى أولوياته تعزيز دور الشراكة المجتمعية وتنمية قدرات الشباب والمتطوعين وان يكون الانتماء فلسطينياً صاحب رسالة سامية نتوحد جميعاً تحت مفهومها بعيداً عن الخلافات والتجاذبات السياسية والحزبية الضيقة التي مزقت النسيج الوطني والاجتماعي وبعثرت عطاء متطوعينا والذي رسم من تاريخه نموذجاً للتوحد الاجتماعي والسياسي والفكري والوطني وأن يستفاد من هذه الكفاءات الوطنية والحفاظ عليهم كأهم فئة وانبل ظاهرة عرفها التاريخ ليكون أساساً وطنياً يؤسس للبنة الدولة الفلسطينية القادمة.