الخليل – خاص قُدس الإخبارية: متجاوزة رزمة من الحقائق القانونية والشرعية، تواصل الحكومة الفلسطينية محاولاتها الحثيثة لتمليك البعثة الروسية البطريكية- موسكو، أرضا في محافظة الخليل، حيث كُشف الستار عن قرار صدر عن مجلس الوزراء الفلسطيني بتاريخ 23/شباط الماضي يعطي الضوء الأخضر لبدء استملاك الأرض.
الأرض 73 دونما ليست مجرد مساحات فارغة كما أنها ليست بالنكرة، بل هي موروث مقدس يتوارثه أهالي محافظة الخليل منذ أقره الرسول محمد بما يسمى "بالإمطاء"، حيث جعل هذه الأرض وقفا للصحابي تميم الداري وذريته، يمكن لأهالي الخليل الاستفادة منه ولا يجوز بيعه أو التصرف به.
متجاهلا القيمة التاريخية والدينية التي تمثله هذه الأرض لأهالي الخليل، نص القرار الصادر عن مجلس الوزراء، معتمدا على القانون الأساسي لعام 2003 وقانون استملاك الأراضي للمنفعة العامة عام 1953، على استملاك الأرض لصالح الخزينة العامة، ولمصلحة البعثة الروسية البطريكية- موسكو.
وحظر القرار على مالكي الأرض والمنتفعين التصرف بها، حيث جاء فيه، "يحظر على مالكي الأرض المذكورة التصرف بها بأي نوع من أنواع التصرف، والمبادرة برفع أيديهم عنها فور مصادرقة الرئيس الفلسطيني على القرار"، كما وتضمن القرار تكليف وزارتي المالية والتخطيط الفلسطينيتين بدفع تعويض لمالكي الأرض، حسب الأصول القانونية.
[caption id="attachment_87661" align="aligncenter" width="671"] قرار مجلس الوزراء[/caption]بعد يوم واحد من صدور القرار، سلم وجهاء محافظة الخليل بيان استنكار موقع من آلاف الفلسطينيين إلى محافظ الخليل، أعربوا فيه عن قلقهم من أن تكون هذه الخطوة هي مقدمة لتسريب الأرض للاحتلال، معتبرين القرارا استخفافا بقيمة الأرض.
بعد أيام؛ عقد وجهاء الخليل اجتماعا عشائريا طارئا أكد فيه مئات الحاضرين على بلورة توصيات للبدء بتحركات شعبية وسياسية للتصدي لمحاولات السلطة بمصادرة الأرض.
وقف تميم الداري
الدكتور ماهر الجعبري قال إن الأرض هي وقف للصحابي تميم الداري وذرِّيته، والتي تتضمن مدينة الخليل وبعض قراها، ونصت الرسالة حسب ما نقله كتاب "بلادنا فلسطين" على ما يلي:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمطى محمدٌ رسول الله لتميم الداري وإخوته حبرون والمرطون وبيت عينون وبيت إبراهيم وما فيهن، مطيَّةَ بتٍ بذمتهم ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم، فمن آذاهم آذاه الله، فمن آذاهم لعنه لله"، وكتب الرسالة الإمام علي بن أبي طالب وشهد عليها عمر وعثمان وعتيق بن أبي قحافة.
كما نقل الإمطاء في روايات متقاربة، كرواية الطبراني في (المعجم الكبير)، ورواية ابن عساكر في (تاريخ دمشق)، ورواية ابن سعد في (الطبقات الكبرى)، ورواية الواقدي في (فتح الشام)، ورواية محمد بن الربيع في (من دخل مصر من الصحابة).
ويؤكد الدكتور الجعبري عضو حزب التحرير الفلسطيني، أن هذا الإمطاء مؤكد ومعروف ولا يشكك به شرعيا، "شهد على هذا الإمطاء أبو بكر ومجموعة من الصحابة، وكل من جاء بعد الرسول حافظ على هذا الوقف".
وعن المقصود بالإمطاء، يوضح الجعبري، أنه تمليك رقبة الأراضي لتميم الداري وذريته، "لذلك نحن في الخليل نمتلك منفعة الأراضي ولا نمتلك رقبة الأراضي لأنها للصحابي تميم الداري وذريته"، مؤكدا أن الخلفاء الراشدين حافظوا على الامطاء ولم يجرأوا على التفريط به لقول الرسول في الرسالة عن الصحابي تميم وذريته، "من آذاهم، أذاه الله".
ويقول الجعبري، "الجريمة التي ترتكبها السلطة الآن هي استخفاف بالحكم الشرعي، وبالمسألة التاريخية، وتحدٍ للمسلمين، بتجاوز كل الحقائق الشرعية والتاريخية".
فشل المحاولات السابقة
طيلة السنوات الماضية حاولت السلطة الفلسطينية تمليك الكنيسة الروسية الأرض لكنها عجزت لعدم استكمال الوثائق اللازمة. ويعلق الجعبري، "الروس على صفحاتهم الالكترونية يقولون لا يوجد خبير قانوني يثبت ملكيتنا لهذه الارض"، مضيفا، "في ظل المتابعات القانونية والوقفات الجماهيرية في السنوات السابقة عجزت السلطة في الضغط على القضاة لتمليك الأرض".
وكشفت مراسلات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس الروسي بوتين عن وعودات قدمها الأول لتطويب الأرض لصالح الروس، يقول الجعبري، "يوجد ضغط خارجي على السلطة، وللأسف رئيس الوزراء والرئيس رضخوا لهذا الضغط، رغم موقف الروس المعروف المعادي للأمة الإسلامية".
من جهته، يؤكد عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين مصعب أبو عرقوب، أن الروس ولأكثر من مرة كشفوا أنهم لا يملكون أي وثائق تثبت ملكيتهم بالأرض، ولا تملك حتى تثبت "التحكير" أي الإيجار لغير المسلمين.
ويوضح أبو عرقوب، أن فشل السلطة في تمليك الأرض عبر القضاء للروس، قادها لإصدار قرار من مجلس الوزراء باستملاك الأرض، ونشره عبر الصحف الفلسطينية، "أهالي الوقف اعترضوا على هذا القرار، إلا أن السلطة لم تأخذه بعين الاعتبار".
ويضيف، أنه منذ 1990 كان يوجد في فلسطين الكنيسة الارسالية الروحية، وقد ادعت هذه الكنيسة استئجارها للأرض، ولكن في عام 1997 طردتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وجاء مكانها البعثة الروسية البطريكية- موسكو التابعة للنظام الروسي بشكل مباشر، والتي تحاول الآن استعادة الممتلكات التي كانت تستأجرها الكنيسة الأولى، بذريعة أن ملكيتها تعود لروسيا.
تاريخ الروس الأسود في فلسطين
للروس المبتعثين إلى فلسطين، تاريخ أسود في تسريب الأراضي إلى كيان الاحتلال، حيث تعد "صفقة البرتقال" من أبرز الصفقات التي سرب من خلالها الروس مساحات واسعة.
ويبين أبو عرقوب، أنه في عام 1964 قام الروس وخلال صفقة واحدة ببيع أملاك بعثة الكنيسة الروسية في الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الاحتلال، ووقعت عليها "غولدا مائير" مع وزير الخارجية الروسية آنذاك.
[caption id="attachment_87662" align="alignnone" width="400"] الوزير الروسي وجولدمائير يوقعان صفقة البرتقال[/caption]وأوضح أن الروس وخلال "صفقة البرتقال" باعوا مساحات واسعة مقابل ما يقارب أربعة ملايين دولار، "هذا المبلغ لم يتم تسليمه دولارات، ولكن تم تسليمه منسوجات وبرتقال"، حسب أبو عرقوب.
كما عرض الروس أيضا قبل عام 1967 على دولة الاحتلال بيعها أراضٍ وممتلكات للكنيسة الروسية في الأردن والضفة، إلا أن الاحتلال رد بأنه لا يوجد له الصلاحية على هذه الاراضي، ما أفشل الصفقة، هذا عدا أن ماكانت تسمى بـ"الكنيسة البيضاء" باعت معظم الأراضي في الضفة المحتلة ليهود، وفقا لأبو عرقوب.
ويعلق، "رغم كل هذا التاريخ الأسود، السلطة الفلسطينية تصر على تمليك الروس أراضٍ في مدينة الخليل ... سنصبح في الخليل بين نارين، "الدبويا" من جانب، ومستعمرة الروس من جانب آخر ... نحن اليوم أمام تحد كبير".
[caption id="attachment_87663" align="alignnone" width="397"] عقارات سلمها الروس لليهود[/caption] [caption id="attachment_87664" align="alignnone" width="358"] عقارات سلمها الروس لليهود[/caption]تهميش القضية وسيناريوهات للتصعيد
ويكشف أبو عرقوب أنه تم التوجه لكثير من المؤسسات والقوى الفاعلة في مدينة الخليل للتوقيع على الاستنكار الذي تم ارساله لمحافظ محافظ الخليل، ليوجهه بدوره للرئيس الفلسطيني، إلا أنها رفضت التوقيع عليه، وأن من وقعوا عليه هو أفراد بصفتهم الشخصية، ويقول، "نريد موقف صريحا من كل تلك المؤسسات، فرغم أنهم يعون جيدا خطورة تمليك أراضي الخليل للروس.. إلا أنهم صموا آذانهم عن هذه القضية العقيدية الجادة"، حسب تعبيره.
كما كشف أبو عرقوب أن الصحف الفلسطينية التي نشرت قرار مجلس الوزراء، رفضت نشر الاستنكار الذي صدر ردا على قرار مجلس الوزراء، رغم أنه موقع من مئات المواطنين والوجهاء في الخليل.
[caption id="attachment_87660" align="alignnone" width="960"] بيان الاستنكار الذي وقعه أهالي الخليل[/caption]وقال، "نطالب الإعلام بفضح هذه المؤامرة، ونثمن كل من خرج من دائرة الصمت المؤامراتي على هذه القضية، وناصرها بالكشف عن تفاصيلها للمجتمع الفلسطيني".
وطالب المئات خلال مشاركتهم في الاجتماع العشائري الضخم الذي عقد في ديوان "آل الجعبري" بمدينة الخليل في 27/شباط، بالتصعيد في التصدي لاستمرار السلطة في تمليك الوقف للروس.
وأوضح الجعبري أن اقتراحات عديدة طرحها المشاركون في الاجتماع العشائري الذي عقد لدراسة خطورة القضية وكيفية التصدي لها، مضيفا، "من بين الاقتراحات كان إعلان العصيان المدني ضد السلطة الفلسطينية في مدينة الخليل، إذا استمرت السلطة في مساعيها، إضافة لاقتراحات أخرى تضمنت التوقف عن دفع الضرائب".
ودعا المشاركون للتوجه بمسيرات، إضافة لبناء مسجد في الأرض، وإقامة صلاة الجمعة بشكل مستمر فيها، كما دعوا لافتتاح مقبرة في الأرض، وخاصة أنها تضم قبور لآل مجاهد من التميمية وقبور لمقاتلين عثمانين، عبث بها الروس في السابق.
السلطة ترفض الرد
شبكة قُدس الإخبارية اتصلت على عدة جهات في السلطة الفلسطينية للحصول على تعليق حول قرار استملاك وقف تميم الداري في محافظة الخليل، لتحصل في النهاية على إجابات مقتضبة ومتفرقة من مختلف الأطراف.
مفتي الخليل قال، "أنا مفتي أجاوب بما أستطيع عليه وأفهمه"، داعيا للتوجه للمفتى العام الفلسطيني لسؤاله عن هذه القضية.
وأوضح أنه وحسب ما يملك من معلومات فإن ما تسمى "بالمسكوبية" - وهي الكنيسة المقامة على أرض الوقف – مقامة منذ سنوات وفيها عقد آجار، ويوجد قضية ومحاكم، وقد أثبت أصحاب هذه الأرض ملكيتهم لها.
وأكد مسودة أن مدينة الخليل كاملة هي وقف تميم الداري، "يعني أنها أرض موقوفة، أي نملك المنفعة ولا نملك الوقفة، وكل بيع يجري عليها هو باطل".
أما وزير الأوقاف يوسف ادعيس فنفى علمه بأي معلومات أو تفاصيل حول القضية، مكتفيا بتوجيهنا إلى دار الإفتاء باعتبار أنها هي جهة الاختصاص.
وبعد يومين من محاولات الوصول لمفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين أجاب، "لا معلومات أو تفاصيل لدي عن هذا الموضوع.. الأوقاف الإسلامية هي المخولة بالإطلاع على هذا الموضوع ومعرفة حيثياته".
وتابع، "التصرف بالوقف الإسلامي، يجري بعد دراستها وإقرارها في المحاكم الشرعية، وهي ليست كما يفهم البعض أنها محل طمع لأحد، والتصرف بها يتم حسب الأصول الإسلامية فقط".