الناظر إلى مسيرة التحرر الفلسطينية منذ عام 1948 إلى يومنا هذا يجدها زاخرة بأعمال المقاومة وبالمقاومين وبشكل مستمر وغير منقطع، هذا هو الوضع الطبيعي لأي جسم يغزوه المرض، فالخطأ والضعف أن لا يكون هناك مقاومة لأي جسم غريب وأي احتلال يغتصب الأرض والإنسان.
لم يسجل على مدار التاريخ أن شعبا وقع تحت الاحتلال ودخل في سبات إلى أن أصبح لديه قوة اكبر من محتله وبعدها استيقظ و بدأ بالمقاومة، كل الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال قاومت وقاومت، نعم قدمت ثمنا باهظا من شهداء جرحى وأسرى لكن في نهاية المطاف تحررت .
الناظر إلى إضراب محمد القيق يقسم آراء المجتمع في هذا الإضراب إلى مجموعتين، أناقش وأحلل لكم كل مجموعة على حدة.. ليس إنقاصا من فهم أحد أو تعديا على رأي أحد، بل نصرة لكل مقاوم و مؤازرة له .
المجموعة الأولى: المقاومون وعائلاتهم وكل من وقف في وجه الاحتلال واكتوى بناره، هم الشهداء وذويهم ومجتمع عظيم من الأسرى والجرحى، هم من هدمت بيوتهم و ثكلت نسائهم ويُتِّم أطفالهم، هم الوطن والوطن هم، لن أتكلم عنهم كثيرا فليس في قاموسي أو أي قاموس في الكون من كلمات توفيهم حقوقهم، لكن هؤلاء لا يرون في محمد إلا حلقة مهمة من حلقات مقاومة الاحتلال، فبالأمس محمد القيق واليوم محمود الفسفوس وغدا و بعد غد فارس اخر .
المجموعة الثانية تقسم إلى قسمين:
القسم الأول؛ هم أناس لا يفهمون شعور المقاوم ولا شعور أهله، وصبرهم على مقاومته وجهوزيتهم لدفع كل ثمن من اجل دحر الاحتلال، هم فقط مثبطون ومحبطون ويمارسون التهويل لقدرات الاحتلال وغطرسته، ويقللون من أهمية كل عمل مقاوم، هؤلاء لن أتحدث عنهم قطعيا فهم طبقة مصاحبة لكل حالة احتلال، يذمون كل مقاوم ويتهمونه في كل عزيز لديه طالما الاحتلال موجود وعندما تنتصر المقاومة فإنهم يدعون بأنهم هم من صنعوا النصر .
أما القسم الآخر؛ قسم لا يفهم ما سلف ذكره عن المقاومة، لكنه يرغب بل ويسعى إلى فهم كل ذالك، ولهم أتحدث عن محمد القيق وانتصاره متعدد الجبهات .
من ينظر إلى إضراب محمد القيق يجد انه قد حقق عدة انتصارات على طول خط المسير نحو التحرر، ويمكن أن ندرس هذه الانتصارات من عدة محاور .
المحور الأول: إضراب محمد كان صاعقا مهما من صواعق استمرارية انتفاضة القدس، فقد حرك الضفة وغزة إضافة إلى الحراك الموجود على مدار ثلاثة أشهر .
المحور الثاني: كان للإضراب دور مهم في تقوية وتفعيل الترابط المجتمعي بين جميع الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأماكن وجودة .
المحور الثالث: هذا الحراك المقاوم الذي أداره محمد وعائلته كان له دور في تفعيل ملف فضح الاعتقال الإداري على مستوى العالم ومؤسساته المختلفة .
المحور الرابع: الانتصار الشخصي لمحمد القيق، محمد لم يرفض أي مبادرة تلغي الحكم الإداري قط، لكن كل العروض التي كانت مطروحة هي عروض تعلق الإضراب ولا تلغيه، إلا أن العرض الأخير كان بمثابة إلغاء للحكم الإداري بحق محمد وهذا ما كان محمد يريده ويصبو إليه .
أحبتي الأفاضل لماذا يجب علينا أن نترك الاحتلال يأكل كل لقمة من دم شعبنا وحريته صائغة بدون تعكير؟! لماذا يجب أن نتركه يعتقل ويقتل و يهدم دون أن نقول له لو كلمة لا، محمد أراد من إضرابه أن يقول للمحتل وبأعلى صوت لا للاعتقال الإداري، لا للغطرسة والاستبداد، ومجرد أن هناك فلسطيني بعد ما يقارب السبعين عاما من الاحتلال يقول لهم لا؛ فهذا انتصار مؤزر .