شبكة قدس الإخبارية

نورهان مازالت تصرخ: لا تقتلوا هديل.. لا تنزعوا ملابسي

شذى حمّاد

مخيم قلنديا – خاص قُدس الإخبارية: "لا تقتلوا هديل لا تقتلوا هديل.. لا تنزعوا حجابي، لا تنزعوا ملابسي".. تصرخ نورهان مجددا بعد منتصف الليل؛ ثم تنهض من نومها فزعة باحثة عن حضن أم يلمها، أو عن يد شقيقة تطبطب عليها وتناولها كأس ماء؛ إلا أنها لا تجد سوى زنزانة موصدة، وأسيرة تشق الظلام للوصول إليها والتخفيف من روعها.

صباح 23/تشرين ثاني، خرجت نورهان عواد بزيها المدرسي من منزلها في مخيم قلنديا، وقد أعلمت والدتها أنها وبعد انتهاء الدوام ستذهب إلى السوق مع صديقتها هديل عواد (14 عاما)، لتعدم الأخيرة وترتقي شهيدة على مرأى كاميرات المراقبة في شارع يافا وسط القدس، وتصاب نورهان بثلاث رصاصات أوقعتها أسيرة بيد الاحتلال.

قوات الاحتلال اتهمت الطفلتين بمحاولة تنفيذ عملية طعن استهدفت أحد المستوطنين، تروي والدة نورهان لـ قدس الإخبارية، أنها وبعد ساعات من خروجها من المنزل، تلقت اتصالا من المدرسة يفيد بأن نورهان لم تحضر اليوم إلى صفها، ليصلها بعد ساعات خبر إصابة طفلتها ونقلها إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية.

في مستشفى "شعاري تصيدق" الإسرائيلي بقيت نورهان لأربعة أيام فقط أخضعها خلالها محققو الاحتلال للاستجواب وهي ما تزال على أجهزة الإنعاش، ليأخذوا هذيانها وهلوساتها ويعتمدوها كاعترافات قدمت فيما بعد لمحاكم الاحتلال التي بدورها ثبتتها ضد نورهان.

وتقول والدة نورهان، "أخضعوا نورهان لتحقيق وهي تحت أثر البنج، إلا أن قاضي الاحتلال اعتمد هذا التحقيق، وطعن بجلسات التحقيق التي أخضعت لها فيما بعد"، مؤكدة، أن طفلتها لم تخضع للرعاية الصحية اللازمة، وقد بقيت في المستشفى حتى أزيل خطر الموت عنها ثم نقلت إلى سجن "هشارون".

وتعمد الأطباء في المستشفى الإسرائيلي تجنب تقطيبها بطريقة دقيقة لا تترك آثارا، لتبقى بذلك ندوب إصابات ترافق نورهان طيلة حياتها، "داس المستوطن على يد نورهان خلال العملية، أدى لإصاباتها بجروح عميقة، قطبها الأطباء إثرها بستة قطب، فيما وضع 34 قطبة في بطنها وقدمها بعد استخراج الرصاصتين"، تقول والدتها، مشيرة إلى أن الرصاصة الثالثة استقرت في مكان حساس بالقرب من الكلية، حيث بات استخراجها يهدد نورهان بالموت.

آلام وأوجاع كبيرة وصعوبة في المشي والتحرك عانت منه نورهان جراء إصاباتها، لتكتشف صدفة خلال محاولتها الإسراع في ساحة السجن، أنها لن تستطيع الركض بعد اليوم، "كنت أهون عليها وأخبرها أن هذه الاوجاع تزداد بسبب البرد، وربما تخف عندما ينتهي فصل الشتاء".

نورهان أطفأت شمعة عيد ميلادها السابع عشر في سجن "هشارون" دون أي من المراسم الاحتفالية التي اعتادت أسرتها إقامتها لأطفالها، تقول والدتها مفتخرة بابنتها، "نورهان من الطالبات المتفوقات في مدرسة الحياة، دائما تحصل على المراتب الأولى، وقد حصلت في امتحانات النصف الدراسي على معدل 94%".

وتحاول نورهان التخفيف من خوف والدتها، وتروي لها أنها والأسيرات القاصرات يعشن بأمان برفقة الأسيرات الكبيرات بالسن، واللواتي يقدمن لهن الرعاية اللازمة ويقمن بتوجيههن، "رأيت في إحدى الزيارات الأسيرة لينا الجربوني، وقالت لي نورهان في عيون ما تقلقي، وأخبرتني أنها تعتني بنورهان وتعاملها كطفلتها".

وتضيف، أن وزن طفلتها انخفض أكثر من 10 كيلو غرامات بعد اعتقالها، وتقلص حجمها، "سألت الأسيرات إن كانت نورهان تأكل جيدا، فأخبروني أنها تأكل إلا أنها تبقى تفكر طوال الوقت وخاصة عند اقتراب جلسات المحكمة".

وتنقل الوالدة عن ابنتها أنها تعاني من ظروف قاسية جدا خلال نقلها إلى المحاكم، حيث باتت تطلب أن تعقد لها جلسات غيابية وهو ما رفضه قاضي المحكمة، وتبين، "يتم اخراج نورهان الساعة الثالثة فجرا وتنقل في البوسطة من سجن إلى آخر، ومن مسكوبية إلى أخرى، دون أن تتناول أي طعام، لتعود بعد يوم إلى سجن هشارون حيث تعتقل".

مقيدة اليدين والقدمين تحضر الطفلة نورهان إلى المحكمة، تتعرض للدفع وتلقى عليها شتائم نابية من قبل عناصر الاحتلال الذين لا ينادونها إلا "بالمخربة" و"طفلة المقصات".

ورغم كل الظروف التي تعاني منها نورهان إلا أنها ترفض أن يتم تحويلها لأحد مراكز الإصلاح الإسرائيلية أو للحبس المنزلي، "تفاجأت من إصرارها على هذا الموقف، إلا أنها أخبرتني أن الاحتلال سيبقى يلاحقها إذا لم تقضي الحكم الذي سيبت به قاضي المحكمة".

وتتوقع العائلة أن يصدر حكما نهائيا بقضية نورهان في شهر أيار المقبل، وقد يتراوح الحكم بين سنتين إلى ثلاث سنوات، إلا أن المدعي العام الإسرائيلي طالب بحكم يتراوح 5-7 سنوات، "لا يراعون أنها طفلة، ويعاملونها كباقي الأسرى الكبار، ويتهمونها بمحاولة الطعن لمرتين"، تقول والدتها.

وتتوسل نورهان لوالديها مطالبة برؤية أشقائها السبعة وخاصة مصطفى ويقين، فقلبها ما بات يحتمل كل هذا الاشتياق، إلا أن ظروف الزيارة المتعبة تحول دون إحضار أشقائها الذين يستذكرونها في كل لحظة، "ينكلون بنا خلال الزيارة، نخرج من المنزل الساعة الخامسة فجرا ونعود الساعة الثامنة مساء لنرى نورهان 45 دقيقة فقط".

12788424_592762730880575_1055917054_o

ورغم غياب نورهان في سجون الاحتلال، إلا أن ذكرها ما زال حاضرا في الأسرة كلما اجتمعت، فأشقاؤها يلومون والدتهم كلما طبخت إحدى الأكلات التي تحبها نورهان، فيما يتركون مقعدها على طاولة الطعام فارغا، ويتشاجرون مع بعضهم إذا لمس أحدهم أغراضها أو حتى جلس على سريرها.

تسنيم شقيقة نورهان والأقرب إليها، تقول إن الدخول لغرفتها وشقيقتها بات أمرا صعبا، كما النوم فيها وسرير نورهان فارغا، "آخر ليلة جمعتنا، ذهبت للنوم وتركتها تدرس لامتحانها، جاءت وحاولت إيقاظي مرتين وسألتي إن كنت قد غفيت، طلبت منها أن تذهب وتكمل دراستها.. شعرت فيما بعد أنها كانت تريد إخباري شيء".

12787092_592762830880565_1105148363_o

12787137_592762867547228_1900437261_o

وتضيف تسنيم، "أشتاق لها كثيرا وافتقدها بكل لحظة، العطلة مرت دون أن أحس فيها، كنا نقضيها سويا ونستمتع.. يوم الزيارة أفضل أن أغيب عن الكلية لأذهب وأرى نورهان وأطمأن عليها".

وتبقى الوالدة قلقة على طفلتها التي كانت تشعر بالبرد دائما وتلبس عدة قطع ثياب فوق بعضها في الشتاء، "أفكر بها دائما كيف مر هذا الشتاء عليها، ولا ملابس كافية عندها في السجن"، مضيفة، أن نورا (عامين) تسأل دائما عن شقيقتها نورهان، "تقول دائما إن نورهان نامت عند هديل، ثم تبدأ بالأسئلة متى تعود نورهان".

وعن العلاقة التي جمعت نورهان بابنة عمها هديل، تروي والدة نورهان، "صداقتهما لا توصف، كانتا تبقى معا طوال الوقت، تنامان كثيرا عن بعضهما البعض.. حتى كانت هديل تأخذ نورهان عندما تمرض لمنزلها وتقول لي أنت لا تستطيعين العناية بها، وكذلك كانت تعمل نورهان عندما تمرض هديل".

12782285_592759910880857_1500805104_n

تلاعب المحققون بنورهان لاستنطاقها خلال إخضاعها للتحقيق، بإخبارها أن هديل اعترفت ضدها وأخبرتهم بكل شيء، "حتى عقد جلسة المحاكمة الثانية، أبلغ المحامي نورهان أن هديل قد استشهدت، أصابتها صدمة كبيرة وبدأت باللطم على وجهها، ثم عادت وسألتي مرة أخرى حتى أكدت لها".

ونقلت الأسيرة المحررة صابرين شتاتة من مدينة الخليل لعائلة نورهان، أن ابنتهم ورغم محاولة إخفاء ألمها عنهم إلا أنها عانت من ظروف نفسية صعبة للغاية، "أخبرتنا أن نورهان لم تكن تنام من الكوابيس التي تأتيها كما لم تكن تدع الأسيرات ينمن وهي تصرخ لا تطخوا هديل .. لا تطخوني".

نورهان وعدت والدتها أنه ستحصل على معدل يفوق 90% في الثانوية العامة ثم ستدرس المحاماة، وكانت بدأت نورهان بالإدخار لتجمع القسط الأول لجامعتها، "كانت طموحة وتخطط لمستقبلها دائما، وهي الآن لم تستلم وهاهي تأخذ دروس باللغة العبرية داخل السجن".