قرأت القانون الأساسي الذي من "المفترض" أن تحكمنا به حكومتي فياض-هنية عدة مرات، وصراحةً فيما يتعلق في الحقوق الشخصية والحريات العامة وجدته "رائعاَ"، فما أروعنا نحن العرب في كتابة القوانين وما أسوأنا في تطبيقها. باختصار شديد، حماس وسلطتها عملت في الفترة الأخيرة على انتهاك الحريات والحقوق الشخصية والعامة بشكل مدروس جداً والتبرير دائماً جاهز وهو الحفاظ علي تقاليد مجتمعنا "المحافظ المقاوم "، وكل هذه الإنتهاكات مرصودة في تدوينة الصديقة علا عنان هذا ما فعلته حكومة غزة بالحريات.
أنا شخصياً أصنف سلطة حماس في غزة بأنها "أمر واقع"، وهي تُعلن ليل نهار أنها تحكم بالقانون والمفترض أنه القانون الأساسي الذى وضعته منظمة التحرير الفلسطينية، بعض الأسئلة هنا؟
- هل هناك في القانون الأساسي مادة تلزم أي حكومة مثلاً بفرض الجلباب علي طالبات جامعة الأقصى؟
- هل هناك مثلا مادة تُكلفهم بإجبار الشباب علي عدم قص شعرهم بقصات معينة؟
- هل هناك مادة في قانون العقوبات تلزمهم بإعتقال ومن ثم قص شعر الشباب صاحب قصات الشعر المخالفة مثلا؟
- ثم هل هناك قصات شعر معينة ممنوعة بأمر من القانون الأساسي ونحن لا ندري؟
- هل هناك ما إستجد بإلزامهم بمنع المدرسين من تدريس الطالبات مثلاً ؟
-هل هناك أنواع معينة من البناطيل ممنوع إرتداؤها ؟
-ما هو المقياس الخاص بكم للحكم على أن هذا البنطلون "ساحل" أو "مش ساحل"؟
أمركم غريب يا سادة، فبأي قانون تحكمون وكيف ولماذا؟
حماس وسلطتها تقول أنها تعمل على ضبط "المجتمع" ومنع الممارسات التي تخالف العادات والتقاليد والخصوصية الفلسطينية. السؤال هنا: من الذى كلف حكومة حماس رسمياً بالحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع؟ ومن ثم هل الحفاظ علي ذلك هو من مهام أي سلطة تنفيذية أصلاً؟
يا سادة، لا يوجد حكومة أو سلطة أو نظام يحكم مجتمع ما، بناء علي عاداته وتقاليده، هناك قانون والحكومة ملزمة بتنفيذ القانون فقط، هي جهة تنفيذية فقط لا علاقة لها فيما سوى ذلك.
ومن ثم لا يوجد أي قانون في أي دولة في العالم يسمح للحكومة بالتدخل في الحرية الشخصية للفرد أو ما يطلق عليه بالمجال الخاص. مهمة الحكومة في أي مكان تنحصر "رسمياً" في كل ما يتعلق بالمجال العام فقط، وتنتهي مهمتها رسمياً عند المجال الخاص. وهناك مثال دائماً ما يستخدم للتدليل على ذلك، بأنه لو كان هناك مشروع معين للحكومة في منطقة سكنية مثلاً ويستلزم إنجاز هذا المشروع أن يكون اللون الخارجي لبيوت المنطقة موحداً تستطيع الحكومة أن تفرض اللون الخارجي على صاحب البيت ولكنها لا تستطيع أبداً التدخل في اللون الداخلي للبيت.
مشكلة حماس أنها حتي اليوم ورغم مرور سنوات علي حكمها المنفرد لقطاع غزة، ما زالت تتعامل وكأنها فصيل معارض خارج السلطة، يا سادة وبكل بساطة إذا كان لديكم مشروع معين وتريدون تنفيذه وفعلاً أنتم تنفذونه بشكل تدريجي على المدي الطويل، وأداة التنفيذ هي حكومتكم بدون أي سند قانوني، فلماذا لا "تريحونا" وتريحوا أنفسكم وتوجدوا لأنفسكم هذا السند القانوني؟ فلديكم مجلس تشريعي نائم منتهي الصلاحية "توقظوه" وقت الحاجة، كإقرار ميزانية حكومة أو استنكار لتصرفات معينة تضر بحكومة وحركة حماس، فليقم مجلسكم التشريعي بسن كل ما تريدونه من قوانين "وقد قام فعلاً بذلك عدة مرات" وبذلك تغلفون كل ما تريدون بغلاف قانوني، وينتهي الأمر، الموضوع بسيط جداً.
السؤال إذن ؟
- لماذا لا تصدر حماس قوانين خاصة لما تفرضه في قطاع غزة "بقانون القوة "ويصبح وقتها متواجد بقوة القانون؟
-لماذا تريد حماس أن يبقي القانون الذي تحكم به قطاع غزة كما الآن "قانون مدني بإمتياز"؟
الجواب وبكل بساطة .. كي تظهر أمام المجتمع الدولي بصورة الحكومة المعتدلة المنفتحة علي الجميع دوماً وأبداً، المحافظة علي حقوق الأقليات، الحامية للتنوع السياسي والفكري والأيدولوجي. يا سادة، في الوقت الذي تسعى فيه حماس لحصولها على الإعتراف الدولي وشطب اسم تنظيمها من قائمة التنظيمات "الإرهابية" تسعي هي وبكل قوة عبر أعمالها لـ"حمسنة" قطاع غزة. للأسف فحماس لا تملك أي جرأة لإصدار مثل هذه القوانين في الوقت الراهن، حماس لا تملك الجرأة لإصدار قوانين "حمسنة" قطاع غزة.
ملاحظات هامة
1-يبدو أن حكومة حماس والتي أصدرت قراراً بتأنيث مدارس الفتيات "بمعنى أن من يُعلّم الفتيات في المدارس هم المعلمات فقط"، لا تعلم أن السيدة عائشة أم المؤمنين"رضي الله عنها" كانت مرجعاً علمياً لصحابة الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم، حيث قال أبو موسي الأشعري:"ما أشكل علينا-أصحاب رسول الله-حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً".
2- يبدو أن حركة حماس لم تقرأ جيداً مهرجان إنطلاقة خصمها السياسي "فتح" في قطاع غزة، حينما خرج أكثر من مليون فلسطيني في هذا المهرجان. لم يخرجوا انتصاراً لفتح بقدر خروجهم إعتراضاً ونقمةً على أداء الحكم الخاص بحركة حماس وهي التنظيم المركزي لقوى الإسلام السياسي الفلسطينية حتي أبناء تيارات الاسلام الوطني كالجهاد الإسلامي كانوا في هذا المهرجان. المهرجان كان رسالة واضحة لحركة حماس ولكن يبدو أنها لم تجد لها من قارئ حتى الآن.
3- بالنسبة لموضوع أن حماس وسلطتها هم حكومة وتنظيم مقاومة ويعملون لحماية شعبنا، فمن المفترض وفق رؤيتهم أن كل أعمالهم لها ما يبررها. فقط أحب أن أذكرهم بأن حكومة الإحتلال أيضاً تحمي شعبها وتدافع عنه وتحفظ كرامته، مع فارق التشبيه طبعاً، ولكني أخشى ما أخشاه أن حماس تظن أن شعبنا هم فقط أبناء حماس.
4- لا أدري ما الهدف من منع حكومة حماس لطالبات جامعة الأقصى من إرتداء البنطلون وإلزامهم بالجلباب، مع أن جامعة الأقصي غير مختلطة أصلاً، فهل تخشى الحكومة على أن تقوم الفتيات بإغواء بعضهن البعض مثلاً؟ أم أن الهدف الرئيسي هو فرض الجلباب؟
5-عن علاقة المظهر وربط العادات والتقاليد بالشعب المقاوم المحافظ، هل سبق وأن اطلعتهم علي دور الفتاة العربية غير المنتمية للإسلام السياسي في الربيع العربي الذي جلب تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم؟
نقطة أخيرة، أنا ألتزم بالقانون وهنا أنا أدافع عن القانون فقط والمظهر حرية شخصية يكفلها القانون. قد أعترض على مظهر ما، لكن لا يحق لي كما لا يحق للحكومة لا شرعياً ولا قانونياً أن أجبر أحد علي تبني وجهة نظري الشخصية.