شبكة قدس الإخبارية

على قبر الشهيد مصطفى الخطيب.. لن يجف سعف النخيل أبدا

شذى حمّاد

رام الله - خاص قُدس الإخبارية: ما عادوا يروه، فانسحبوا من بين العشرات المحيطين به ليجلسوا على سور المقبرة يتأملون صديقهم وهو يُغطى بالتراب،  يفكرون بذواتهم ويلتقون بأفكارهم، "يا ليتنا نستطع اختطافه وإعادته معنا".

ذكرى تلو الأخرى تداهمهم، فيما إغلاق قبر مصطفى الخطيب شارف على الانتهاء، وبدأ المشيعون بالانسحاب، ليبقى أصدقاؤه قربه مرتدين اللون الأسود، بعد أن ارتدى قلوبهم مذ أن وصلهم خبر ارتقائه شهيدا بتاريخ 12 تشرين أول الماضي.

 فعلى غير العادة، بدأت الحصة الأولى ولم يحضر مصطفى بعد، ليتبع غيابه خبر استشهاده لأصدقائه الذين ترقبوا دخوله، وتحضروا للدفاع عنه أمام أستاذهم إذا حاول توبيخه، فمصطفى (17 عاما) لا يتأخر عن الدوام إلا لأمر طارئ، هم متأكدون من ذلك! كيف لا وهم أصدقاؤه منذ أكثر من (13 عاما)؟.

هاتف مصطفى لا يجيب على مكالمات أصدقائه الذين توقعوا أن يكون أسوأ ما حصل معه هو مرض أقعده الفراش، "نحن في صف توجيهي، وهو صف حاسم نحرص كمصطفى ألا نتغيب عن أي درس"، يقول باسل عودة أحد أصدقاء الخطيب، مضيفا، "حاولنا الاتصال عليه كثيرا، ليصلنا فيما بعد خبر استشهاده".

من المتفوقين في مدرسته، كان مصطفى الذي اختار الفرع الدراسي العلمي ليحقق حلم طفولته بدراسة الطب، يعقب باسل، "كان مصطفى يخطط للحصول على علامة عالية في التوجيهي ويكون من الأوائل، كما كان يخطط للسفر إلى ألمانيا ودراسة الطب هناك"، ويتابع، "كان لديه أحلام كثيرة، واتهم ظلما بمحاولة تنفيذ عملية طعن".

مصطفى من قرية صور باهر جنوبي مدينة القدس، أعدم بأربع رصاصات من النوع الحي استقرت في رأسه ورقبته، خلال مروره قرب باب الأسباط أحد أبواب بلدة القدس القديمة، بعد ادعاء أحد عناصر شرطة الاحتلال محاولة الشهيد تنفيذ عملية طعن، خلال توقيفه وإخضاعه للتفتيش والتدقيق بهويته.

ومنذ ذلك الحين احتجزت سلطات الاحتلال جثمانه حتى 11/كانون ثاني الجاري، أي بعد احتجازه لأكثر من شهرين في ثلاجات الاحتلال، لتشترط تسليمه مقابل دفنه خارج مدينة القدس، ويواري الثرى في مقبرة مدينة البيرة.

يقول باسل محاولا البحث عن كلمات يصف بها صديقه الشهيد، "أي كلمات تصف مصطفى؟ هو لم يكن يؤذي أو يغضب أحدا، لطيف وصادق مع الجميع، كما كان يحب مساعدة الناس".

ما زال دخول الصف صعبا على أصدقاء الشهيد مصطفى وزملائه، فرؤية درجه فارغا يكوي قلوبهم، "بفقداننا مصطفى، فقدنا جزء كبير من حياتنا، دائما نشعر بفراغ في الصف، لم نكن يوما نتخيل هذه الساعة التي سنودعه بها"، يقول جهاد عطا الله صديق مصطفى وزميله مذ أن كانا في صف التمهيدي.

الأصدقاء المصدومون والمفجوعون لاختطاف رصاص الاحتلال صديقهم، يصرون أن يكملوا عامهم الدراسي ويكونوا "فوج الشهيد مصطفى الخطيب" المتميز بتفوقه، حيث نجاحهم لن يكون لهم كما خططوا مسبقا، بل سيهدى لصديقهم.

فيعلق جهاد، "فراق مصطفى صعب، ولكننا سنصبر ونتحمل، وسنواصل الدراسة لنهدي نجاحنا لمصطفى، وهذا أقل ما يمكننا إهدائه لمصطفى وعائلته"، مؤكدا "هذا وعد منا لصديقنا مصطفى".

محبا للفرح والحياة كان مصطفى، دائم الابتسامة، حريصا على اسعاد من حوله من عائلته وأصدقائه، يضيف جهاد، "حرص مصطفى على أخذ رخصة السياقة، هو أول صديق لنا يحصل عليها، وكان فرحا كثيرا بها"، فيما ساهم طول بنية الشهيد مصطفى في أن يكون أحد المتميزين في مدرسته في لعبة كرة السلة، والتي كانت لعبته المفضلة، "كان يحب كرة السلة كثيرا، إلا أنه كان مبدعا في كل الألعاب الرياضية".

أي مواقف وأي ذكريات يستحضرها العقل الآن، (13 عاما) لم يفترق الأصدقاء يوما بها عن بعضهم البعض، مواقف وذكريات ستهز ذاكرة أصدقاء مصطفى كلما تكرر حدث سيكون غائبا عنه.

فيروي عبد الله الصفدي صديق الشهيد، أن مصطفى كان يتحدث دائما في الإذاعة المدرسية، ويختار مواضيع ترفيهية ومضحكة، "كان مصطفى بحديثه يضحك كل من يحيطه ويسعدهم".

يقول الصفدي، "لم نفترق عن بعضنا إلا عندما اخترت تخصص الأدبي، فيما اختار مصطفى التخصص العلمي، إلا أننا بقينا أصدقاء نلتقي دائما على باب المدرسة وفي ساحتها ونتبادل الحديث"، مضيفا، "مصطفى غني عن التعريف، الكل يعرفه بأخلاقه وأدبه وصفاته الرائعة، والكل يشهد له بذلك".

وعن آخر ذكرياته مع صديقه الشهيد، يقول عبد الله، "التقيت به على باب المدرسة، وسلمنا على بعضنا، كان طبيعيا جدا كما كل يوم، تحدثنا وضحكنا ثم افترقنا"، مشيرا إلى أنه نقل لهم خبر استشهاده فيما بعد "لم نصدق حتى رأينا صورته، وتعرفنا عليه من خلال ملابسه".

متألما ومقهورا لإعدام احد تلاميذه المجتهدين والمتفوقين، بقي نضال أبو ذياب - أستاذ الشهيد مصطفى منذ خمسة سنوات – واقفا على قبر الشهيد بعد أن غادر الجميع، "كان قريبا لأساتذته جميعا، يجلس معهم ويمازحهم، عرف عنة طيبة قلبه، وحسن خلقه، وكان طالبا مجتهدا ومحبا للعلم".

ويوضح أبو ذياب، أن الشهيد مصطفى كان دائم السؤال عن المسجد الأقصى وحاله، ومحاولته الحصول على تفاصيل كثيرة عنه، كما كان حريصا على التواجد الدائم فيه، "كان له دائما تعليقات ومداخلات دقيقة ومبدعة خلال الدرس، كما كان نقاشه ثريا بالمعلومات دائما"، ويضيف،" لم يترك لنا مصطفى سوى الذكريات الجميلة عنه، وابتسامة لن ننساها أبدا".

بسعف النخيل الأخضر، زين الأصدقاء قبر صديقهم الشهيد مصطفى الخطيب، كما جرت العادة في مدينة القدس، ودعوه بعد أن تعاهدوا على زيارته دائما لاستبدال العسف كلما جف، فوجوده بعيدا لن يغيّب الصديق والأخ من الذاكرة والقلب كما ظن الاحتلال عندما وضع شرطه بدفن الشهيد خارج أسوار القدس.