رام الله - خاص قُدس الإخبارية: مرة أخرى، تؤجل صمود تنفيذ مخططاتها لاستكمال الدراسات العليا، فقرار جديد يصدر من سلطات الاحتلال يمنعها من السفر لعامين، ليعلق الحلم في منتصف الطريق منتظرا تأشيرة خروج، أصبح الحصول عليها حلما آخر.
فيما تأجل نيل رلى لدرجة الدكتوراة حتى عام 2099، لحين انتهاء قرار منع السفر الذي أصدره الاحتلال بحقها لأول مرة قبل (28 عاما).
صمود .. وأحلام مؤجلة
صمود أحمد سعدات (29 عاما) باحثة ميدانية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الانسان، حاصلة على بكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، وعلى درجة الماجستير في تخصص علاقات المرأة والتنمية من ذات الجامعة، فيما طموحها للحصول على درجة الدكتوراة ما زال معلقا بسبب تجديد الاحتلال قرار منعها من السفر.
منع صمود من السفر بدأ عام 2010 خلال توجهها للمشاركة في عرض دولي للفرق الفنية في الصين، حيث كانت عضوة بفرقة وشاح للرقص الشعبي، الفرقة التي كان من المقرر أن تمثل فلسطين حينها، تقول صمود، "حصلت على تأشيرة من الصين، وعندما توجهت لجسر الملك حسين، ليتبين أني ممنوعة من السفر، وتم إرجاعي دون الكشف عن أسباب هذا المنع، واقتصارها على أنها أسباب أمنية".
منذ عام 2010 والاحتلال يجدد قرار منع صمود من السفر دون إبداء أسباب واضحة أو توجيه تهم لها، وتؤكد صمود أنها كانت تسافر باستمرار حتى عام 2009 قبل أن يتم منعها، إلا أنها كانت تخضع للتفتيش والتدقيق ويتعمد الاحتلال تأخيرها لساعات طويلة.
منع الاحتلال لصمود من السفر حرمها العديد من الفرص، حيث لم تستطع عام 2012 المشاركة في مؤتمر حقوقي دولي خاص بالأسرى الفلسطينيين، إضافة لحرمانها المشاركة في العديد من الدورات التدريبية، وتعلق صمود، "أطمح لاستكمال تعليمي والحصول على درجة دكتوراة، إلا أن منعي من السفر يقف عائقا أمام ذلك، فلا استطيع البحث عن منحة طالما أني ممنوعة من السفر".
وتضيف، “هذا عقاب جماعي، علينا أن لا نستسلم، ونكشف الاحتلال من خلاله للعالم”، ويطال قرار المنع من السفر عدد من الحقوقيين والنشطاء الفلسطينيين، كمحاولة لمنع استعراض ما يرتكبه الاحتلال من انتهاكات واعتداءات بحق الفلسطينيين عامة والأسرى خاصة، في مؤتمرات دولية وعالمية.
ويتبع الاحتلال سياسة ممنهجة بالمماطلة بالرد على أي رسالة أو شكوى على قرار المنع من السفر، فتوضح صمود أنها توجهت في عام 2014 لتقديم شكوى ضد القرار الصادر بحقها، إلا أن الاحتلال لم يرد إلا بعد شهرين.
عقاب جماعي للأسرى وذويهم
ويفرض الاحتلال قرار المنع من السفر على عدد كبير من أهالي الأسرى إضافة لحرمانهم من زيارة أبنائهم داخل الأسر، فتبين صمود أنها وعائلتها انحرموا لسنوات طويلة من زيارة والدها الأسير أحمد سعدات – الأمين العام للجبهة الشعبية – المحكوم بالسجن (30 عاما).
“نحن كعائلة نواجه رزمة من الضغوطات كالمنع من السفر، والحرمان من الزيارة، وعقابات أخرى تفرض علينا، بسبب موقع الوالد القيادي”، تقول صمود.
وتبين أنها استطاعت زيارة والدها مرة واحدة بعد مرور تسعة سنوات على اعتقال، بعد مراحل نضالية طويلة، موضحة، أن والدها الأسير ورفاقه الأسرى هددوا إدارة سجون الاحتلال بالإضراب المفتوح عن الطعام، لينجحوا بالضغط عليها وتتمكن العائلة من زيارة سعدات
وتضيف صمود، أن والدتها حرمت مرات عديدة من الزيارة، كما لم يتمكن شقيقيها “يسار” و”اباء” من زيارة والدهما إلا مرة واحدة فقط خلال عام 2013، معتبرة، أن هذه العقوبات تنبع من “موقف والدها الصلب وإرادته وتأثيره على الآخرين، إضافة لموقع القيادي”.
رلى.. ومنع مفتوح
الأسيرة المحررة رلى أبو دحو (47 عاما)، أستاذة ومحاضرة في جامعة بيرزيت، منعت من السفر لأول مرة وهي في عمر الـ (19 عاما).
وتروي أبو دحو، أنها وبعد الإفراج عنها عام 1997 بعد اعتقال طال تسع سنوات، دعيت للمشاركة مع مجموعة محررات في مهرجان القدس في قطر، لتُفاجأ وفور وصلها لجسر الملك حسين بمنعها من السفر.
محاولات قانونية عديدة سعت بها أبو دحو لمحاربة قرار منع السفر، إلا أنها حتى الآن لم تثمر عن شيء، حيث يتمسك الاحتلال حتى الآن بذريعة أن أبو دحو خطر على أمن المنطقة لمنعها من السفر.
قرار منع السفر لم يعق يوما سير حياة المحررة رلى، فقد أصرت على تحديه بما لديها من طاقات، "كون المنع من الاحتلال أنا لا أسمح له بأن يعيق حياتي من ناحية نفسية واجتماعي، إلا أنني أستاذة جامعية وحرمت من الحصول على درجة الدكتوراة".
فرص كثيرة لنيل درجة الدكتوراة توفرت أمام رلى إلا أن منعها من السفر وقف عائقا أمام ذلك، فتروي أن الجامعة اللندنية أجرت مقابلة معها وقبلتها كطالبة دكتوراة، إلا أنها لم تستطع الالتحاق بالجامعة، إضافة لحرمانها من المشاركة في مؤتمرات دولية وأيام دراسية وتبادل خبرات مهنية وعلمية، "كل ذلك يحد من تطور العلمي والأكاديمي، وتتقلص كافة الفرص".
منع السفر لن يمنع الحلم
منع السفر لم يحبط رلى أبو دحو، بل زادهما إصرارا وتحديا، فتقول، "لم أكتئب ولم أتوقف، واتجهت لبديل نيل ماجستير آخر حتى أصعد من درجة مدرسة إلى محاضرة".
وتضيف أبو دحو، أن الحصول على درجة ثانية في الماجستير ليس بالسهل، فهي تعيد ذات الدرجة للمرة الثانية، "كان لدي شعور بالتحدي، ولأثبت للاحتلال أنه لم ينجح في إعاقة حياتي وإيقافها".
فيما تسعى أبو دحو لاستبدال الدرجة العلمية بتنفيذ مجموعة من الأبحاث العلمية والتي تعوض من ناحية تقنية عن درجة الدكتوراة، "كل ما يضع الاحتلال حاجزا أمامنا، يجب أن نتحدها بقوة أكثر، لنؤكد له أننا لا نستسلم".
وترى أن احتضان المجتمع للممنوعين من السفر له دور كبير في تحدي الاحتلال، مشيرة إلى دور معهد المرأة في جامعة بيرزيت في ذلك، حيث قدم العمل معها ودعمها ومنحها الوظيفة.
كما أنها لا تعاقبها لعدم مشاركتها بمؤتمرات دولية والحصول على درجات عليا، "كل زملائي يحصلون على درجات وشهادات، لكن بالفعل اليومي والمعنوي أنا كزملائي في العمل، ولا أشعر بتميز في مكان العمل بل بالتضامن الدائم".
ودعت أبو دحو الممنوعين من السفر لعدم اتخاذ هذا القرار كقرار فردي، واستغلاله كدافع نضالي، "من الجميل أن نسافر ونخوض التجربة، ولكن إذا هذا السفر بفعل الاحتلال، فسحقا لهذا الاحتلال" مؤكدة على أن المنع من السفر هو ثمن النضال من أجل فلسطين".