شبكة قدس الإخبارية

نظرة في تراجع الكالتشيو وفرقه

فضل عرابي

لم يعد "الكالتشيو" الإيطالي منذ سنوات صاحب الكعب الأعلى على الدوريات الأوروبية كما كان في مطلع الألفية وأواخر التسعينات، غير أنه تراجع في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ حتى عصفت به الفضائح والتحقيقات بل وهوت مستويات أنديته إلى الدرجة الأدنى لها منذ زمن طويل، وهو ما ظهر بوضوح في دوري أبطال أوروبا خلال المواسم الأخيرة.

فما هي أسباب هذا الانحدار في مستوى أندية البلد التي حقق منتخبها مونديال العالم أربع مرات؟! وهل هذه الأسباب رياضية بحتة أم أن لها خلفيات أخرى؟!

رومانو برودي والاتفاق الفاشل

ربما كانت تلك النقطة هي السبب الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الإيطالي باكرًا وجعل الشارع الإيطالي يفقد الأمل بسرعة أثناء المفاوضات من أجل تقييم عملة كل دولة قبل تبني العملة الموحدة، أي أنه كان على كل دولة التفاوض من أجل الحصول على اعتراف بقيمة عملتها الأصلية وبيع سنادات الدولة ومخزونها من الذهب للمصرف الأوروبي المركزي بالسعر الذي يناسب الاقتصاد المحلي وينصف الشركات والمؤسسات والفعاليات التجارية والاقتصادية المحلية.

 هنا وافق رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، على تقييمٍ كان السبب في انخفاض قيمة الليرة الإيطالية بنسبة 50%، أي أنه قبل شروط ألمانيا وعاد إلى إيطاليا بكارثة من الناحية الاقتصادية، وفي غضون أسابيع معدودة انهارت القيمة الشرائية للمواطن الإيطالي، وارتفعت الأسعار بقدوم اليورو القوي، وقد أثر هذا حتى على الاستثمارات الداخلية للشركات وسمح للمصارف التحكم في جزء كبير من الشركات الحكومية والخاصة عبر قروض خنقتها على المدى الطويل ومن ضمن هذه الشركات الأندية.

الفساد والرشاوي

لن تكفي هذه المقدمة الاقتصادية لشرح الحالة الاقتصادية الإيطالية وأثرها على مختلف القطاعات في إيطاليا، ولذلك فإنني سوف أهتم بالحديث عن الجانب الرياضي، لا سيما مع كثيرة الفضائح المتتالية والكوارث السياسية، فإيطاليا لم تتقدم من الناحية الهيكلية بنفس سرعة الدول الأوروبية الأخرى، ونحن نتذكر الفضائح التي حدثت بعد استضافة كأس العالم 1990.

وحتى لا أطيل يكفي القول أنه وبعد 10 سنوات فقط ألقي القبض على 32 سياسيًا وإداريًا كانوا متورطين في صفقات بيع العطاءات، وأن 18% من المنشآت التي كان من المفترض افتتاحها في كأس العالم، لم يتم الانتهاء من تشييدها، مثل محطة (فينيا كالارا) التي لم يتم تدشينها لأن المهندس، (قريب السياسي الذي وافق على العطاء والمناقصة)، لم يحسب إمكانية مرور القطار منها وكان تصميمه للنفق لا يتسع حتى لحافلة عادية.

لكن الطامة الكبرى كانت فندق (لامبارو) الذي وافقت عليه الجهات المسؤولة، دون الانتباه إلى عدم وجود طريق يؤدي إلى المكان الذي سيبنى فيه الفندق، وبالتالي فمن المستحيل ربط الفندق بالأسلاك الكهربائية لأنه مبني في إحدى الغابات!

عدم استغلال التمويلات الأوروبية

ويتوجب هنا شرح نقطة مفصلية توضح الفرق بين إيطاليا وإسبانيا، فالاتحاد الأوروبي يمنح سنويًا كل دولة عضو في المجموعة تمويلات وقروض لتحسين التعليم والبنية التحتية ولتمويل قطاع الثقافة والسينما والسياحة... الخ، ولكن ما حصل في إيطاليا أن هذه الأموال اختلست لسنوات، ونهبت من خلال مشاريع وهمية أو مبالغ في قيمتها، بينما استغلت إسبانيا نسبة عالية من القروض والتمويلات التي تتحصل عليها من الاتحاد الأوروبي لتحسين البنية التحتية والطرق، والتغير الذي طرأ على مدريد العاصمة مذهل كما يتضح للجميع.

ولكي لا نبتعد عن موضوع كرة القدم نضيف إلى ما سبق ذكره، عدم الاستقرار السياسي في إيطاليا ما أدى لتأخر الإصلاحات التشريعية والهيكلية.

قصر نظر الأندية الإيطالية

هذه نقطة مهمة جدًا، فعند انطلاق القنوات المشفرة والنقل التلفزيوني المكثف للمباريات المحلية، لم تستغل الفرق الإيطالية هذه الأموال لتوزيع المداخيل وتحسين البنية التحتية والمرافق وبناء الملاعب الخاصة بالفرق، بل أنفقت هذه الأموال لشراء لاعبين أجانب ودفع رواتب خيالية لهم.

وذلك على خلاف بقية الأندية الأوروبية التي استثمرت الأموال في البنية التحتية والملاعب الخاصة والعقارات، وعند حدوث الأزمة الاقتصادية وجدت الفرق الإيطالية نفسها خلف الفرق الأوروبية الأخرى، لأنها بقيت تعتمد على مداخيل النقل التلفزيوني بينما تتنوع مداخيل الفرق الأوروبية، وربما شكل يوفنتوس الاستثناء الوحيد هنا، بالرغم من تأخره كثيرًا في بناء ملعبه وتوسيع مداخيله ونشاطه التجاري وحماية علامته التجارية ونشرها من خلال سفراء في كل العالم وبناء قرية يوفنتوس التي هي حاليًا قيد الإنشاء وغيرها من النشاطات.

الموارد الخارجية والأسواق الخارجية والجماهير البعيدة

تبدو هذه النقطة مؤلمة جدًا أو الأكثر إيلامًا، فللأسف ظل اهتمام الأندية الإيطالية مركزًا على الأسواق الداخلية، ولم تؤمن يومًا بإمكانية إيجاد مداخيل كبيرة من الخارج، وهذا يعزى إلى تحجر العقلية الإيطالية.

فعلى سبيل المثال حاول الإعلامي محمد بشير أبو كبدة إقناع أكثر من صحيفة إيطالية أن تصدر نسخة منها باللغة العربية لكنها رفضت ذلك، كما أنه لا وجود للغة العربية في مواقع الأندية الإيطالية الإلكترونية رغم جماهيريتها الكبيرة في الوطن العربي، باستثناء نادي ميلان الذي ترعاه طيران الإمارات.

في المقابل هناك مداخيل رهيبة للفرق الإنجليزية والإسبانية من القارتين الإفريقية والآسيوية، ومرة أخرى يشكل اليوفنتوس الاستثناء والحالة الشاذة، ولكنه دخل إلى الأسواق الخارجية متأخرًا، وذلك منذ 6 سنوات فقط، حينما تولى أندريا أنييلي رئاسة النادي وباشر العمل فورًا على هذا الجانب.

لقد حاولتُ من خلال هذه المقالة أن أوضح أسباب تراجع الأندية الإيطالية في السنوات الأخيرة، لكن الأمل يبقى موجودًا لكنه يحتاج إلى سنوات، وربما يشكل اليوفنتوس بارقة الأمل التي ربما تسير باقي الفرق الإيطالية على خطاها، رغم تأخره كما شرحت،

ودعونا فقط نتذكر أن اليوفنتوس هو النادي الوحيد الذي يحقق أرباحًا، بينما تحقق كل الأندية الأخرى خسائر في ميزانياتها، ما يضطرها لبيع نجومها، ولهذا السبب قد نشهد في الموسم القادم رحيل بيانيتش من روما وهامسيك من نابولي وكلنيتش من فيورنتينا على سبيل المثال لا الحصر، فحتى ميلان وإنتر ربما يبيعان نجوم الفريق لتغطية الديون والعجز والخسائر في الميزانية.

*ملحوظة: بعض المعلومات استنادا لمقال سابق للإعلامي بشير أبوكبدة من قنوات ابوظبي الرياضية.