شبكة قدس الإخبارية

البطريرك ثيوفلوس يسرب الوقف الكنسي والأرثوذكسيون ينتفضون

شذى حمّاد

بيت لحم - خاص قُدس الإخبارية: للمرة الأولى منذ مئات السنين، تمضي احتفالات عيد الميلاد في فلسطين حسب التقويم الشرقي دون البطريرك، حيث استبدلت مراسم استقباله بمسيرات كشفية مهيبة تجوب محافظة بيت لحم.

ساحة المهد بدت فارغة بشكل ملفت، ولا وجود لأي مراسم استقبال شعبية ومؤسساتية للبطريرك ثيوفليوس الثالث كما جرت العادة، ليدخل الكنيسة بصمت بعدما أعلن أنه "غير مستحق" بنظر رعيته الأرثوذكسية.

12528081_572635879559927_798539248_n

وجاء ذلك بعد إجماع المؤسسات الأرثوذكسية في فلسطين على عدم استقباله كالمعتاد في السادس من كانون ثاني من كل عام، بالتزامن مع انطلاق احتفالات عيد الميلاد للطائفة، حسب "استاتيكو" الطائفة المعمول به منذ ألف عام (كلمة يونانية تعني الإجراءات التي تتخذ أو المتفق عليها)

إعلان الطائفة الأرثوذكسية انتفاضتها على البطريرك جاء نتيجة ما كشفته السنوات العشر الأخيرة، من تواطئ للبطريركية في بيع وتسريب مئات الدونمات في بيت لحم والقدس لسلطات الاحتلال، كان أخطرها عام 2009 حيث تضمن الصفقة بيع 71 دونما لصالح توسيع مستوطنات "أبو غنيم" و"حارهوما" و"غيلو" و"جفعات همتوس" و"تل بيوت" وكيبوتس "رامات رحيل".

ويبين المحامي جورج حنانيا لـ قدس الإخبارية، أن البطريرك عقد صفقات لتأجير أراضي وقف أرثوذكسية لمدة (99 عاما) إضافة لـ (49 عاما) بعقود ذكية جدا لمجموعة من الأشخاص غير المعروفين من رجال أعمال فلسطينيين واسرائيليين، "البطريرك بهذه العقود تخطى كافة الخطوط الحمراء".

وأكد على أن العقود شملت ادعاءً بموافقة مجلس المطران وهو ما ثبت عكسه، حيث أن البطريرك لم يعُد للمجلس بما اتخذه من قرارات، لافتا إلى أن مخالفة المطران للبطريرك يعني تعريضهم للعزل من الكهنوت أو ترحيلهم أو تخفيض درجتهم، واصفا سياسات البطريرك "بنظام قمعي بحت".

وتتعدى مساحة أملاك البطريركية الوقفية 20% من مجمل الأوقاف الدينية الموجودة في الأراضي الفلسطينية، منها 22 ألف دونم في منطقة البريج المهجرة، وألف دونم في قيسارية، وأكثر من 1200 دونم في منطقة مارالياس.

قرار مقاطعة بالإجماع

عضو اللجنة التأسيسية في مجلس المؤسسات الأرثوذكسية جلال برهم أوضح لـ قدس الإخبارية، أن عدم استقبال البطريرك ثيوفليوس جاء بإجماع كافة المؤسسات الأرثوذكسية في بيت لحم والقدس ورام الله، بعد سلسلة من الاجتماعات التي أخدتها في مجملها أن ثيوفليوس "غير مستحق"  للبطريركية بسب امعانه في سياساته ونهجه وقيادته للكنيسة حتى ألحق بها مزيدا من التدمير والتراجع في آدائها.

وأضاف، أن عاما مضى والبطريرك يواصل المماطلة بذريعة الحوار، ليستغله في التصرف بالوقف الأرثوذكسي من بيع وتأجير ورهن، إضافة لاتخاذ إجراءات تعسفية بحق الكهنة والرهبان العرب وغير العرب، وتابع، "كل راهب وخاصة غير العرب يعارض سياسة البطريرك يتم اتخاذ اجراءات قاسية بحقه كما حصل مع الأب أكارديوس العام الماضي قبيل الأعياد الميلادية".

وأوضح برهم أن مواصلة البطريرك ثيوفليوس في سياساته أوصلت رسالة واضحة لرعيته، أنه لا يهمه إصلاح حال الكنيسة، مبتزا مشاعر الأرثوذكسيين ومثيرا لغضبهم وهو ما دفعهم لإعلان مقاطعتهم لاستقباله، "ثيوفليوس لا يقيم أي وزن للرعية الأرثوذكسية ويضرب بممارساته تعاليم السيد المسيح وكل الرسل عرض الحائط".

[caption id="attachment_82203" align="aligncenter" width="600"]ثيوفولوس ثيوفولوس[/caption]

من جانبها، أكدت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة "إسرائيل" (BDS) دعمها الكامل لموقف المجلس المركزي الأرثوذكسي في فلسطين والمؤسسات الارثوذكسية في بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور الرافض لسياسات بطريرك ثيوفيلوس التفريطية، القائمة على تسريب الأراضي والعقارات الوقفية الارثوذكسية بيعاً أو تأجيراً للاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، ومساهمته المباشرة في مخطط "تهويد" القدس المحتلة بشطريها.

واعتبرت اللجنة تفريط البطريرك بأملاك الطائفة الارثوذكسية الوطنية يجب أن يواجه بمقاطعته بكافة الطرق، وعدم استقباله، وعزله، مطالبة السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية باحترام رغبة الطائفة الأرثوذكسية بسحب الاعتراف بسلطة ثيوفيلوس واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تفريطه بأملاك الكنيسة وتواطؤه مع الاحتلال الإسرائيلي.

ثيوفيلوس يخالف تعاليم الكنيسية

ويتجاهل ثيوفيلوس في قيادته للكنيسة الأرثوذكسية الرجوع لمجلس الرهبان، وللمجلس المختلط، حيث تؤكد الوثائق أنه سرب أجزاء من وقف الكنيسة دون الرجوع إليهما. ويؤكد برهم أن ما يقوم به البطريرك يخالف القانون (27/58) الذي ينص على الحوار والإصلاح وتطبيق القانون والذي على أساسه تم انتخابه، "بعد ما تم الاعتراف به، ضرب بعرض الحائط كافة القوانين".

وأضاف أن البطريرك يهمش الدور الجوهري للمجلس المختلط الذي يتكون من 17 عضوا، ثمانية منهم من العلمانيين، وتسعة من الكهانوت، والذي يتمثل دوره في متابعة أمور البطريركية والاطلاع على ميزانيتها ومراجعتها، ومتابعة من يصد منها من قرارات وإجراءات.

الأب أركاديوس أحد ضحايا ثيوفليوس

في 27/كانون أول من عام 2015، اعتقلت الشرطة الفلسطينية الأب أركاديوس كرياكو (الأربعينيات من عمره)  بتهمة تهديده للبطريرك، لتفرج عنه النيابة معلنة براءته فيما ترفض الشرطة الفلسطينية تطبيق القرار، ثم تسلمه لسلطات الاحتلال التي احتجزته في سجن "جفعون"، قبل أن تقوم بترحيله إلى بلده قبرص.

حنانيا والذي كان المحامي الشخصي للأب أركاديوس، يبين أنه حضر لفلسطين قبل (15 عاما) حيث عين رئيسا لدير مار سابا، ليبدأ بترميمه وتعميره بكلفة بلغت ثلاثة ملايين شيقل، "كل المبالغ التي حصل عليها الأب كانت من جهده الخاص نتاج المزارع التي امتلكها، لإضافة لمصنع، حيث كان شخصا اجتهد وثابر في عمله".

[caption id="attachment_82204" align="aligncenter" width="600"]الأب أوكارديوس الأب أوكارديوس[/caption]

وأضاف، أن أركاديوس قام بتسوير أراضي الدير التي بلغت 300 دونم حيث اعتنى بها، ليتفاجأ فيما بعد بقيام البطريرك بتأجير دونمين منها لأحد رجال الأعمال لمدة 49 عاما مقابل 400 ألف دولار.

وأكد حنانيا، أن أركاديوس رفض الصفقة التي عقدها البطريرك كونها غير قانونية وخاصة أن مجلس الكنيسة لم يكن مطلعا عليها، "رفض الأب أركاديوس تسليم الارض، لقناعته أن الوقف الأرثوذكسي لا يجوز التجار به، ما أثار جنون البطريرك واتهمه بتهديده ليتم اعتقاله من قبل السلطة الفلسطينية".

البطريرك يطعن بالاتفاق

وتدعو سياسات ثيوفيلوس للتجنيد في جيش الاحتلال، وتتجاهل خطورة تسريب الأراضي وبيعها وتأجيلها للإسرائيليين، "ثيوفيلوس يسعى لأسرلة الأرثوذكسيين في فلسطين، متجاهلا آلامنا وأوجاعنا"، كما قال جلال برهم.

وعقدت المؤسسات الأرثوذكسية في فلسطين مع البطريركية وبإشراف اللجنة الكنسية التابعة للرئاسة الفلسطينية ثلاثة اجتماعات حوارية لوقف سياسيات البطريركية، ويعلق برهم، "كانت عبارة عن حوارات خجولة لم يصدر عنها سوى الكلام المعسول والوعودات التي لم تطبيق .. كانت أشبه بحوار الطرشان الذي لا يؤدي لنتيجة".

وحسب تعهد بين السلطة الفلسطينية والبطريركية، فإنه لا يجوز التصرف بالوقف الأرثوذكسي سواء داخل حدود القدس أو في بيت لحم، دون الرجوع عليها ونيل موافقتها.

ويبين المحامي حنانيا، أن البطريرك أجرى مجموعة صفقات طالت 48 دونما في بيت جالا ودونمين في بيت ساحور، مؤكدا، أن غضب الطائفة على تصرفات البطريركية في وقف ليس بملكها بل هو ملك للشعب الفلسطيني، "البطريركية ومنذ إقامته لم تشتر شيئا، وكل الوقف الأرثوذكسي هو ملك للشعب الفلسطيني، تم تسجيله كوقف كنسي خوفا من مصادرته من الانتداب البريطاني".

وكان عضو المجلس المركزي الأرثوذوكسي عدي بجالي بين خلال  مؤتمر صحفي عقد مطلع العام الماضي، أن البطريركية عقدت صفقة في شهر نيسان 2009 شملت تسريب 71 دونم وسبقها عدة صفقات، لافتا إلى أن الأرض المسربة سيقام عليها 4410 وحدة سكنية استيطانية وستة فنادق تحتوي على 1200غرفة قابلة للزيادة، حيث ستقام مقابل دير مار الياس وبالقرب من كنيسة كاتيسما الأثرية ومباني قديمة أخرى كقصر بنيامين ونبع ماء.

وإضافة إلى ذلك تبين أنه عام 2012 تم المصادقة على اقتطاع 142 دونم إضافية من دير مار الياس لمصلحة مستوطنة "أبو غنيم" وفتح شارع استيطاني جديد سيخدم بؤر استيطانية جديدة ستقام في المنطقة، مؤكدا أن هذا المشروع بمثابة ضربة قاسية لاقتصاد بيت لحم، "هذا المجمع الفندقي بالإضافة لمستوطنة خلفه تشمل مراكز تجارية وملاعب وحدائق، ستمنع السائح من الذهاب لمدينة بيت لحم إلا لزيارة الاماكن الدينية فيها فقط".

احتجاجات متواصلة حتى سحب الاستحقاق

منذ عام 1543 وإثر احتلال الرهبان اليونان سدة البطريركية بدأوا بعزل كل مطران وراهب عربي، ويبين الباحث أليف صباغ أن الموضوع استمر وبالتعاون مع الامبراطورية العثمانية حتى اليوم، "البطريركية اليونانية كانت تعتمد سلاح الرشوة للموظفين السياسين حتى تستخدم ضد الرعية العربية".

وأوضح، أن القضية الأرثوذكسية لم تكن يومًا قضية مسيحية بحتة وإنما قضية مسيحية روحانية وطنية من الدرجة الأولى، وكل البطريركيات في العالم هي بطريركيات وطنية؛ أي أن أبناء الوطن من يقودونها إلا في فلسطين.

وعلى الرغم أن الطائفة الأرثوذكسية في فلسطين لا تحمل مفاتيح عزل البطريرك، إلا أنها تصر على الاستمرار باحتجاجاتها حتى ينصاع لمطالبها بالحفاظ على هويها الفلسطينية وعدم تهويدها.

ويقول برهم، "لا نملك الصلاحيات القانونية لعزل البطريرك، حيث يحتاج ذلك لسلسة اجراءات لا نلك مفاتيحها"، مؤكدا، "نحن الآن نمارس حقنا بالقول أنه غير مستحق، وهذا مصطلح أرثوذكسي مفهوم".

وأضاف، أن البطريرك شريك واضح لاحتلال في تهويد الأرض وتزوير هويتها، "صراعنا مع الاحتلال تتمحور حول هوية الأرض، وعلى البطريرك مراعاة خصوصية وقفنا في فلسطين".

وطالب برهم بإفراز لجنة مختصة تحمل هم العرب الأرثوذكس كقضية عربية بامتياز وتدافع عنه وتطالب بحمايته كحال ملف العودة، وملف الاستيطان، وملف الأسرى.